الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة الأخلاقية العربية

حسن محسن رمضان

2016 / 12 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


تتميز المجتمعات العربية، بكافة تفرعاتهاوأصولها وعقائدها، بأنها تُروّج لنفسها على أنها "مجتمعات محافظة". فـ "المحافظة" في الذهنية الثقافية العربية بكل أطيافها وأديانها هي صفة مدح وتميز ولذلك يحاول الجميع أن "يتقمصها" بصورة أو بأخرى. وتلك الأطياف ذات الثقافة العربية المتعددة تقصد بالـ "محافظة" بأنها ثابتة على سياقها القِيَمي القديم فيما يتعلق بمعايير أخلاقية[قروية أو بدوية] محددة،مضافاً لها الإيحاء بحالة تَديّن صلبة لم تتغير، مع ما يصاحبهما من عادات اجتماعية ترفض أن تتنازل للزمان عنها وظروفه، وأنها ترفض أيضاً أية محاولة لجرها بعيداً عن هذا الإطار الثقافي الأخلاقي العقائدي التقليدي القديم في اتجاه الأطر الأخلاقية والفلسفية الحديثة بما تمثله من زيادة في الحريات المدنية على الخصوص، بل بعضها يصف تلك الحريات بالانحلال. بالطبع، وكما هو الحال في كل شيء في أوطاننا العربية البائسة، فإن شعار (المجتمعات المحافظة) ما هو إلا كذبة كبيرة تروجها تلك المجتمعات عن نفسها، وهي تعرف مقدماً أنها كاذبة ولا حقيقة لما تقوله إلا ضمن أطر ضيقة جداً وضمن أطياف قليلة العدد وتتناقص أعدادها يوماً بعد يوم. إذ أن الأطر الأخلاقية الدينية والاجتماعية التي تتظاهر تلك المجتمعات بأنها تتمسك بها، ما هي على حقيقتها إلا وسيلة من وسائل التناحر الاجتماعي والسياسي، إلى حدود الكارثية والقتل والتصفية الجسدية وبأكثر الوسائل وحشية، وذلك حتى ضمن النسيج الاجتماعي الواحد. فـ "الدين" عند تلك المجتمعات "المحافظة" هو وسيلة من وسائل التبرير للقتل والاضطهاد والصراع والتناحر في سوريا والعراق ومصر وبعض مجتمعات الخليج، أما الأخلاق فهي أن "تتفذلك" في إيجاد تبريرات لهذا القتلوالاضطهاد في اليمن والبحرين، مثلاً، ومن ثم "تتأثر إنسانياً" لنفس هذا القتل في سوريا على يد قوات النظام ولكن في نفس الوقت تسكت عن كل جرائم الجماعات المعارضة السورية الدينية أو العلمانية. وأيضاً، نفس تلك المجتمعات "المحافظة"، تتناسى عن عمد وسبق إصرار الصومال ودارفور والصحراء الغربية وإلى حد ما ليبيا وكأنها ليست موجودة أصلاً.أما العادات والتقاليد الاجتماعية هي أن تبحث عن أسباب انتقائية متنوعة في حوادث التاريخ والثقافة الشعبية ونصوص الدين حتى تبدأ في "نبذ"المختلفين عنك في الدين أو العقيدة أو المذهب أو الأصل أو العِرق أو الطبقة وبذلك تؤجج الصراع الاجتماعي أكثر، والكنيسة والمسجد، والنشاط الاجتماعي ونصوص الثقافة الشعبية التى يتم تبادلها شفوياً على الخصوص،جميعهم يتنافسون في هذا الأمر، وكل مَنْ ينكر ذلك هو إما مخدوع أو غير صادق. بل حتى التوجهات الليبرالية والعلمانية التي ظهرت ضمن هذه الثقافة العربية هي مصابة بنفس هذا الداء المتناقض، إذ يكفيك أن تستعرض مقالات وتعليقات هذه الأطياف في مواقع متعددة لتكتشف حجم الأزمة الأخلاقية التي يعاني منها الجميع. إذ تتجلى أكثر أنواع الطرافة وأشد أنواع الظواهر مدعاة للسخرية في تلك الثقافة العربية في أن الجميع يدعو إلى دينه أو مذهبه الأول من طرف خفيوغير مباشر ضد الدين أو المذهب الآخر المعادي له، حتى ملاحدة العرب، بل الملاحدة العرب على الخصوص. فتعبير "مجتمعات محافظة" عند هذه الشعوب لا تعني أكثر من أنها "محافظة" على الانحدار الأخلاقي المتناقض الذي يهز كل العالم وبلا استثناء فيما عدا تلك الشعوب العربية التي تمارس القتل والتدمير تحت حجج مختلفة، وفيما عدا عند من يبرر ويبحث عن الأعذار لممارسة تلك "الهمجيات" المتنوعة في بلادنا المحافظة.

ما يصدمنا في هذا "الحفاظ" الاجتماعي المنحدر هو أن الجميع مشارك فيه ومن دون استثناء. فمن كان يُصدق، أو حتى يتخيل، أن الجماعات والتيارات العلمانية والليبرالية تقف لتبرر وتبحث عن الأعذار لعمليات قتل المتظاهرين المدنيين العزل في ساحات مصر العامة؟! نختلف مع الجماعات الدينية، نعم. نصارعهم سياسياً ونبين عوارهم إعلامياً وثقافياً وتاريخياً ومبدئياً، نعم. ولكن أن نقف في صف واحد مع انقلاب عسكري يريد تصفيتهم جسدياً ثم ليكون ضحاياهم من النساء والأطفال والشيوخ والأبرياء من الشباب فهذا شيء مختلف تماماً، ويُعبّر عن حجم الأزمة الأخلاقية والمبدأية التي تعانيها تلك المجتمعات ومن دون استثناء. فالجميع يتشدق بمفاهيم وشعارات هو لا يفهمها أصلاً. فلا (الحرية) مفهومة في تلك البلاد، ولا (الديموقراطية) مفهومة، ولا (حقوق الإنسان) معروفة حتى من جانب من يدافعون عنها، بل حتى الإطار العام للأديان وأخلاقياتها، بأنواعها الثلاث (إسلام – مسيحية – يهودية)، لا تبدو أنها مستوعبة من جانب تلك المجتمعات (المحافظة) على الجهل والهمجية. فمن كان يتخيل أن شيخ الأزهر يقف إلى جانب قتل المتظاهرين وتصفيتهم؟! ومن كان يصدق أن الكنيسة القبطية تخرج ببيان تأييد ورضى وتشجيع؟! ومن كان يطرق باله أن السياق السلفي السعودي الرسمي يقف إلى جانب الليبراليين والعلمانيين المصريين الذين يكفرهم ابتداءاً في تبريرهم لقتل المتظاهرين؟! حالة من حالات الجنون التي ينعدم فيها المنطق قبل المعيار الأخلاقي، وتذوب فيها القيم خلف ستار الادعاءات الإعلامية وإرهاب الأجهزة الرسمية و "فلسفة" المثقفين للوضع الكارثي المحيط.

كل شيء عند هذه المجتمعات متناقض ويُعبر عن أزمة أخلاقية. وكل شيء في ذهنية هذه الشعوب المتخلفة البائسة يُعبر أزمة في المفاهيم. فهي لا تستطيع أن تفكر إلا من خلال ثنائية (إذا لم تكن معي فأنت ضدي) أو كما يقول يسوع الإنجيلي: (من ليس معي فهو علي)، ولا يوجد خيار ثالث إطلاقاً في تلك الذهنية. فإذا اعترضت على قتل المتظاهرين في ساحات مصر والاعتقالات العشوائية والاختفاءات القسرية والأحكام القضائية المسيسة وقمع الحريات من منطلق مبادئ الحريات المدنية والحقوق العامة الطبيعية فأنت، ضمن هذه الذهنية المتخلفة البائسة في الوطن العربي، مع الإخوان المسلمين ومع التيارات الدينية المتطرفة. وإذا اعترضت على ما يحدث في البحرين من نفس تلك المنطلقات فأنت، ضمن نفس تلك الذهنية المشوهة، إما شيعي أو تريد أن تعطي البحرين لإيران. وإذا رفضت الجرائم التي تحدث ضد المدنيين العزّل في اليمن بيد آلة عسكرية مشابهة للتي في سوريا فأنت، ضمن محيط انعدام الضمير هذا، متآمر على المسلمين السنة ومع الحوثيين ضد أي شيء يفعله السعوديون. وإذا تكلمت عن جرائم داعش والنصرة والأحزاب الدينية المتطرفة في سوريا فأنت، ضمن هذا الفضاء الغرائبي، مع النظام السوري ضد "ثورة"(!) سوريا. وعلى نفس المنوال الذي يصمت صمت الموتى في قبورهم على جرائم المتطرفين الدينيين السنة ضد المدنيين الشيعة والمسيحيين والعقائد الأخرى ليقتلهم في الأسواق والطرقات والمدارس وأماكن العبادة ويهجرهم ويستعبدهم، هو نفسه وفي نفس الوقت يروّج ويضخم ويبكي على ما يفعله الحشد الشعبي الشيعي في بعض مناطق العراق ضد السنة. وإذا تكلمت معترضاً على أي من تلك التناقضات الأخلاقية المقززة السابقة فإن الشتائم سوف تنهال عليكمن كل مكان ويتم تصنيفك على أنك عدو الدين أو المذهب أو الدولة وربما تُعتقل ويُباح قتلك. فلا شيء صحي وسليم في تلك الذهنية "المحافظة" بل هي أقرب إلى المرض والشذوذ منها إلى أي شيء آخر.

قتل المتظاهرين خطيئة، وتصفة المدنيين بيد أياً كان جريمة، والاضطهاد وتسييس القضاء واستخدام الآلة العسكرية لقمع وقتل المدنيين هو انحطاط ما بعده قاع، مهما كانت الأعذار، ومن يبرر لها فهو على شاكلة القاتل، بل أسوأ. والتضييق على الحريات خطيئة، مهما كانت الأعذار، ومن يبرر لها فهو على شاكلة المستبد، بل أسوأ. ومن يبرر قتل مخالفه والتضييق عليه اليوم، فيومٌ ما سوف يتجرع من نفس هذا الكأس، كذا يقول لنا التاريخ، ولكننا شعوب "محافظة" على الجهل وليس على شيء آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الجهل المقدس،، تعديل
جلال البحراني ( 2017 / 1 / 1 - 14:11 )
بالأخص لدينا في الخليج
إعلام حكومات مساجد حسينيات صحافة مؤسسات ضخمة متخصصة في صناعة الجهل
مما بين كل شعوب الخليج الكويتيين هم الأكثر سفر لكل دول العالم، بشكل عام الخليجيين يسافرون للعلاج للسياحة أو للدراسة و للأسف يرجعون باللحية أو العمامة!! حتى لو تخصصوا في الطب أو الهندسة! بعضهم أكثر رجعية من الرجعية نفسها
محافظة؟! على ماذا ؟! بكل أسواقنا في الخليج ترى المرأة و كذلك الرجل يقبل أن تكشف المرأة عن وجهها و تتعامل مع بنغالي إلخ على أن تتعامل مع عربي فضلا عن خليجي ( مستحيل) ثم يزجرها إن لم تغطي وجهها في السيارة
عيب يااااه وش بيقلون (((الناس!))) جملتنا المقدسة الأخرى، لكل ما نفعل
بالمناسبة أستاذ حسن ،، برمضان الفائت أعجبني بعض مواضيع المسلسلات الكويتية، تحاول كسر التقليد و التابو بالأخص ولد الخادمة الفلبينية
أحد وزرائنا كتب تغريده، والله يغثون هالمسلسلات! حتى الفلبينين صار لهم صوت! ههههههه
كل عام وأنتم بخير


2 - ما هذا
ابراهيم القشلان ( 2017 / 1 / 1 - 19:52 )
ما هذا الكلام، ما هذا العجين، ما هذا الخلط، ما هذا التناقض، ما هذا التغييب، ما هذا الوهم؟؟؟؟؟

اخر الافلام

.. لماذا لم تتراجع شعبية ترامب رغم الإدانة؟| #أميركا_اليوم


.. 10 شهداء بينهم أطفال وعدد من الإصابات في قصف استهدف منطقة رم




.. بن غفير: الصفقة تعني التخلي عن تدمير حماس فإذا ذهب نتنياهو ب


.. تشويه لوحة فرنسية شهيرة بسبب التقاعس بمواجهة التغير المناخي




.. تظاهرة في مدينة بينغول التركية دعماً لفلسطين وغزة