الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التغريبة العلمانية

الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)

2017 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


التغريبة العلمانية

اقول "تغريبة" و في خاطري تغريبة بنو هلال تلك التغريبة الملحمية التي استمرت لالف عام لقبيلة دفعتها السياسة من الشرق الى الغرب بحثا عن "مؤطي قدم" و عن وطن تمارس قيمها فيه غير ان المفارقة هاهنا في التغريبة العلمانية انها تغريبة من الغرب الشرق.

تغريبة علمانية حملت مفاهيم الغرب و اجتهدت لتمريرها على الشرق فدامت غربتها و استمرت و استحالت تغريبتها الى فقدان اللغة المشتركه بينها و بين من هم حولها فتفاقمت مفرداتها و طوت ابناءها بداخلها فزهد فيها الناس و ضاقوا صدرا بها و اهملوا طريقها.

و ليس اسواء من ذلك الا من يتحدثون الى اعادة تلك الثقة و بالتالي اللغة عبر التنازل عن قيم العلمنة و الحداثة تحت دعوى "التمرحل" و "الريثما" و هم لا شك حينها سيضحون بالحداثة كسبا للجمهرة و اهدار المشروع لوجه المنصب.

المتتبع لمسيرة "حركة حق" سيرى انها ورثت ذات المشكلة القديمة الجديدة،تلك المشكلة التي دفعت الراحل عبد الخالق محجوب للكتابة حول العمل و سط الجماهير والياته.
المشكلة كامنة في "تجسير" خطاب النخبة المتعالي الى لغة اليومي العالي.

غير ان الاشكال الجوهري في ذلك التجسير انه يجسر المسافة بين عقلين او "معقولين" او "برنامجين عقليين" ينتمي كل منهما الى عالم مختلف مما عجل بانجرار العقلين الى نقطة المواجهة الصعبة و المقفوز فوقها و التي تظهر في سؤال شبيه ب :
ما رأيكم في رسالة محمد و بعثته؟
أن الاجابة حينها معلومة مخبؤة.

و كان لا بد لها من العلانية و كان لا بد لها من المواجهة و كان لا بد لها من طرد نواب الحزب الشيوعي.
ذلك و أن العقلية القادمة من الافق الارسطي لم تحاول فهم ذلك الواقع و الاقتراب من "السلطات العاملة في عقله" و لم تكلف نفسها عبء محاورته تمهيدا لاستيعابه في افقها الحداثي و الاعتراف به تاريخا و سلطة و المساهمة في تطويره و تفكيكه كيلا يشكل حصنا سهلا ضدها حصنا متوفرا على خزان لا ينفد من المهللين و المكبرين.

انها بدلا عن ان تقراء "طبقات ود ضيف الله" قرأت "الام" لمكسيم غوركي!! انها بدلا عن ان ترى "الطورية و الواسوق" رأت "المنجل و المطرقة"، انها بأختصار شديد جاءت من واقع أخر شديد المغايرة،واقع خيضت به معركة التنوير منذ اربعة قرون ف جاءت ك تطور طبيعي لنظرة "الناس للدين" جاءت لتكنس ما تبقى منه متمثلا في "القيصر" و ان كانت كنست الاهم منه قبلا.

ورثت حق هذه التغريبة و لكن بمعطيات جديدة.
ف من "يا عمال العالم اتحدوا" صار الشعار العالمي "دعه يعمل..دعه يمر" ورثت حق هذه التغريبة التي ورثها الخاتم قبلا بحكم تجربته الحزبية،هذا الخاتم الذي لم يمر بالدين الا مرور الملوحين دون ان يمشي مترا فيه فكانت مقالته حول "الاصلاح الديني" مقالة يائسة يستجدي بها "المحموديين" لتولي هذه المهمة،دون ان يفكر في موضعة المحموديين اي موضعة عقلانية تضعهم في "قطار المرحلة" و ليس التحول الى طائفة دينية جديدة تعيد انتاج و تكرار السيرة.

ورثت حق ذات التغريبة و أن اختلفت معطيات العصر و أن كانت ظروف ظهور حق الى المسرح هي ذاتها ايام افول امبراطورية المراكسة و تعلق الناجين من سفينتها الغارقة ب "الديموقراطية الليبرالية" فكان اوائل القافزين هو الجيل الماركسي الجديد الذي وجد في عسف الماركسية كبتا لقواه الفكرية و تطلعاته التجديدية.

غير أن التجديد سقط في ذات معضلة القديم و هو "التجديد في وجهة التيه"،التجديد في توجه التغريبة حيث لا وصول و لا مدينة تلوح في انتظار غريبها مغنية اياه "طلع البدر علينا"
كان تجديدا في عقل بعيد عن الواقع منبت عنه.
عقل يحيا بجسده في المستنقع بينما يفكر بوعيه في مشاكل "المدينة الاوروبية الفاضلة" أن هذا العقل فاقم المشكلة القديمة و زادها تعقيدا.

اضف الى ذلك ان ذات مشروع التجديدي في اتجاه هذا العقل المغترب لم يكن مشروعا تجديديا شجاعا او حاسما كان مترددا و ضبابيا فهو لا يريد التصريح ب "الليبرالية" طمعا في "الاشتراكية الديموقراطية" و التي مزق الشيوعيون أخر اوراقها في مؤتمرهم الأخير.

هذا التردد ما زال حاضرا في واقع حركة حق التي لم تتجاوز فكريا مرحلة "المواربة" التي كتب في ظروفها الخاتم "اوان تغييره" بينما تجدها في الصعيد السياسي و الممارسي اقرب جدا من الليبرالية دون التصريح بها كي لا تخدش ذكرى "الحبيبة القديمة".
ما زالت حق رهينة التردد و التحجر،آمنت بالتجديد حينما انتجها و كفرت به حينما تجاوزها.
و لعلي في هذه النقطة بالذات احتاج مقالا اخرا مطولا.
أن عقلية الاتباع لا الابتداع فرضت نفسها حتى على العقل العلماني العربي الذي كانت مهنته و ما زالت "استيراد" "الصرعات الفكرية" و ترديد اسماء الفلاسفة الغربيين و قهر الناس بها و تمرير سلطة المعرفة على من يجهلونه منها.

لقد نست هذه الحركات واقعا خصبا و بكرا لمعول العقل النقدي ،العقل النقدي الذي لم يتولد عن "قطيعة ابستيمولوجية" بل عن حوار قديم و طويل دامي و متسامح بين التجربة و الدين لا بل و بين الدين و الدين.

أن العقل النقدي الاوروبي نفسه ليس منحوتة تشكلت بين يوم و ليلة او "قطيعة ابستيمولوجية" لا!! أنه وليد النحت على صخر المعتقد!! ربيب ذات المحيط العقلي السائد.

لقد نست الحركات العلمانية التي استوردته نست ظروفه و اسباب نجاحه فجاء الى هذا الواقع مشلولا و عاجز.
اتت به فعبدته وحدها و عكفت عليه فاستغربه الناس و لفظوه.

لهذا هزمت حق و ستهزم كل الاحزاب المحتذية حزوها مع اختلاف المسمى و أن كانت ذات العقلية النتائجية مهيمنة عليها.

اننا نبحث عن علمانية عربية خاصة بنا،علمانية لا تهرب من وجه اسئلة التراث بل تحتويه بداخلها و تفهمه في ظروفه و تستخرج ما يتفق مع روحها منه فتشيعه و تنشره لا علمانية تقصيه ف يخرج لنا من يحملون لواء "الدفاع عنه" و اعادة انتاج تطوراته السياسية التي ادت الى تفاقم تطوراته التشريعية فدخل في الدين ما ليس منه.

أننا نطمح الى تشغيل الملكات النقدية تجاه التراث و ليس باتجاه تكريس الفرار و الخلاص من أسره.

ذلك و أن الدين ليس طقوسا و تشريعات بل ان الدين هو "ما وراء تلك الطقوس" -للمزيد حول هذه النقطة راجع مقالي : نظرات جديدة في الميتافيزيقيا بموقع الحوار المتمدن-.

أن الدين الذي تدعي الحداثة و تنظيماتها التابعه انها اخرجته عبر "القطيعة الابستيمولوجية" من الباب عاد اليها من الشباك!!
عاد اليها في صرخات انصار الفرق الرياضية المنفعلة، عاد اليها عبر "الولاء للماركات التجارية"، عاد اليها عبر الصعود التاريخي المزلزل لحركات اليمين المتطرف و عودة الشعارات النازية الى العلن.
عاد اليها عبر السهرات الصاخبة للعشرات من الشبان في رحلات التعاطي و الأدمان.
عاد اليها عبر روايات "هاري بوتر" و العاب الفيديو و كل العوالم الافتراضية التي تحيا الشعوب الاوروبية فيها.
عاد اليها عبر الجماعات غير المفهومة التي تتخذ من نقش معين على الكف شعارا لها.
أن الدين لم يمت!!!

أن "القطيعة الابستيمولوجية" التي يتغنى بها العلمانيون ليل نهار لم "تقض عليه".
عاد الدين بالبوابات الاخرى التي فتحتها العلمانية الاداتية الا نقدية التي حولته بدوره الى استثمارات الية ف صارت السعادة البشرية تعني منتجا ميكنيكيا او معماريا و صار الجمال خضوعا لشركات تجميل تحدد ماهية ذلك الجمال.

لقد "خانت" العلمانية نيتها الاساس فابتعدت المعرفة و باعت نفسها في ماكينات الاستهلاك.
أن الدين لم يمت و لن يمت وافقنا او لم نوافق فقد عاد اشرس مما كان و من البوابة العلمانية الكبيرة!!
عاد من بوابات الديموقراطية!! فدخل ترامب و ستدخل من خلفه ماريان لوبين الى قصر الاليزيه "لا قدر الله".

لم يتبقى لدينا سوى الطريق الثالث طريق "الاصلاح الديني" و هذا الاصلاح ليس من مهمة الفقهاء و المتورطين في ذات الحلم الديني و تفاصيله، بل هو ياتي من عقل نقدي متيقظ و محايد قادر على موضعة التجربة الدينية في زمكانها التاريخي طارحا نقاشتها في الراهن الواقعي فنقاشاتها اللاهوتية ما زالت حية و متقدة النيران.
و لنأخذ على ذلك مثال "التخيير و التسيير" هذا السوأل الما زال عالقا حتى الآن في الافق الاسلامي و لن يحسم البته.

ايا يكن فأن الحقل الديني الذي هرب منه العلمانيون الى مقاهيهم و منافيهم لهو انسب الاتجاهات للبدء...
للبدء في تشييد عقلانية عربية علمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ