الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجنس والمصلحة والنظام.. السينما حين تقارب إشكاليات الوعي المستقر..

علي عبدالحفيظ مرسي

2016 / 12 / 30
الادب والفن


قلنا في مقالنا الأول إنّه مفهومٌ لدينا أنّ المجتمعاتُ تكره الحريات المفرطة. لكنّ ما تكرهه هذه المجتمعاتُ أكثر هو هذه النوعية من العقلانيات التي تحاول إعادة طرح أسئلة ونقاشات حول موضوعات يمكن نعتها بأنّها تمثل ذلك الحدّ الأدنى من القواعد المتفق عليها والتي من شأنها أن تساعد في إدارة وضبط المسائل الاجتماعيّة وهي المسائل التي ترجو الجماعات البشرية ومؤسساتها الضابطة أن تكون في صورة أقرب ما تكون لصور المقدسات الغير قابلة للأخذ والرد وإعادة النقاش حول فرضياتها أو مسلماتها.. وهو ما ستتم مناقشته بتفاصيل ومقاربات عدّة خلال فصول كتاب كامل أقوم على إعداده الآن متعلق بدراسة صناعتي الوعي وخلق الجماعة أو الولاءات القوميّة..
وسواء أكانت عمليّة الخلق هذه تتعلق بخلق الولاءات والضوابط والانتماءات في أقل الأطر الاجتماعية عدداً وأكثرها طبيعية (الأسرة) أو أكبرها عدداً وأكثرها افتعالاَ وصناعيّة وهو جانب المجتمعات المركبة الكبيرة أو ما نسميه (الدولة) وهي كيان يتشكل تصعيدياً من تجميع عدد كبير من المجتمعات الطبيعية الأسريّة أو متعددة الأسر (القبيلة – الحيّ). وهي موضوعات تقع كلها في إطار دراساتنا لأصل الحضارة ولأصل المجتمع بما سيفرضه ذلك من دراسة لأصل الاقتصاد والأمن والعلاقات الجنسيّة أو دراسة الأسرة والمجتمعات وبما يشتمل عليه بالضرورة من دراسة التراث والثقافة والعادات والدين ...الخ.
فيلم: "5 to 7" (من الخامسة وحتى السابعة) الذي أنتج في العام 2014م، عن قصة وإخراج: فيكتور ليفين، بطولة برنيس مارلو، وأنتون يلتشين، والذي عالجنا أحداثه في المقال الأول. ومهما كان مستوى إطلاع المشاهد وانسجامه مع الثقافة الغربية ومع الحريات المدنية، فإنّه سوف يتوقف طويلاً أمام ذلك التقابل المدهش بين المفاهيم والتقديرات الأخلاقية والعمليّة أو المصلحيّة الموجود داخل الثقافات الحرة نفسها؛
الفيلم عرض حواراً عقلانيا يحلل المفاهيم الثقافية والأخلاقية والعمليّة ما بين مجتمعين من أكبر وأعرق المجتمعات الحرة في التاريخ، هما المجتمعين الأمريكي والفرنسي. كما تعرض لاختبار مفاهيم اجتماعية تكاد تكون محل اتفاق في التراث الأخلاقي والفكري العالمي وحاكمها عمليّاً وعقلانيّاً على نحو ربما يدهش أكثر المتلقين عقلانية .. والفيلم ليس هو الأول ولا الوحيد من بين عديد الأفلام التي تناقش الكثير من المفاهيم الثقافية الموروثة بشكل عالمي والتي تتعلق بالممكنات الجنسيّة لكنه ناقشها فقط من خلال مرجعيّة العقل وتحديداً من خلال ذلك الجانب الأقرب لأن ينضبط رياضيّا من العقل، وهو جانب المصلحة العمليّة الصّرقة ما بين منتفعين محددين..
أقام الفيلم حواراً مصلحيّاً وجسديّاً بين عدد من أطراف المشهد بعضهم فاعلون وبعضهم منتفعون فقط، إذ الأحداث الاجتماعية فيه لم تكن في الحقيقة إلا محض حوار نفعي بين زوج ديبلوماسي فرنسي، وزوجته الجميلة ظاهرة الرسوخ العقلي والفطنة .. حيث يتفق الطرفان على إبقاء العلاقة الرسميّة (الزواج) قائمة بينهما لمصلحة قدرها الطرفان معاً هي وجود طفلين رائعين واضح تماما سلامتهما النفسيّة. بحيث وضع الزوجان قانونا أو قوانين محققة للمصلحة النفسيّة والجسدية ومن ثمّ العقليّة لهما ومن ثمّ للمجال الخادم للولدين وللنظام المحيط بالأسرة حتى نهايته مهما كانت متطلبات هذا النظام. حتى وإن فرض ذلك حوارا نفسيّا أو جسديّاً جانبيّاً خارج نطاق الأسرة أو فرض على أيّ من الأبوين فيما بعد التنازل عن هذا الحوار الجانبي في لحظة ما فيما بعد استجابة لصالح نظام الأسرة ولصالح الولدين.
وهو ما قام الطرفان بتطبيقه بغاية العقلانية وبغاية الحزم لصالح الأهداف المحددة منهما مسبقاً.

مسألة نقاش المتفقات الاجتماعية العالميّة بهكذا درجة من التعقل الشديد ما يزال أمراً صادماً وغير معهود حتى في أجواء الحضارات الغربية الصريحة في اعتماد الحريات الفرديّة كإطار أساسيّ لها؛ إذ ما تزال هذه المجتمعات ترى في علاقة جسديّة وبالتالي –وبحسب ما هو واضح من أعمال فرويد ويونج المؤثرة وما تزال- نفسيّة خارج إطار الزواج شيئاً لا أخلاقيّاً ومرزولاً مهما كانت المصالح المحددة أو المعلنة من وراء ذلك، وبغضّ النظر عن اتفاق الطرفين على اعتماد هذه العلاقة أو سخط أحدهما أو كلاهما، أو المجتمع المحيط، فإنّ المسألة ما تزال مرذولة وغير محل قبول في العموم.
لا شكّ أنّ جانباً من سبق عدم الرضى المجتمعي والجنوح بالموضوع إلى جانب اللاأخلاقية هي مسألة مرتبط بعمليّة التنظيم الاجتماعي الموروثة تاريخيّاً في كل المجتمعات البشريّة والتي تهدف لربط المجتمعات في إطار نظم من عدم الفوضى..
حيث اتفق من قديم على أن يكون نظام الزواج إطاراً لتخصيص العلاقات الجسديّة ولضبطها ومع إنّ المجتمعات البشريّة أوجدت لضبط الممكنات الجسديّة وصناعة القواعد الاجتماعية ألوانا مختلفة من الضوابط بحسب ما توضحه الدراسات التاريخية الاجتماعية وحتى الدينية فإنّنا لا نَعدمُ وجود إشارات على تطورات عدّة كانت يوماً ما قاعدة لضبط النظام الاجتماعي ثمّ عادت منكرة فيما بعد.. فحتى في الصراع المعلن منذ نحو ثلاثة آلاف عام ما بين النظم الدينية التوحيدية ونظم الحضارات القديمة المسماة بالوثنية –على الأقل من جانب خصومها التوحيديين- نجد أنّ الطرف الأكثر تشدداً وضبطا لموضوع العلاقات الجسدية والأسريّة لا يجد بدّاً من الاعتراف بأنّه في مرحلة بشريّة وتاريخيّة لم يكن هناك بدّ من إيقاع علاقة جسديّة بين المحارم أنفسهم وهو ما يعرضه نموذج العلاقة الجنسيّة الأصلية ومن ثمّ الخطيئة الأصلية ما بين آدم وحواء وما بين أبنائهما حيث قضى آدم ما بين ابنيه هابيل وقابيل بأن يتزوج كل منهما توأم الآخر فكان أن حسد من وقعت له الفتاة الأقل جمالاً أخاه الذي وقعت له الفتاة الجميلة ففي كل الأحوال يجب أن لا ننسى أنّه زواج أخ من أخت..
ومع أنّه منذ فرويد وكارل جوستاف يونج في العصر الحديث أصبح معروضاً على العقل العالمي أن يناقش مثل هذه الممكنات الجنسيّة إلا أنّها ما تزال محلّ جدل في العالم كله كما أنّ التقريع على مخالفة النظام العام (العالمي تقريبا) لم يتغير بعد. ومع ذلك فلم يحدث أن قدّم مجتمع ما "روشتة" علاج نفسي واجتماعي واضحة في هذا الشأن إلا ما تحاول الكتابات الفلسفية والإبداعات الفنيّة الشاذة وغير المعهودة طرحه من آن لآخر..
إنّ المقاربة النفسيّة التي قادها العبقريان فرويد ويونج أبقت مسألة الجنس رهينة بحدود موضوع المكبوتات في معركة اللاوعي المندفع مع العقل الحاكم ومع النظام العام، حيث يكون هذا الأخير (أعني النظام العام) هو في الحقيقة الحاكم الفعلي في المسألة؛ وحيث يظهر أنّ وظيفة النظام العام هي أن يضع القوانين التي تحكم الأنا الصريحة إن جاز التعبير عن التصرف الحرّ وإن حقق مصلحتها ولم يؤذ الآخرين ليس لأنّ هناك ثمة مصلحة ظاهرة لها وإنّما فقط لكي تدفع عن نفسها خطر مخالفة قوانين المجموع العام..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب