الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبدأ بوش: الحياة يستحقها الأقوياء فقط

خالد عبدالله

2003 / 2 / 12
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 


كاتب عربي يقيم في وارسو

لم يكن خطاب بوش سوى إعلان عن أن الحياة لا يستحقها إلا الأقوياء. فقد تخللت الداروينية السياسية الأمريكية بشكلها الصارخ في منطلقات سياسته، وفي طريقة صياغته لمبرراتها، وفي تكراره  للأكاذيب الصراح. ويمكن أن يحس المرء بالمرارة والغضب الداخلي الذي يعتمل في صدره من كونه عاجز عن التصريح بمكنون نفسه لأن عليه أن يربط لسانه بقاموس المفردات المتضادة، يقول الشيء ويقصد غيره. فقد عملت النخبة الأمريكية على ترويج سياساتها الداخلية والخارجية بتغليفها بشعارات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والأخلاق والتنمية. ولم تجد النخبة الناعمة الحاذقة مشكلة في تجاوز قيودها فأبدعت في تطوير اللغة المزدوجة المعاني. وهذا لا ينسجم مع روح بوش وعقله، فهو نتاج أيدولوجية ترى أنها على حق لأنها أقوى، وثمرة بيئة يطلق الناس فيها النار أولا ثم يوجهون الأسئلة ثانية. وقد بدا غضبه من ضرورة أن يكتم ما في نفسه أنه لم يهتم بتزويق الكذب، أو بإحكام مزاعمه بشكل لا يهين عقل السامعين.

ولم تكن تلك اللغة المزدوجة الدلالات قاصرة على جوهر خطابه الحقيقي، ترويج سلعة الحرب ضد العراق، بل شملت حديثة عن رفاه المجتمع الاقتصادي. فقد أخبر الأمريكان أن الاقتصاد سينتعش حينما يمكن الناس من الاحتفاظ بدخولهم بدل أن تأكلها الضرائب، لأن الناس ستنفق ما يتبقى لديها على نحو أفضل. ولذلك فهو يريد المضي قدما في برامجه بإعادة قسم من الضرائب إلى الشعب الأمريكي. ولكن طريقته في إعادة الضرائب تؤدي إلى عكس ما يزعم، وهي تعبير عن داروينيته الاجتماعية. فمعظم الضرائب المعادة، أي ثمانين بالمائة ونيف تذهب إلى أكثر الناس ثروة وقليل من الباقي يذهب إلى الفئات الأكثر فقرا. فالأغنياء لن يزيد إنفاقهم لأن ما يعود إليهم جزء زهيد من حجم المتراكم من الثروة لديهم، والفقراء لا يرجع إليهم إلا الفتات فلا يستطيعون إنفاق ما لا يملكون. لكن محصلة هذه السياسة إفقار أكثر للمعدمين. فالضرائب المعادة كان من المفروض أن تذهب إلى برامج التعليم والضمان الصحي للفقراء. فانتهى الفقراء إلى حال لم يطالوا من إرجاع الضرائب ما يغني من جوع وزاد حرمانهم الصحي والتعليمي، بينما ذهب مال البرامج التعليمية والصحية إلى خزائن الأغنياء. لكن بوش أهدى الفقراء إفقارهم بلباس إغنائهم.

وإذا كان رئيس الولايات المتحدة يكذب على شعبه في ما يمس جوهر حياتهم فما هو صانع بالآخرين، وإذا كان رئيس الولايات المتحدة يبيع الفقر غنى لشعبه فماذا سيبيع لشعوب العالم الأخرى؟ ولم يخيب ظننا فيه فقد أعلن أن احتلال العراق تحرير له، وأن تدمير مؤسساته ومصانعه ومزارعه تنمية له، وأن نصب حاكم عسكري على بغداد ديمقراطية له. فهذه مزاعم تثير الضحك أكثر مما تثير الغضب لفجاجتها، ولعقمها في أن تكسب سامعا خارج الولايات المتحدة. وبوش أصلا لم يفكر في العالم الخارجي، بل كان يفكر في ترويج سلعته لمن صوته حاسم في ذهابه إلى الحرب أو التوقف عند حافتها.

ويبدو مبدأ الحياة للأقوياء واضحا في ثنايا خطابه. فهو يقول أن " مخاطر مختلفة تحتاج إلى استراتيجيات مختلفة". وهو تراجع واضح عن مبدئه السابق دول " محور الشر" الذي عنى أن هناك ثلاث بلدان في العالم يجمعها تجسيمها للشر في العالم، ومخاطرها على مصالح الولايات المتحدة. ويدل أيضا على أن نوع التعامل معها سيكون واحدا. وجاءه الرد سريعا من كوريا الشمالية التي تتسلح بعناصر قوة ثلاث، أنها تملك من الأسلحة التقليدية وغيرها ما يلحق أشد الأضرار بالمصالح الأمريكية، وربما بالأرض الأمريكية، وأنها تعيش في حض الصين، وأن البلدان المحيطة بها الصديقة لأمريكا قالت لا قوية لأمريكا. ولأنها امتلكت القوة لأن تلحق ضررا بالمصالح الأمريكية فقد دخلت تحت مظلة مبدأ بوش الحياة للأقوياء. فهو يتوجه إليها بالقول في خطابه " وستجد كوريا الشمالية الاحترام في العالم والانتعاش لشعبها حينما تتخلى عن طموحاتها النووية ". ولكن لم لا يحظى العراق بالاحترام عندما يتخلى عن قدراته النووية؟ لقد تخلى عنها بالفعل حسب تقارير الأمم المتحدة. وذهب العراق أبعد من ذلك وقبل أن تقوم فرق الأمم المتحدة بالتفتيش. وحينما قالت أمريكا أن لديها معلومات أن ما زال لديه أسلحة الدمار الشامل قال العراق ومعه العالم قدمها للأمم المتحدة. بل أن العراق في دعوته للمخابرات الأمريكية لأن تأتي لتفتش في الأماكن التي تعتقد أن فيها مثل هذه الأسلحة ولا تريد إعطاء معلومات عنها بحجة الخوف من كشف مصادرها هو إسقاط لهذه الحجة. ولكن الولايات المتحدة تعرف أن العراق لا يملك أسلحة الدمار الشامل بدليل أنها تريد المضي في حربها ضدها. أتذكرون حينما قتلت المقاومة اللبنانية جنود المارينز ماذا فعلت أمريكا، أعدت حاملات طائراتها وذهبت تغزو جزيرة مغمورة في الجوار!

ولقد كان الخطاب يفيض إفكا وغرورا، وهو شاهد آخر على ملله من تقديم الأسباب الموجبة للحرب أو لمزاعمه. فأحد أكاذيبه في الخطاب لم يمض على تفنيدها من الأمم المتحدة إلا أيام قليلة. فقد ذكر أن العراق حصل على الأنابيب ( المناسبة لإنتاج الأسلحة النووية) وهو أمر نقضه تقرير البرادعي أمام مجلس الأمن. فليس هناك اكتراث لا بالأمم المتحدة ولا بأعضائها الذين يملكون المعلومات، لكن بوش يقول أن القوي على حق، فلم يعير اهتماما لغير الأقوياء. وعاد بوش أيضا إلى مزاعم علاقة القاعدة بالنظام في العراق، وهي التهمة التي لم يصدقها أحد حتى داخل أجهزة استخباراته. وفي هذه المرة يتعسف في خلق العلاقة حتى تكاد أن تصبح قانونا بوشيا. فهو يقول أن النظام في العراق لأنه شرير والقاعدة شريرة فمن الأكيد أن يزود العراق القاعدة بأسلحة الدمار الشامل!

وقد بدت السخرية من العالم حينما قال  أنه ( يريد أن يدافع عن شعبه وآمال الإنسانية). وكأنه لم يسمع رأي الإنسانية في مظاهراتها ضد حربه، بل إن أحد أبواق الدعاية الأمريكية المذهبة بالموضوعية، مجلة التايم، أجرت على موقعها استفتاء لرأي الناس في من هو خطر على العالم فذهب أربعة أخماسهم إلى القول أنها أمريكا. كما أنه لم يهتم لاستطلاعات الرأي العام الأوروبي التي تقول أن أربعة أخماسهم ضد الحرب. فكل هؤلاء لا يعرفون آمالهم، ولكن بوش يعرفها ولذلك فهو مصمم على تحقيقها لهم بتدمير العراق. بل في عقر داره يغضب والده من تصريح لزعيم كنسي يقول فيه " نحن مكروهون في العالم، وأعتقد أن العالم له كل الحق في أن يكرهنا لأنه يرانا جشعين، أنانيين، وتقريبا تماما لسنا مهتمين بالفقر، والمرض، والمعاناة " ثم يذهب بعيدا في قوله " وأنا أود أن أذهب إلى أي مكان في العالم لا أرى فيه حاجة للاعتذار عن كوني من الولايات المتحدة". هذه كلمات لم يقلها أحد من خارج الولايات المتحدة أو يساري من داخلها بل جاءت على لسان رجل دين أمريكي معروف.

أما السخرية المريرة فهي من الشعب العراقي الذي يريد أن يحرره بإلقاء 400 صاروخ كروز في يوم واحد عليه. وهذا النوع من التحرير معهود ومألوف في الممارسات الأمريكية، فقد كانت القوات الأمريكية تحرر القرية الفيتنامية من الشيوعيين بحرقها بالنابالم. تماما كما حرروا الأفغانيين بالقذف من سمائهم السابعة لكل من يتحرك على أرضها، قافلة عرس أو مسيرة مأتم. وسيتحرر الشعب العراقي حينما تنتشر جثث عشرات الآلاف من أبنائه في الطرقات وداخل المباني، وحينما تضم المخيمات في بلاد الأشقاء الملايين الهاربين منهم، وحينما تصبح المؤسسات والمصانع والكهرباء ومصافي النفط والمياه قاعا صفصفا. حينذاك سيتوكأ الباقون على عكازاتهم مصطفين على الطرقات يرشون المحررين بالرياحين، و يقصفونهم بالزغاريد.
                                            

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق لبي بي سي يكتشف جريمة حرب محتملة لإسرائيل بقتلها فتى ف


.. غنائم روسيا من أسلحة الناتو




.. كولومبيا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل


.. بايدن: المتظاهرون في الجامعات لهم حق في الاحتجاج، ولكن ليس ف




.. اشتباكات في لندن بعد محاولة منع ترحيل مهاجرين