الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم جديد: -صدام القوميات والشوفينيات-!

خالد الحروب

2017 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



ينفتح مسرح الصراع العالمي مع السنة الجديدة على مشهد مُذهل قوامه الصعود المُتسارع للقوميات المُتشددة في معظم مناطق العالم، في مقدمها الولايات المتحدة واوروبا (الغربية والشرقية) وروسيا والصين. لم يشهد التاريخ المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية صعودا مماثلاً لهذه القوميات التي تزداد حدة تطرفها وتتنافس بين بعضها في سباق لمن يصل إلى الشوفينية التامة اولاً. هناك جذور واسباب عديدة لهذا الصعود منها فشل السرديات الكبرى لليبرالية ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والإرتدادات غير المتوقعة لتيارات العولمة الاقتصادية والتواصلية والهوياتية وما جلبته من هواجس الخوف على الثقافات والهويات المحلية، وكذا الازمات المالية والاقتصادية التي عصفت بكثير من البلدان، إضافة إلى صعود الداعشية الدينية وما سبقها من إزدياد اعداد المهاجرين في الغرب. لا تنطبق كل هذه العوامل وغيرها بنفس الدرجة والقوة على كل حالات الصعود القومي الفاشي الذي نشهده اليوم، بل نشهد تنويعاً لحجم وأثر العوامل المختلفة بحسب الحالة والمعطيات. لكن ما يهم هنا على الاقل هو تلمس الخطوط العريضة للصعود شبه المفاجىء لعالم يطفح بالإدعاءات القومية والسياسات الحمائية وتتحفز فيه الحكومات التي تسيطر عليها تيارات يمينية شعارها الإنكفاء على الذات بدعوى الحفاظ على النقاء القومي، او اغلاق الحدود امام المهاجرين، او عدم ملائمة دين ما (الاسلام في اغلب الحالات) للإندماج في الثقافة والمجتمع المضيف.
التأمل في فكرة القومية والقوميات انهك كثيراً من المفكرين والفلاسفة ذاك ان القومية، وربما ككثير من الافكار والبنيات الكبرى الاخرى، تحمل الشيء ونقيضه، واهم ما تطرحه الفكرة القومية من ناحية عملية وبعيدا عن اساطيرها وحمولاتها الرمزية، خاصة في عالم ما بعد الامبرطوريات، هو فكرة السيادة القومية واحترام الدول لسيادات بعضها البعض، وتجريم الحرب والاعتداء على السيادة (بخلاف ما كان عليه وضع العالم الامبرطوري). وهذا السلام النسبي الذي حققته القومية على ارضية فكرة الاحترام المتبادل للسيادة ربما كان فضيلتها الوحيدة. على العموم، تعني القومية التقاء المجموعة البشرية على قواسم إثنية او لغوية او تاريخية أو سيادية مشتركة تعزز من التشابهات فيما بينهم والتمايزات عن غيرهم. في حالاتها الناعمة والتعايشية تصبح القوميات ثقافات تعددية تعزز العالم المتنوع والكوزموبوليتاني. اما في حالاتها الخشنة والفاشية فإن القوميات تتحول إلى وحوش ضارية لا تعرف إلا الحروب وكراهية الاخر، واعلان تفوق الذات على الاخرين واسطرتها بخرافات الماضي وامجاده المنفوخ فيها دوماً.
مرة اخرى ليس التنويع الشوفيني المتعصب حكراً على الفكرة او الايديولوجية القومية، بل تنطبق احتمالية التطرف الشوفيني على كل فكرة كبرى تقترح حلولا كلانية للبشر والمجتمعات والكون، بما فيها الافكار الدينية والدنيوية. كل الاديان وبلا استثناء طُرحت اوجهاً مختلفة لتفسيراتها وتطبيقات اتباعها، من التطبيق السلمي التعايشي التعارفي، إلى التطبيق الحربي الإقصائي الإنغلاقي. اتباع كل دين في كل زمان ومكان يروجون تفسيرات متناقضة تماماً، بعضها يقول أن الدين هو رسالة محبة لجميع البشر وليس مقصورا على اتباعه، وبعضها يقول أن اتباع الدين هم المختارون والافضل على بقية البشر، مُقدمين تفسيرات استعلاء الذات الدينية الجماعية وما يترتب عليها من سياسات وممارسات تجوز العنف وتشرعنه. داعش الإسلاموية اليوم ليست "بدعا في الاديان" بل سبقتها داعش المسيحية وداعش اليهودية وتكمن بموازاتها اليوم دواعش اخرى هندوسية وبوذية (تستأصل بلا رحمة مسلمي مينيمار مثلاً). في الايديولوجيات البشرية قدمت الماركسية نموذجا اخر لتعدد التفسيرات، من الستالينية الدموية القاتلة إلى الاشتراكيات الاوروبية الاسكندنافية، وما بينهما من طيف عريض يمتد من من جنوب شرق آسيا، إلى قلب افريقيا وصولا إلى طول وعرض امريكا اللاينية؟
عودة النزعة القومية الشوفينية في عالم اليوم تتصف بعدة ملامح: الملمح الاول، هو السمة العولمية إذ نحن اليوم امام ما يمكن وصفه ب "تعولم الشوفينيات"، بمعنى تعاضد الصعود المتسارع والمتوازي والمُدهش للقوميات المُتشددة في معظم، ان لم يكن كل، مناطق العالم. وكما هي الظاهرات المعولمة التي شهدها البشر في حقب مختلفة، يقف عالم اليوم على حافة الإنزلاق إلى حقبة معولمة جديدة محورها التقوقع القومي المتشدد على الذات وتبجيلها والإستعداد المرضي لخوض صراعات وحروب قومية تستبطن إدعاءات المجد والتفوق على الآخرين. المفارقة هنا ان لفظة "عولمة الشوفينية" تحمل تناقضا في المعنى ذاك ان العولمة تعني استبطاناً تجاوز ظاهرة ما للحدود القومية، بينما هنا نستخدمها لإنتشار فكرة التشدد القومي والشوفينية في رقاع العالم العديدة. الملمح الثاني: هو انطلاق نظرة القوميات المُتشددة لمصالح دولها وشعوبها من زاوية صارمة لا تقبل إلا الظفر والفوز ب "الغنيمة كلها"، ولا تتعقل الصراعات والسياسة الدولية إلا بكونها معارك صفرية، لا يكون ظفر المنتصر بأي منها إلا عبر الخسارة الشاملة والمدمرة للآخرين. في كل صراع او حتى تنافس مع الآخر ليس هناك حلول وسط يؤمن بها القومي المتشدد، بل الإجهاز على الآخر كلياً وهو الإجهاز الذي وحده يؤشر إلى النصر. الملمح الثالث يتمثل في الهوس بنوع مُحدد من القادة الشعبويين الذين لا يعترفون بالسياسة بكونها آلية لتطويق الخلاف وتسهيل المساومة والوصول إلى حلول ترضي الحد الادنى للاطراف المتصارعة، بل ينزعون إلى ال الخطابية والشعاراتية وتبني سياسات قصوى تنتزع التصفيق والتأييد الغوغائي حتى لو لم تكن محسوبة وعقلانية. القاسم المشترك لهؤلاء القادة هو التغني بالهوية القومية المتمايزة تفوقا عن غيرها من القوميات، والتحسر على المجد القومي الغابر الذي يعلن القائد المعني مهمته الرسولية بإعادة بعث ذلك المجد (بوتين وترامب وكل قادة اليمين الأوروبي، كما هم قادة الشوفينيات الدينية، ينهلون من نفس الاساطير التي تمجد الذات وتحط من قيمة الآخر). الملمح الرابع، وليس الأخير، هو ان "العدة الفكرية" للقومية الشوفينية الجديدة مُتناقضة ومربكة إذ هي خليط من افكار متناثرة وخلطة ايديولوجية غريبة فيها مكونات رأسمالية وماركسية، وعلى ارضيتها تلتقي تيارات وتوجهات كانت حتى وقت قريب تعادي بعضها. من جهة، هناك المدافعون عن الاقتصاد القومي المطالبون بحمائية اقتصادية ضد العولمة الاقتصادية التي برأيهم اضرت بالاقتصاد القومي وافقدته السيادة على السياسات النقدية والمالية، وعملت على تمييع الحدود والقدرة المحلية في السيطرة على القرار الاقتصادي، وهؤلاء رأسماليون شرسون. ومن جهة اخرى الماركسيون المعادون للعولمة الاقتصادية من منطلق تدميرها للطبقة العاملة في بلدانها وتعميق فقر الطبقات المسحوقة وزيادة البطالة، كما يتم التنظير. وبين هؤلاء واولئك تنويعات مختلفة معادية للوضع القائم، او عدمية، او خائفة، فضلا عن كل اعداء المهاجرين واعداء التعددية الثقافية والدينية. كل هؤلاء يعتبر الانفتاح والاندماج في المحيط الاوسع هو جذر الخراب الذي يتعرض له "الوطن". في مطلع العام الجديد تتمظهر عولمة القوميات الشوفينية في، وعبر التلاقي الغريب بين الرأسمالية القومية المتشددة وتنويعات من اليسار المرتبك، في بريطانيا حول الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الاوروبي وفي فوز ترامب في الولايات المتحدة وفي الفوز المتوقع لأحزاب اليمين في اكثر من دولة اوروبية مثل فرنسا وهولندا والنمسا وربما المانيا، إلى جانب اوروبا الشرقية المحكومة اساسا باليمين. عام جديد وحقبة جديدة لا يبشران بالخير!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة