الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نار (هلي) ولا جنتك

فيحاء السامرائي

2017 / 1 / 3
كتابات ساخرة


صخب وجلبة في الخارج أيقظاني من إغفاة هانئة في مُقامي..سمعت مساعدي يخاطبني بصوت وجِلٍ:
- يا كبير الجناحين، نحن بحاجة لعونك، الأمر خطير، يحدث لأول مرّة
نهضت نافضاً جناحيَ..ما الذي يجري في الجنان الخالدة؟ أيعقل أن تحدث مشاكل في المستقر المقدس؟ ..لأستطلع الأمر وأعالجه.
لدهشتي المعظّمة، علمت أن حشداً من الخالدين القادمين من بقعة أرضية، قدّر لها أن تكون ملتهبة على الدوام، تجمعوا محتجين متظاهرين في الساحة الجنانية الرئيسية.
راجعت المرسوم الاستثنائي المتعلق بأولئك الأرضيين، والذي سمح لهم بدخول أدنى درجات الجنان الخالدة: " يدخل هؤلاء جناننا بما أنهم قضوا معظم محكومية ذنوبهم في حياتهم الزائلة..."
علام يحتج هؤلاء وهم من ينعم براحة ابدية وبخيرات جنانية متاحة كحور عين وغلمان ورجال جرد مرد بيض مكحلّون؟ وشهدائهم، كلهم ينعمون بنهر البيدخ حيث يغمسون فيه فيخرجون منه كالقمر ليلة البدر وقد ذهب عنهم ما وجدوه من أذى الدنيا، لماذا يحتجون ويتظاهرون كما كانوا في الأرض؟
على مدى البصر، ألمح جمهرة غفيرة بملابس بيضاء طاهرة، يمزقونها احتجاجاً، يحرّضون آخرين ويجمعون بصمات أصابعهم على أوراق شجر هاتفين:
- (شهدو يا مظلومين ويّانه، ماكو عدالة حتى هنانه)
ما هذه الجرأة؟ كيف ينتقدون عدالتنا الكونية؟
طلبت من ممثليهم أن ينتظموا في طابور ويقدموا لنا شكاويهم ومطالبهم، وأنا أعجب، هل لمن في هذا النعيم شكاوي ومطالب؟
- سيدي كبير الجناحين، أنا مناضل أرضي، لا أستطيع أن أحيا بدون نضال، لماذا لا توفروا لنا هنا عدواً أو صراعاً نناضل وفق معطياته؟ كما ترى، حشدت هؤلاء الناس في مظاهرة سلمية، وأنى يتسنى لها أن تكون غير ذلك ولا توجد هنا أسلحة ولا عنف؟
- اختصر، ما هي مطاليبكم؟
- سيدي، نطالب بايداع كل سياسيينا وحكامنا الظالمين في النار الأزلية، كيف يعيش هؤلاء بيننا وهم من أذاقنا طعم الحروب والعذاب والموت؟ كيف تسمح عدالتكم بذلك؟
شرحت له كيف ان دستورنا، حين اعتبر مسح ذنوب سكان بقعتهم الأرضية التي قدرّنا لها العذاب الدنيوي ميزة يتمتع بها الجميع، لم يستثن أحداً.
غير انه طالب بتغيير الدستور الجناني، والتفت نحو الجموع ملوحاً بيده قارعاً الأرض برجله قرعاً إيقاعياً:
- (لا دستور لا أحكام شرعية، حتى هنا سبقونا الحرامية)
تقدم رجل آخر من الطابور قائلاً بحماس لا يضاهى:
- سيدي، يخيّل لي بأن عدالتكم المقدسة لا ترضى بالظلم، فكيف لا يتوفر لدينا هنا انترنيت ولا وسائل اتصالات كما اعتدنا في حياتنا السابقة؟ كم كانت الحياة لذيذة بالفيسبوك والموبايلات!! مللنا من الفراغ والهدوء:
- (ماراح نسكت بعد اليوم، ملّينا من كثر النوم).
- (انترنيت انترنيت، ملّينا گعدة البيت)
بدأ ريش جناحي بالتحرك لاإرادياً وتسارع نبض غضب محرّم فيّ، تماسكت على نحو ما لزوماً لمركز وقدسية.
عرّف آخر نفسه بأنه كاتب فی الأرض، طالب بكومبيوتر يسطّر عليه خواطره ومقالاته، أو بأوراق وأقلام وكتب للمطالعة.
تقدم شخص آخر مطالباً بتنويع وبتغيير وبكسر للروتين، زاعماً أنه سئم من رؤية المنظر نفسه، من تناول الطعام عينه، صار لا يطيق القطوف المتدلية من ثمار تين وأعناب ورمان، ويحنّ الى (الباچة) والسمك المسكوف ..اقترب منّي هامساً غامزاً، داعياً أيضاً الى توفير حوريات أكثر إثارة غير متلفعات بتُقى وورع بل بأثواب تشبه ما كانت ترتديه أناث أرضيات..أنهى كلامه ضاحكاً ومضى ليأت دور آخر مطالباً بعرق مسكّر كالخمر الأرضي، ينسيه رتابة الحياة الجنانية، وأشار الى ملذات أخرى غير متوفرة بل ومحرمّة..علمت كذلك أن ثمة نفوس أخرى تضمر خيانة لنعمنا، تفكّر بتخطيط انقلابي للسيطرة على جناننا الخالدة وإسقاطنا بل بقتلنا وسحلنا جميعاً من أجنحتنا.
صار ريشي المقدس يتحرك بشكل مضطرب سريع، أحسست بحرارة جذوره وتلونه بلون أحمر متقد مع تفاقم لغط الغوغاء وعلا..رؤيتهم العذوبة عذاباً شككتني بحكمتي المقدسة، أتراهم عصيين على المعجزة والتطهير؟ ما الحل؟ هل نرسل مشاكسيهم الى جحيمنا الخالد؟..يقيناً سيثيرون المشاكل هناك.
بات الأمر لازباً إذاً أن أنفخ نفخة قوية، تطير بهؤلاء البشر الجاحدين الى ديارهم الأصلية، ليلبثوا في عذاباتها الأرضية خالدين، وأنا على دراية انني بذلك أخالف ما نصّ عليه دستورنا المبجّل وما سنته قوانينا السمحة وما أملته علينا الإرادة الجنانية السامية.
سأتحمل عاقبة فعلي هذا لكوني على يقين بأنه لا مكان آخر يصلح لبعض هؤلاء غير أرضهم، لأن "عذابها كان غراماً" لهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا بد انهم كانوا
ايدن حسين ( 2017 / 1 / 3 - 14:45 )

لا بد و انهم كانوا يهتفون
بالروح بالدم نفديك يا
يا حوم اتبع لو جرينا

و احترامي
..

اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟