الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حفل (السياب) التأبيني الأول

جاسم العايف

2006 / 1 / 9
الادب والفن


في الشهرالشهر الرابع عام 1964 اقتادونا للمثول أمام المجلس العرفي العسكري الأول الذي عقد جلساته في مقر القاعدة البحرية في البصرة وبعد ان (صفونا كا لخراف) في قفص الاتهام وبطريقة النسق العسكرية المعروفة نهض (الوغد) النقيب راغب فخري واتهمنا بكل ما يحمل من حقد ولؤم وخسة عن (نشاط هدام- شعوبي) يعود الى اعوام 1959 –1962وكان رئيس المجلس في حينه المجرم العقيد شمس الدين عبد الله والذي يكنى بأبي (حرب) حيث اطلق هذا الاسم على ابنه بكل فخر وامتياز- ويمكن تصور هذه الشخصية من خلال كنيتها واختيارها لاسم ابنها- وقد ايد كل ما جاء في مرافعة الادعاء العام المزعومة ومنعنا حتى من الحديث بكلمة واحدة في صحة الآتهام من عدمه وخلال دقائق أنزلت بنا عقوبة السجن مع الاشغال الشاقة ثم حشرونا مساء في عربات الحمل داخل القطار الصاعد إلى بغداد...أنزلونا في مدينة الحلة وألقوا بنا في سجنها..
يقوم عادة السجناء السياسيون بتنظيم حياتهم اليومية بطريقة لائقة،اذ تختفي في حياة السجن المهن والأوضاع الاجتماعية الخاصة ويقصى المستوى الطبقي الذي عليه السجين، وتختفي أحياناً حتى الاسماء ويستعاض عنها بكلمة (زميل) ، ولمواجهة أيام السجن البائسة ولياليه الموحشة الكالحة ولغرض استمرارالحياة اليومية المنظمة داخل السجن ينعكس مستوى الدرجات الحزبية في الخارج على الحياة فيه، إذ ثمة لجنة (قيادية – سياسية) عليا تتفرع عنها لجان فرعية أدنى تسيّر شؤون الحياة اليومية من خلال مسؤولي اللجان الفرعية منها مثلاً لجنة العلاقات العامة المختصة بالعلاقة مع إدارة السجن الرسمية، ولجنة الاحتفالات بالمناسبات الحزبية والوطنية والأممية وما أكثرها في ذلك الوقت ..!!، ولجان أخرى للصحة والخدمات والرياضية حيث ثمة ساحة للعب كرة الطائرة ..و..و حتى اللجنة الثقافية بشقيها السياسي - الأدبي.
صحف السلطة تصلنا يومياً، أما الصحف السرية ووثائق التثقيف الحزبي فتصل بين حين وآخر عبر شبكة سرية تعتمد العوائل أيام المواجهات كل اول الشهر ومنتصفه وكذلك بعض السجانين المتعاطفين أو ممن لديهم معارف وأقارب وأخوة وأبناء داخل السجن...الكتب بأ نواعها تصل عن طريق المتعهد الذي يرسل في كل اسبوع اواقل عربة تحتوي عشرات الكتب الحديثة والمجلات من اصدارات دور النشر اللبنانية والمصرية، في أواسط عام 1964 بدأت الصحف تتحدث عن الحالة الصحية المزرية والمرض الفتاك الذي ألم بالشاعر بدر شاكر السياب، نحن المهتمين بالأدب والفن والثقافة شغلنا ذلك كثيراً ومع قلة عددنا إلا أننا كنا معروفين بين السجناء بنشاطنا الثقافي – الادبي والفني و من الاسماء المعروفة في ذلك الوقت بين السجناء في ما يسمى بسجن(القلعة الخامسة او القديمة) الشاعر فاضل العزاوي و الشاعر حسين الرفاعي والصديق خليل المياح- من جماعة 12 قصة بصرية في ما بعد- والصحفي عمران رشيد عمران والفنان ابراهيم دراج والشاعر الشعبي المتميزالراحل مجيد الخيون ، وفي ما يسمى بـ(القلعة الجديدة) من السجن كان ايضا من يهتم بالنشاط الثقافي-الادبي والفني وفي مقدمتهم استاذي- زمن الدراسة في المرحلة المتوسطة- المرحوم (هاشم الطعان) الدكتور لاحقا والصديق الفنان التشكيلي(هادي الصكر) الذي تعود معرفتي به لايام موقف البصرة عام 1962 وآخرون لا تسعفني الذاكرة الآن على تذكرهم... لقد كتب الشاعر فاضل العزاوي روايته (القلعة الخامسة) عن ذلك السجن وكذلك أفرد له فصلاً مطولاً في كتابه (الروح الحية).
بعد وفاة بدر شاكر السياب في 24 / 12 / 1964 و في أوائل عام 1965 كنت مع الصديق الشاعر فاضل العزاوي نتجاذب أطراف الحديث في وقت متأخر من الليل وكنا عادة نقرأ ليلاً وربما حتى الصباح والاستغراق في النوم لما بعد الظهر، قلت له-: لماذا لا نقيم أمسية خاصة لبدر شاكر السياب بعد وفاته!!؟؟. رحب بالفكرة وظل موضوع أمسية بدر مثار نقاش طويل بين فاضل العزاوي والصديق خليل المياح وبيني، وحاولنا استحصال موافقة (لجنة التنظيم) العليا عن طريق فاضل العزاوي ,الذي يتمتع بتقدير كبير من قبل اللجنة, حول هذه الأمسية لما لموضوع بدر من حساسية قد ينقسم فيها الرأي العام داخل السجن على نفسه، كنا جميعاً على دراية تامة بسلوك بدر وعلاقته السياسية المعقدة جداً بالطيف السياسي الموجود داخل السجن وجلهم من الشيوعين وبعضهم لازالت له علاقة حزبية مع الحزب الشيوعي في خارج السجن خاصة اولئك الذين كانوا في السجن اثناء الاعصار الدموي في 8 شباط 1963 ونجوا من معتقلات الحرس القومي وما يترتب على ذلك وكانوا من المتشددين- المتزمتين جدا في تعاملاتهم اليومية العامة ، ومن الطبيعي جدا ان يكونوا هم مصدر القرار لأنهم كانوا على رأس اللجنة القيادية واللجان الاخرى ,وكنا نعلم تقاطع بدر التام مع الحزب الشيوعي والذي وصل حد العداء لا بل الاستعداء المشترك ، لقد سعينا إلى الارتفاع عن الصغائر والخلافات الضيقة وفضلنا عدم التعامل مع شخص بدر شاكر السياب شخصياً والذي خضع نهائياً لسلطة الغياب المادي المتمثلة بالموت، وسيبقى بدر شاكر السياب الشاعر أرثاً ثقافياً كبيراً في خارطة الموروث الثقافي العراقي- العربي ولربما كانت فكرة الأمسية في ذلك المكان والزمان وأمام ذلك الطيف تعبر عن تحدّ لنمط من السلوك السياسي-الثقافي والذي يضع الثقافة والمثقفين في خانة ((الخوارج)) والتذبذب والتهميش و حتى الاندحار، ولقد كانت موافقة لجنة التنظيم السياسي العليا على إقامة هذه الأمسية بعد جهود حثيثة وشاقة ومضنية ومشروطة بأن لاتكرس تلك الامسية فقط لذكرى (بدرشاكر السياب) وان تكون مفتوحة ولامانع من تخصيص محور فيها لبد ر الشاعر، بادرة طيبة كشفت عن جذور كامنة مهيأة للنمو في وجدان العراقيين وأعماقهم وعلى مختلف مستوياتهم ومراكزهم وتوجهاتهم السياسية منذ ذلك الوقت لما يسمى حالياً بـ (ثقافة التسامح السياسي والتعدد والشفافية والانفتاح) .. وأقيمت الأمسية بالتزامن مع الذكرى الأربعينية الأولى لوفاة الشاعر بدر شاكر السياب، تحدث فيها الشاعر فاضل العزاوي عن مواضيع ثقافية وفنية وعرج على بدر شاكر السياب وشاعريته وأذ كر أنه أبدى رأياً متحفظاً حول ثقافة بدر وخاصة (الانكليزية) وكذلك حول شعره وساهم فيها آخرون كنت بينهم.قمنا بتهريب بعض المواد الثقافية الخاصة ببدر إلى جريدة (المنار) والتي تصدر في بغداد والى محرر صفحة (المنار الثقافي) الذي ربما كان الشاعر خالد الحلي وقد نشرها بأوقات متباعدة وبأسمائنا دون ان نشير إلى((حفل التأبين الأول للشاعر بدر شاكر السياب)) والذي أقمناه داخل اسوار سجن الحلة المركزي وفي القلعة الخامسة تحديداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو