الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الأصدقاء والقداسة

عبد الرحمن جاسم

2006 / 1 / 8
كتابات ساخرة


يقال أن المستحيلات ثلاث: الغول والعنقاء والخل الوفي؛ أما بالنسبة لي فقد كنت لطالما أعتبر بأن هذا الكلام غير صحيح، فالغول قد يكون جارك الذي يركن سيارته أمام سيارتك وتحتاج إلى كل أبواق الدنيا، ووحوش الفضاء لكي توقظه لكي يتكرم عليك بإبعاد سيارته كي تذهب إلى عملك، أو قد يكون مديرك في العمل الذي اكتشف فجأةً أن دوره في الحياة يتلخص بأن ينكد عليك عيشتك لسبب بسيط وضحل، تأخرت خمس دقائق، مع أنه يعرف بأنك قد تبقى في العمل ولساعةٍ اضافية لإداء أمرٍ طلبه هو. قد يكون الغول أحد أشقائك الذي يريد منك أن تحضر غرضاً من بلادٍ بعيدة-لأنك مسافرٌ هناك- مع علمه وعلمك، بأن هذا الغرض موجودٌ وبكثره هنا، ولكنه يريده من هناك، هدية!!! قد يكون الغول أي واحدٌ من هؤلاء، وقد يكون آخراً، لذلك لم أستبعد يوماً أن يكون الغول موجوداً.
العنقاء كانت أمراً آخراً، لقد كانت العنقاء، ولمن لا يعرفها طائرٌ هائل الحجم، وحينما يموت يتحول إلى رماد، ثم يعود ليولد من النار من جديد. لذلك فإن العنقاء مخلوقٌ لا يعرف التوالد والتزاوج والإنجاب وكل هذه الأمور المتعبة والمرهقة، والتي تكلف المرء كثيراً، سواء من راحته النفسية أو المعنوية. لكنني أبداً ما اقتنعت بأن العنقاء غير موجودة، ففلسطين كانت دائماً عنقاءاً بالنسبة إلي، ولست أقول الأمر من ناحية الخيال فحسب، بل من الناحية المنطقية، كلما ظننا بأن هذا الكيان الخيالي-الطيفي سيفنى، ولد من جديد، ولد من رماد أبناءه، من نيران بيوتهم المحروقة، كان يولد من جديد، أقوى وأشد نضارةً وعنفواناً. كانت أمي عنقاءاً بالنسبة إلي، كلما زادت ظروفنا قساوةً، كانت تخلق نفسها من جديد، من رماد آلامها، لتولد من جديد، وكثيرون غيرها كانوا يولدون من أقصى لحظات آلامهم وضعفهم.
بقيت النقطة الثالثة، الخل الوفي، وليس المقصود ههنا فقط الحبيب المعشوق، بل كذلك الصديق المقدَّس، القريب من الروح، الذي يبعث فيك الإطمئنان بمجرد الاقتراب إليه، وقد كنت محظوظاً ولفترةٍ طويلة بأن يكون حولي خلانٌ أوفياء، فلم أعانِ بشكلٍ أو بآخر من هذا الأمر. فالقداسة التي أضفيتها على أشخاص العاديين، أصدقائي، هي التي تجعلهم كما هم في عيوني، فيصبح التصرف العادي، تصرفاً مدهشاً إذا ما عرفنا تأثيره علي أنا. فالفارق بين الصديق العادي والصديق المقدس، واضحٌ وشاسع، ولمن لا يعرفه، احبتي، سأحاول أن أوضحه، فالصديق العادي هو من تجده بانتظارك حينما تحتاجه، أما صديقك المقدس، فهو الصديق الذي يكونك أنتِ، لذلك فليس هناك من حاجةٍ لمناداته حينما تحتاجه، لأنه أصلاً موجودٌ هناك. نقطة أخرى في الفوارق بين الصديق العادي والصديق المقدس، إن الصديق العادي يستطيع أن يعرف ماذا تريد، ولكن الصديق المقدس، لا يعرف ماذا تريد فحسب، بل هو يريد نفس الأشياء، ولكنه يفضلك على نفسه -أحياناً- كما تفضله أنتَ على نفسك، مما يجعلكم متناسبين، كأصدقاء مقدسين. تلك هي القداسة، وذلك هو الصديق المقدس، أحبتي.
ولكن لكل شيء نهاية، ولكل القصص الجميلة ألوانٌ عند ختامها، يظهر أنه آن أوان أن أنتبه أكثر سواء لأصدقائي، أو لمقدسي!! فحينما تدفعون الثمن، أحبتي، في قصةٍ كهذه، تعرفون ماذا أقصد، فالثمن دائماً باهظ.
دمتم في خير، وعسى أن يكون غداً أفضل من اليوم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب