الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينما والصحافة -3 - فيلم (2014, Gone Girl)

حسين علوان علي
(Hussain Alwan)

2016 / 12 / 31
الادب والفن


حين تكون مصداقية الخبر الصحفي على المحك بسبب غموض الحدث وتكالب الصحافة الصفراء.

لم يكن لقصة هذا الفيلم (2014, Gone Girl) التي يمكن ان تكون شائعة في أي مكان لأن تستحوذ على انتباه الجماهير انطلاقا من ولاية ميسوري الاميركية الى انحاء البلاد كلّها لولا أنها وقعت في قبضة (الصحافة الصفراء) كونها بالأساس قضية لم تحسم بعد وتمتلك التأثير العاطفي المطلوب بين الناس ، وبالتالي يمكن استغلالها لصناعة خبر صحفي كبير يستحوذ على اهتمام المجتمع على الرغم من كونه خبرا مشكوكا في صحته أصلا، لكنه يمكن ان يدفع بالناس لمتابعته باستمرار كخبر اجتماعي رئيسي مع تغطية مكثفة زائفة على الأغلب من قبل صحفيين غير جديرين بمصداقية المهنة يمتهنون ويتبعون أساليب الصحافة الصفراء .

عرّف الباحث التاريخي والصحفي الامريكي (فرانك لوثر موت Frank Luther Mott) الصحافة الصفراء في كتابه (الصحافة الامريكية American Journalism) الصادر عام 1941 أنها تعتمد فيما تعتمد على ( العناوين العريضة المثيرة للروع عند الجماهير، التضخيم في الصور المعلنة والافراط في الخيال، اعتماد اللقاءات الصحفية الملفقة والعناوين الخادعة، ادعائات باطلة يكتبها اشباه المحترفين، ثم الاستغلال الدراماتيكي لمشاعر الضحيا المعنيين بالشأن في قضايا معينة بحد ذاتها)، وقد تلقفت القصة هذه الجماعات الصحفية في مسار الفيلم والباحثة عن الخبر المثير واستغلت شريحة كبيرة من النساء والعوائل المهتمة بحدث كهذا للتعاطف مع الزوجة التي كان يفترض ان زوجها قتلها وتخلص من جثها في عصب قصة الفيلم.
رجل يقتل زوجته ويخفي جثتها مدعيا براءته عن مسؤولية الجريمة ؟!، هذا هو الخبر الذي ظهر بالحروف الكبيرة على الصفحات الاولى لتلك الصحف، وعلى شاشات الفضائيات المحلية والوطنية في نشراتها الخبرية المتسارعة المتواصلة ، بينما الرجل في الحقيقة بريء تماما من جريمة قتلها لأن الجريمة كما يوضح لنا مسار الفيلم لم تحدث أبدا، وأن زوجته خططت بدقة عجيبة لوقائع جريمة وهمية، ورحلت بعيدا عن مسرح الاحداث وعملت على اخفاء هويتها الحقيقية، تاركة زوجها يواجه الاعلام وتحقيقات الشرطة باعتباره قد قتلها بالفعل واخفى جثتها، وليواجه الزوج (البريء) تهمة قتل زوجته، الجريمة التي ستودي به في النهاية الى حبل المشنقة .

تعتمد قصة هذا الفيلم (Gone Girl) المنتج عام 2014 في هوليوود على قصة لـ (جيليان فلين) عن رواية لها بنفس الاسم، وهي تتناول في الاساس اهتمام الجماهير بمصير بشخصية شهيرة في عالم كتب الاطفال هي (إيمي الصغيرة)، قصة يكتبها على شكل سلسلة أبوان عن ابنتهما الصغيرة إيمي، والتي أصبحت شابة كبيرة في وقت وقوع احداث الفيلم، جميلة جذابة تمثل شخصيتها الممثلة (رواموند بايك) ، وقد تزوجت آخر الامر بـ (نِك) وهو كاتب مقالات صحفية مستقل قام بتجسيد دوره الممثل الفذ (بن افليك). لكن الايقونة الاجتماعية بطلة قصص الاطفال (الصغيرة أيمي) كانت في الواقع تعاني اضطرابا نفسيا أذاقت المرّ بسببه لأثنين من الرجال الذين ارتبطت بهم قبل نِك، زاد ذلك انها اكتشفت أن زوجها كان قد اتخذ عشيقة سرا يخونها معها على الدوام، فقررت الانتقام منه بتلك الطريقة المحبوكة التي تلقفتها الصحافة الصفراء وكأنها هبة من السماء، فاخذت جحافل الاعلام تتابع القضية وتحقيقات الشرطة في قصة الرجل الذي (قتل) زوجته (إيمي الشهيرة) واخفى جثتها، ورابطت سيارات الفاضائيات المتنقلة والصحفيون أمام منزله صباح مساء في انتظار ان تسوق الشرطة الزوج (القاتل) الى السجن، بينما رحلت زوجته (المفترض انها قد قُتلت) الى ولاية اخرى تخفي شخصيتها وتتابع بدورها عبر الشاشات تفاصيل التغطية الصحفية الضخمة التي رافقت القضية.
نجد هنا قصة وقائعها مفبركة في واقع الأمر، بينما قدمتها الصحافة الصفراء على أنها وقائع حقيقة جعلت الرأي العام يتعاطف معها بشكل مؤثر جدا رغم عدم وجود الأدلة الكافية، وعدم وجود جثة للقتيلة المفترضة. وكان مديروا القنواة التلفزيونية ومحررو الأخبار يدركون ذلك جيدا، لكنهم تلقفوا اهتمام الجماهير بالقضية واستغلوا تعاطفهم ليجعلوا الكذبة تلك تسير على هديها على أنها حقيقة لايرقى إليها الشك، وهنا وقفت الصحافة كمهنة نبيلة على المحك في مصداقيتها، وواجبها المتمثل بنقل الخبر الصحيح بعد التحري والبحث المتكامل عن صحته ومصداقيته، لتكسب القاريء والمشاهد الى جانبها ولو بعد حين، لا أن تضحي به في أول مواجهة من اجل التكالب على الانتشار بين الجماهير على حساب أي ثمن، وتلك هي الصحافة غير المسؤولة، غير المبنية على استراتيجيات بعيدة المدى طويلة النفس، صحافة ضيقة الافق تبهرها الشهرة ويطربها رنين الدراهم قبل كلّ شيء.

يشير الكاتب ( د. نبيل راغب ) في كتابه الموسوم (الصحافة الصفراء، الجذور والفروع ) الصفحة 390 أنه (ليست الاكاذيب والاختلافات والخدع والمبالغات شرطا اساسيا لنجاح الصحيفة ورواجها، وإنما الشرط الأساسي يكمن في المهارة الصحفية والتمكن من أسرار الحرفة الصحفية بطبيعتها الحافلة بأنواع الاثارة والجاذبية والتشويق التي يمكن توظيفها في إطار الشرعية الصحفية) ويضيف بأن ( الحرص على أخلاقيات الصحافة يفرق دائما بين الالتزام المفروض على الصحفي من المؤسسة التي يعمل فيها، وبين الالتزام النابع من داخله حيثما ذهب). لكن الحرص على أخلاقيات المهنة الصحفية لم يمنع مذيعة مشهورة مثلا (ضمن وقائع الفيلم) من الاعتماد على شهادات زور لتروج القصة عبر الشاشات الفضائية، واستغلت بشكل مكثف الأخطاء التي كان قد ارتكبها الزوج لتدعم هجومها عليه وتدفع بالرأي العام لادانته دون أن تحفل بانتظار نتائج التحقيق، وكان هجومها على الزوج شديد الشراسة لتمرير الخبر بثقة تخدع الجماهير، لكنها ثقة زائفة في الحقيقة، وأن الجماهير في هذه الحالة أمست واقعة تحت تأثير كذبة كبيرة.
بعد ذلك وحين احست الزوجة انها بسبب بعض الاحداث التي تعرضت لها انها باتت في وضع حرج وقد يتم اكتشاف خدعتها، عمدت الى تلفيق قصة اخرى، وعادت امام كاميرات التلفزيون الى زوجها باعتبار انها كانت مختطفة وقد تعرضت للتعذيب والاغتصاب على يد احد محبيها السابقين . وهنا وياللعجب عكست الصحافة الصفراء اتجاه بوصلتها الى العكس تماما، وعمدت عبر صفحاتها المصفرة الى تناول قصة الزوجة العائدة الى بيت زوجيتها دون ان تحفل بانها كانت قبل ايام تتحدث عن العكس تماما ؟؟ وكأن الرأي العام هو ألعوبة بيد صحافة غير مسؤولة، وكأن مشاعر الناس وردود أفعالم هي لعبة يمكن أن يلعب بها من يشاء وكيفما كان.

ولعل من ( الطريف !! ) ان نعرف أن المذيعة الشهيرة التي هاجمت الزوج على الشاشة بكل شراسة واستخدمت مصادر غير موثوق بها للايقاع به ، ومنها اشخاص كانت قد خدعتهم الزوجة وزودتهم عامدة بمعلومات ملفقة، قامت هذه المذيعة لكي تعتذر من الزوج البريء من تهمة القتل التي وجهتها اليه، وعلى ما روجته بحقه من اكاذيب، انها جاءت الى منزله وبيدها باقة ورد ( طالبة الصفح )، وكأن باقة ورد فحسب يمكن أن تعيد لمهنة الصحافة اخلاقياتها التي تم الضرب بها عرض الحائط، في اهانة بذيئة لمهنة نبيلة، تمتلك اكبر التأثير على الجماهير في أعماق الوعي الجمعي الشعبي، الخاضع بشكل من الأشكال الى التأثر والتفاعل مع الأخبار من مصادرها المختلفة. وفي النهاية من يزودنا بالأخبار؟، أليست وسائل الإعلام هي بنفسها ؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟