الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتعة المسروقة

حسام الخطيب

2017 / 1 / 1
الادب والفن


رفعت رأسها لتستطلع من ذلك الشخص الذي يحتمي بظلال الشجر الساقطة علي الأرض لتخلط بينه وبين جذوعها ، كان يتسلل في صمت وسرعة متجها نحو بيتها الذي قبع ملازما لثلاث بيوت فقط وسط الحقول التي افترشت الأرض علي مد البصر
تعرفت عليه علي الفور، حتي من قبل ان تستبين ملامحه ، هي هيئته من بعيد وطريقته في المشي التي حفظتها ، رقصت الفرحة بين جوانبها ولكنها كتمت صيحة السعادة خشية أن تكشف ستره ، جاست عيناها خلال البيوت لتري هل هناك من ينظرهما ، رأت نافذة تهتز ربما بفعل يد اغلقتها للتو ، تتمني لو انها الريح ولكن سنوات عمرها الخمس والستين اخبرتها ان عيون الجيران تراقب وسريعا افواههم ستتكلم
تسلل الرجل الي حظيرة الحيوانات المفضية إلي الدار مثل اللصوص الذين انتهبوها اخر مرة ، تركت هي عملها بالأرض التي احنت ظهرها وسرقت منها عمرها وجسدها الغض وسارت وهي تتؤكا علي عجزها ، وتحس بثقل سنوات عمرها الخمس والستين علي ظهرها كالقتب حتي دلفت الي الدار ، أسرعت نحو باب الحظيرة تفتحه ، التقت عيناها به ، ارتجف لحظة كضوء المشعل حينما يداعبه النسيم قبل ان يبتسم ابتسامة متعبة حزينة ويلقي بنفسه عليها ليذوب وسط احضانها ، لثمت وجهه وكتفيه بقلبات كثيرة وهي تغرقه بدموعها قائلة
- ( حسن ) يا بني لقد عدت أخيرا
رد عليها في حزن وسعادة لا ندري كيف اجتمعا في صوت واحد
- ليس طويلا يا أمي ، فهم يبحثون عني في كل مكان
بالغت في احتضانه وكأنما تستجلب دفء المشاعر لقلبها وهي تتذكر اخر ما راته منه ، ابوه كان يصر علي الا يذهب الي التجنيد لتسليم نفسه للخدمة العسكرية بدعوي أن الأرض تحتاجه ، وهو يتعهد بتزويجه وحمايته ، يومها قال له ما هي الا عشر سنوات ويسقط عنك التكليف ، لم يدري يومها ان والده نفسه الذي ضحي بحياته من اجله سينقلب عليه أثر مشاجرة بسيطة ويبلغ عنه السلطات
تذكر يوم اقتادوه من الدار وسط شماته والده ، وولولوة زوجته ونحيبها ، تذكرت يوم قاطعت زوجها حتي وفاته بعدها بشهور قليلة دون ان تبادله كلمة او نظرة واحدة وهي تحمله اللوم علي كل ما حاق بولدها الوحيد
تعرف أن الشرطة الأن ربما تكون في طريقها اليهم ، والنافذة المهتزة لم تكن تشي بالخير ، فالعلاقات مع الجيران لم تكن حسنة في معظم الأحوال ، انتزعته من احضانها وهي تمسك براسه بين كفيها قائلة :
- ( شيماء ) في غرفتها اذهب اليها ، أسرع
غادرها الفتي بين لهفة وخجل ، وهي تتنهد ، مسكين لم يذق عسيلة زوجته سوي أيام قليلة قبل أن ينتزعوه من فراشه واحضانها ، عشرة شهور مرت عليه وهو في السجن الحربي ، وعندما اخذوه بعدها لتأدية خدمته لم يستطع الاحتمال فهرب
الشرطة توافيها كل فترة لتقوم بتفتيش الدار ، الضابط متعاطف معها لكنها وظيفته ، بين حين وأخر تأتيها اخباره ، عمل لفترة في تهريب الأسماك بأسوان ثم في زراعة الخضروات بقرية قرب الجيزة ، حياته ليست علي ما يرام
سمعت صوت بكاء زوجته صادر من الاعلي فهمست لنفسها :
- الصغيرة البلهاء ، لا تشعر بالوقت فتهدره في البكاء
اتتها ضحكة خجول مع صوت باب يغلق فابتسمت وهي تشعل النار لتسخن له الماء ليغتسل ، نظرت في الدار ، لم يكن هناك سوي الخبز والجبن ، وهو يا لهولي ربما لم يذق الدسم منذ شهور
سارت الي الحظيرة لتنتقي اكبر دجاجتين لتجز رقبتهما بالسكين وتنزع عنهما ريشهما ، واضعة كلتاهما في اناء واسع ، اقتطفت بعض الخضار من حقل مجاور فلم يكن بوسعها الذهاب الي السوق واعدة نفسها بان تسدد ثمنه الي صاحب الحقل متي رأته
أحست بالقلق يعتريها دونما سبب ، هي حاسة تكونت لديها مؤخرا فصارت تشعر متي أحاط بالبيت خطر من أي نوع ، فخرجت الي الطريق المؤدي الي بيتها ، من بعيد لمحت الضابط مع اثنان من الخفر يأتيان هرولة ، اذن النافذة المهتزة لم تكن بفعل الهواء
زفرت وصوتها يعلو ليسمع الجميع
- حضرة الضابط ، أهلا وسهلا شرفتنا
اقترب منها الضابط الذي شعر انها باغتته قبل ان يفاجئها
- أين ابنك يا حاجة ( جليلة)؟
- لا اعرف يا حضرة الضابط ، لن اكون اعلم من الحكومة بمكان ابني ، لم أره منذ أن اخذتموه الي السجن الحربي وبعدها الي الجيش
قال لها برفق ناصحا:
- من مصلحتك ومصلحته أن تقولي لنا أين هو ؟
قالت في شرود:
- يا سعادة الباشا ، لقد رأيت ابني وهو في الثانية من عمره عندما يخاف يهرع ليختبئ بين طيات صدري مستغشيا بثيابي فلا اكاد اعرف أين هو وهو بين طيات صدري وأقرب ما يكون الي ، فهل أعرف اليوم وهو رجل كبير ضخم هارب من وجه عباد الله الي بلاد الله ، هيهات يا سعادة الباشا
- نحن مضطرون اذن الي تفتيش الدار
- حقك وحق الحكومة ، لكن زوجته تغتسل في قلب الدار ، انتظرا حتي تفرغ وبعدها الدار داركم ، البيت له حرمات وانتم تعرفون هذا بالطبع
انتظر الضابط مع رجاله بالخارج بضع دقائق وهي تجاذبه الحديث عن أهله وبلده واحواله والرجل يجيبها باقتضاب ولكن بلطف، حتي نظر الي ساعته بغته وهو يقول :
- أظن أن هذا يكفي
اشارت له وهي تفتح باب الدار في هدوء صائحة :
- تفضل يا حضرة الضابط . قم بواجبك
اسرع مع رجاله يفتشون البيت ركنا ركنا والزوجة الشابة تقف في وسط الدار شاحبة باكية وقد صكت وجها الذي علاه الزينة ، والام تنظر اليها لتستنطق من عينيها حقيقة ما حدث بينهما قبل أن تسرع لتحمر الدجاجتين في الزيت في عجالة ثم تصرهما في منديل كبير مع بعض الفاكهة والخضروات وهي تتفحص الحقول في قلق
لاحظت ارتعاشات الذرة واعوادها ، أنه يبتعد ثم يتوقف ثم يغير مساره ليقترب ، تشعر بقلقه وتردده بين الهروب والبقاء ، الطعام في صرتها والماء المجهز لاغتساله علي النار يغلي والضابط قد انتهي دونما جدوي فتمتمت في صوت خافت
- عد يا بني ، لقد زال الخطر
غادر الضابط الدار وهو يعتذر لها محدجا نوافذ الجيران بنظرة غاضبة ، قبل أن تغلق هي الباب في قوة ن وتهرع عبر الحظيرة إلي حقول الذرة باحثة عنه ولكن بلا فائدة ، لقد ذهب
عادت الي زوجة ابنها التي استكانت الي احد اركان الدار وقد ضمت ساقيها الي صدرها وهي تبكي بحرقة ، سألتها في عفوية الأمهات التقليدية
- هل حدث ؟ ام اعجلتم ؟
هزت الفتاة رأسها بالإيجاب علي الأولي ، والمرأة العجوز تنظر الي الدجاج والماء ، لم يأكل ولم يغتسل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو


.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد




.. بسبب طوله اترفض?? موقف كوميدي من أحمد عبد الوهاب????


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم