الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنمية الإقتصادية مفاهيم وتساؤلات

تامر البطراوي

2016 / 12 / 29
الادارة و الاقتصاد


الإقتصاد هو كائن معنوي ينشأ ببيئة المجتمع الإنساني هدفه الوظيفي هو تحقيق الرفاهية الإقتصادية للمجتمع ، فإذا أخفق في تحقيق ذلك الهدف كان اقتصادًا متخلفًا ، ذلك لأن عدم قدرة الإقتصاد عل تحقيق وظائفه يعني وجود خللٍ ما بهياكل الجسد الإقتصادي (العرض والطلب) ، وهنا يصبح أولاً هدف التنمية هو تقويم وتصحيح ذلك الخلل الهيكلي بحيث يصبح الجسد الإقتصادي (ثانيًا) قادرًا على تحقيق هدف الرفاهية المجتمعية ويوصف حينها الإقتصاد وناتجه بالتنموي.
الناتج التنموي هو ذلك الناتج الذي يقارب كمًا أو يزيد فيه متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي مستوى متوسط نصيب الفرد بالدول الغنية والمتقدمة ، على أن يكون ذلك القدر المتحقق من الناتج يعتمد بشكل أساسي على مستويات متطورة من التكنولوجيا المعاصرة (وليس الريع أو الإنتاج البدائي) ، ذلك لأن الناتج التنموي ليس ذلك الكم فقط من الناتج الذي يرتفع قدره إلى مستويات الإقتصادات الغنية ، وإنما أيضًا هو ارتقاء كيفي لعوامل الإنتاج والناتج وأنماط الإستهلاك والمستوى المعيشي بشكل متقارب مع مستويات الدول الغنية ، بالإضافة إلى قدر من عدالة توزيع الناتج الإجمالي يختفي معه مظاهر الفقر المجتمعي.
وبذلك فالتنمية هي عملية تقويم وإصلاح وارتقاء بهياكل الجسد الإقتصادي من جانبي العرض والطلب ، بحيث يرتفع الناتج كمًا وكيفًا فترتقي معه أنماط الإستهلاك والمستويات المعيشية إلى مستويات الثراء الدولي المعاصر ، بجانب ارتفاع جودة التوزيع بما يحقق الرفاهية الإقتصادية المجتمعية واختفاء مظاهر الفقر.
وهنا يجدر التساؤل ما هي الهياكل التنموية؟ أو ما هي الهياكل الإقتصادية (الهياكل الوظيفية، والمؤسسية، والإقليمية، وهياكل العوامل، وهياكل التوزيع، وهياكل الطلب) التي تؤدي إلى تحقق الناتج التنموي؟ وهو ما يمكن التعبير عنه بالمهمة التنموية للهياكل الإقتصادية (هياكل العرض والطلب والتوزيع) وليس الرؤية التنموية ، فالرؤية التنموية هي الناتج التنموي المترتب على تلك المهمة.
وبذلك فإن عملية التنمية لا يمكن أن تتم بغير تحديد دقيق لطبيعة المهمة التنموية وماهية الهياكل التنموية التي ينبغي تحقيقها ، إذ أن الرؤية التنموية وحدها لا تكفي بغير مهمة مكافئة.
وما هي سُبل الوصول إلي تلك الهياكل التنموية؟ أو كيف يمكن الإنتقال بالهيكل الإقتصادي العام من الوضع المتخلف إلى الوضع التنموي؟ وهو ما يمكن التعبير عنه بالإستراتيجيات التنموية للتحول أو التغيير (الأهداف – السياسات – المبادرات – التنفيذ – التقييم والمتابعة).
وما هي طبيعة العلاقات التنموية ما بين الوضع الحالي والمهمة والرؤية ، أو بمعنى آخر ما هي طبيعة العلاقة ما بين الوضع الحالي للهياكل الإقتصادية وما بين الوضع المستهدف لها؟ وهي طبيعة العلاقة ما بين الهياكل المستهدفة والناتج التنموي؟ هل هي من حيث الثبات علاقات استاتيكية ثابته أم ديناميكية متغيرة؟ ومن حيث الأثر بنائية أم وظيفية؟ ومن حيث الزمن فورية أم تطورية؟.
بعض النظريات أكدت على أن التحول كرونولوجي تطوري ، بينما نظريات أخرى أكدت على فورية التحول ، فما هي طبيعة العلاقة من حيث المتغير الزمني؟ لأن الأثر المترتب في كل حالة متفاوت بشكل جوهري ، ففي حين أن في الحالة الأولى ستصبح عملية التحول من وضع التخلف إلى وضع الهياكل التنموية ، ومن وضع الهياكل التنموية وحتى ظهور الرؤية التنموية عملية بطيئة ومرحلية وتستدعي تراكم طويل الأجل ، فإن في الحالة الثانية عملية التحول ستصبح سريعة ونتائجها شبه فورية وتقوم بشكل أساسي على الدَفْعَات الكبيرة أو القوية (الدفعات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية) والتحول المباشر إلى الهياكل التنموية.
أما من حيث تبادلية الأثر فبعض النظريات تذهب إلى العلاقات بنيوية الأثر ذات الإتجاه الواحد ما بين الظاهرتين ، أي أحدهما يمثل بنية تحتية (substructure) والآخر بنية فوقية (superstructure) مترتبة عليه ، وبمعنى آخر أي أن الطابق السفلي للبناء لازم لوجود الطابق العلوي بينما الطابق العلوي وجوده ليس لازما لوجود السفلي ، بينما نظريات أخرى تذهب إلى وظيفية العلاقة ما بين الظواهر ، أي أن العلاقة ما بين تلك الظواهر وظيفية عضوية تشبه التكامل الوظيفي بين أعضاء الجسد الواحد تنشأ نشأة واحدة وتنمو بتوازي نسبي وتتكامل وظيفيًا وفق أثر متبادل بينها ، في الحالة الأولى ستصبح عملية التنمية مشروطة بتغيرات هيكلية أولية ذات أهمية وأولوية على غيرها ، ويصبح تغير الهياكل الأقل أولوية مرهون بالإصلاح المتعلق بالهياكل الأكثر أولوية ، أما في الحالة الثانية فإن عملية التغير الهيكلي التنموي إما أن يتم في إطار النمو المتوازن أو النمو غير المتوازن الذي يقود بدوره إلى تحفيز النمو العام وإحداث حالة التوازن نظرًا لطبيعة العلاقة تبادلية الأثر ما بين الهياكل الإقتصادية.
وأخيرًا ما مدى ثبات العلاقة ما بين الظواهر والمتغيرات الإقتصادية ، هل العلاقة ما بين الهيكل الإقتصادي والناتج علاقة ثابته أم متغيرة؟ هل زيادة الدخل القومي لابد أن تؤدي إلى زيادة الإنفاق القومي أم لا يشترط؟ هل العلاقة ما بين الهياكل التنموية والناتج التنموي ثابتة أم قد تتغير؟


البطراوي، تامر (2016). أبحاث في الإقتصاد السياسي، مطبعة دار السلام: الطبعة الأولى، الأسكندرية.

Facebook: Tamer Elbatrawy
Email: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة


.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟




.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام


.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع




.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا