الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-عفوا.. لقد نفد رصيدكم-..!

شاهين السّافي

2016 / 12 / 29
الارهاب, الحرب والسلام


يثار لغط كبير هذه الأيام حول "العائدين من بؤر التوتّر"، وانقسمت القوى السياسيّة في تونس بين مؤيّد لعودتهم ومحاسبتهم وفق مقتضيات القوانين الموجودة وهي في تصورهم كافية لردعهم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، ومفنّد لهذه العودة باعتبارهم قد أجرموا في حقّ شعبهم وشعوب أخرى وتخلوا عن تونسيّتهم وانتموا إلى فكر آخر ودولة أخرى (داعش) ومن هذا المنظور طالبوا بإسقاط الجنسيّة التونسيّة عنهم. تتصاعد وتيرة هذا الاختلاف بينهم حتى تخال أنّ ما هم بصدد الخوض فيه هو من أمهات القضايا، أو أنهم فعلا مختلفون قلبا وقالبا، ولكنّ الحقيقة هي عكس ذلك تماما.
كلّما تصاعدت وتيرة الحراك الاجتماعي، وكلّما أطلّ علينا شهر جانفي المجيد وهو يتزيّا بأروع أثواب الثورة، وكلّما أدركت حكومات ما بعد 14 جانفي 2011 المتعاقبة أنّها عاجزة عن الوفاء لهذا التاريخ المفصلي وهذه اللحظة الفارقة من تاريخ البلاد، كان لا بدّ لها أن تستنبط المخارج التي تحول دون الشّعب ومراده. ليس بخاف على أحد اليوم أنّ الحكومة الحاليّة -تماما كما صُوَيْحِباتها السّالفات- عاجزة عن تقديم أيّ حلّ جذريّ يمكن أن يهدّأ من روع أبناء شعبنا المغدورين والمذبوحين من الوريد إلى الوريد والمتقاطرة دماؤهم ودموع أمهاتهم وحبيباتهم على موائد الجشع والولع بالسلطة والسلطان. هنا تشتغل الآلة الجهنميّة لأرباب الظّلم والظّلام، فيهتف فينا هاتف من سدنة معبدهم قائلا: "حذاري من خطر الإرهاب.." ليتحوّل الأمر رويدا رويدا إلى شمّاعة يعلّق عليها الفشلة فشلهم، واللاّوطنيّون تواطؤهم مع أعداء الوطن، ومصّاصي الدّماء إمعانهم في النيل من قوت من لا قوت له.
لسنا مع الإرهاب، ولسنا من الذين نغفر لمن أجرم في حقّ الشّعوب، ولسنا نكنّ لأعداء الإنسان والإنسانيّة غير بركان من الغضب متأجّج على أهبة الاستعداد ليلقي بحممه على كلّ من سوّلت له نفسه أن ينال من إنسانيّة الإنسان. لكن، يا سادتنا يا كرام، تعالوا لنتحاسب أوّلا، من صنع هذا الإرهاب؟ من خطّط له ومن خطّ مساره؟ من هي الأيادي الآثمة التي تحرّكه؟ ومن هي القوى التي تستفيد منه؟ ومن هي القوى التي لا ترى فيه خطرا طالما أنها تبرّر وجودها بوجوده، وسوء صنيعها بالشعوب باشتداد عوده، وفشلها ولا وطنيّتها باقتراب طلقات باروده؟
إنّ "العائدين من بؤر التوتّر" -إن صحّ فعلا أنهم عائدون- ليسوا إلا ثمرة لتآمركم على شعوبكم، وأبناء لقطاء من صلبكم نتاجا لزواج المتعة بينكم وبين أعداء الأوطان، إنهم بشكل أو بآخر بعض منكم وصورة من صوركم القبيحة التي تخفونها وأنتم ترتدون أفخر ملابسكم في "بلاتوهات" التليفزيون، إنّهم أنتم ولكنّكم، إذ تعلمون، بالزّيف والبهتان تتحصّنون، ولكنّ حصون الزيف والبهتان أوهن من بيت العنكبوت.
إنّ ما أسمتموهم بـ"العائدين من بؤر التوّتر" ليسوا غير لعبة أنتم طرف فيها منذ البداية، فمن كفّر ومن دبّر ومن أجّر ومن سفّر ومن همّش الفنّ والفنّانين ونال من صورة الثقافة والمثقّفين ومن تغاضى ومن استفاد ومن اقتسم الكعكة ومن وظّف الأمر لكسب سياسيّ ومن علّق عليه فشله ولاوطنيّة خياراته، كلّهم في خندق واحد وإن أبدوا اختلافا فهو في القشرة لا في الجوهر، وكلّهم قتلة وكلّهم أياديهم ملطّخة بدماء الأبرياء، وكلّهم مسؤولون عن تحويل كلّ شبر من هذا الوطن الكبير إلى بؤرة من بؤر التوتّر، وكلّهم مذنبون في حقّ هذا الشّعب الرازح تحت نير أسيادهم، أسياد اللعبة أولا وأخيرا، الذين يحرّكونهم يمنة ويسرة كعرائس الدّمى ويفرّقونهم ثمّ يجمّعونهم تماما كما قطعات "البيزل".
يصول أسيادهم -أسياد اللعبة- ويجولون في الأوطان كيفما يحلو لهم، وقد تمكّنوا من النيل من سيادتنا الوطنيّة بشكل سافر فرزؤونا فلذة كبدنا العالم المقاوم الشهيد محمّد الزواري، فارتفع منسوب المسألة القوميّة من جديد بعد سنين عجاف، وعادت درّة العروبة فلسطين لتستوي على عرش هو عرشها، وطفا على السطح موضوع التطبيع وتعالت الأصوات هاتفة بضرورة تجريمه، ولكن هيهات أن تهدأ الآلة الجهنميّة لسدنة معبد الظلم والظلام، فطالما أنّ ورقة الإرهاب مازالت قادرة على تحريك السّواكن، فلنحرّكها قليلا ولنخطب في النّاس قائلين إنّ أمنكم مهدّد، ولنبتزّهم به. هكذا رسم أسياد اللعبة لعبتهم، وهكذا أحكموا وضع قوانينها، فصرنا نصبح ونمسي على موضوع واحد أحد لا شريك له هو "العائدون من بؤر التوتّر"، وكلّ يدلي بدلوه في هذا الموضوع، والكلّ يختلف أو يتّفق مع هذا أو ذاك، والكلّ يُوَجّهُ أوْ يوَجّهُ أو يتوجّهُ -لا فرق- إلى الدّوران في فلك واحد هو في واقع الأمر حلقة مفرغة، لتسرق منّا فلسطين مرّة أخرى.
إنّ موضوع "العائدين من بؤر التوتّر" ليس إلاّ عمليّة توجيه رخيصة يقوم بها أسياد اللعبة ومن والاهم قصد التشويش على البوصلة التي توجّهت نحو قضايا الوطن الاجتماعية والسياسيّة والقوميّة، وإنّ الموقف من هذا الموضوع رفضا أو قبولا لا يستدعي كلّ هذا اللّغط، ولكن حين تغيب الحلول الجذريّة للقضايا الاجتماعية والسياسيّة، وتغيب الشّجاعة ويحضر الجبن والجشع في التعاطي مع قضايانا القوميّة، يتمّ الاستنجاد بصنيعة أيديهم، من لم يطلقوا رصاصة واحدة لتحرير فلسطين، ويصنعون من موضوع عودتهم أو عدمها قدس الأقداس.
يا سادة اللّعبة، ويا سدنة معبدهم، رويدكم، قد تتوفّقون الآن فيما أنتم مقدمون عليه، ولكن سيأتي يوم ترفعون فيه سمّاعةً -أو شمّاعة- لتهتفوا في النّاس "حذاري من خطر الإرهاب"، فيجيبكم صوت لن تفهموا مأتاه يقول لكم: "عفوا.. لقد نفد رصيدكم".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا