الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في نص قرار مجلس الأمن بشأن الاستيطان: ليس قرارًا تاريخيًا بأي مقياس !

خالد عايد

2017 / 1 / 9
القضية الفلسطينية


ثمة إجماع بين المحللين السياسيين العرب على وصف قرار مجلس الأمن الرقم 2334 بشأن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في الضفة الفلسطينية المحتلة ب "القرار التاريخي". وغالبًا ما أُضيف إلى هذا الوصف تقييمات أخرى في مديح القرار: "صفعة لإسرائيل"؛ "انتصار دبلوماسي لفلسطين" و"هدية" بمناسبة عيد الميلاد؛ "تحوّل في سياسة واشنطن".. الخ. وللتدليل على "تاريخية" القرار المذكور، يُشار في العادة إلى " المفاجأة" الأمريكية المتمثلة بغياب الفيتو المعهود والمتوقع والاكتفاء بالامتناع عن التصويت. لكن بعض المحللين يشير في هذا الصدد إلى فقرات في القرار بشأن عدم شرعية المستعمرات، وكأن هذه الفقرات فتح في تاريخ المجلس الأممي.

فلنعد إلى نص القرار في محاولة لقراءة النص نفسه، كيلا يقال "إن أمة إقرأ لا تقرأ".

تتوزع بنود قرار مجلس الأمن الرقم الثلاثة عشر على ثلاثة مواضيع: الاستيطان، "العنف والإرهاب"، و"التسوية السياسية". ويقتصر تناول الاستيطان بالاسم على بندين فقط (هما 1 و2، ويمكن بالاستنتاج إضافة البندين 3 و5 اللذين تطرقا إلى الاستيطان جزئيًا وبالتلميح). وسنعود أدناه إلى تناول هذين البندين "الجديدين"، لاسيما بالمقارنة مع قرارات سابقة اتخذها مجلس الأمن بشأن الاستيطان.

تناول البندان 6 و7 من القرار موضوع "العنف" و "الإرهاب" (إقرأ: مواجهة المقاومة). هنا يتعدى القرار شكليات الإدانة والشجب إلى الدعوة للعمل بموجب الصيغة الإسرائيلية-الأمريكية التي تساوي بين المقاومة والإرهاب، والتي يقع "التنسيق الأمني" في القلب منها. ينص البند 6 من القرار: " يدعو (المجلس) إلى اتخاذ خطوات فورية لمنع كافة أعمال العنف ضد المدنيين، بما فيها أعمال الإرهاب، وكذلك كافة أعمال التحريض... ويدعو إلى التقيّد بموجب القانون الدولي بتعزيز الجهود الجارية الرامية إلى مكافحة الإرهاب، بما في ذلك من خلال التنسيق الأمني القائم، والإدانة الصريحة لأعمال الإرهاب."
أما البند 7 ، فإنه يجعل من التزام "الهدوء" والكف عن "التحريض" وسائل لبناء الثقة ول "التعبير من خلال السياسات والأفعال عن التزام حقيقي بحلّ الدولتين وإيجاد الشروط الضرورية لتشجيع السلام". وهذا البند "الانتقالي" تتبعه بنود القرار المتعلقة بمفاوضات التسوية السلمية (البنود 4 و5 و8 و9 و10) التي حازت على نصيب الأسد من بنود القرار الحالي. وفي هذا الإطار، يذكّر مجلس الأمن، من بين ما يذكر، بقراراته السابقة بدءا بالقرار 242 لسنة 1967 وانتهاء بالقرار 1850 لسنة 2008.
وهكذا نرى أن جسم قرار مجلس الأمن الحالي، على الرغم من اشتماله على بندين يتعلقان بالاستيطان، يتكون في الأساس من بنود تتعلق بمنع "الإرهاب" (مواجهة المقاومة وترسيخ التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني) بوصفه ممرًا إلى "تسوية سلمية" وصلت إلى طريق مسدودة، بعد نحو ربع قرن مفاوضات التسوية واتفاقية أوسلو التي جاءت بسلطة رام الله.

"وقف" الاستيطان: إغلاق الإسطبل بعد هروب الخيول !

في العودة إلى بند "وقف الاستيطان" الذي إليه يُنسَب "الانتصار التاريخي"، ينبغي لنا اللجوء إلى مؤشرين اثنين لقياس أهمية القرار الحالي: مؤشر مقارن يقيس هذا القرار بقرارات مجلس الأمن السابقة بشأن الاستيطان، ومؤشر آخر يتناول مدى "واقعية" القرار في منع الاستيطان على الأرض فعلاً لا قولاً فحسب.
يؤكد القرار في بنده رقم 1 على عدم شرعية المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، وأن هذه المستعمرات "تشكّل خرقًا فاضحًا بموجب القانون الدولي وعقبة رئيسية أمام حلّ الدولتين وسلام عادل ودائم وشامل". ويعيد البند 2 "تأكيد مطالبة إسرائيل بوقف فوري وكامل للنشاطات الاستيطانية... وباحترام كامل لالتزاماتها القانونية في هذا الصدد".(وسنعرض صفحًا عن خطأ في نص اعتمدته بعض وسائل الإعلام، إذ ترجمت "cease" all settlement activities إلى "إنهاء" الاستيطان !).
لم يكن في القرار ما يستدعي استخدام الفيتو الأمريكي أصلاً.

في المقابل، سبق لمجلس الأمن أن اتخذ قرارات قبل 36 عامًا ذهبت إلى أبعد بكثير مما ذهب إليه القرار الحالي، في وضع آلية إجرائية لمراقبة الاستيطان، وفي الدعوة إلى "تفكيك" المستعمرات القائمة، لا إلى مجرد تجميد الاستيطان. ولعلم القائلين ب"الانتصار" على الفيتو الأمريكي، فإن تلك القرارات لم تواجَه بالفيتو، وامتنعت واشنطن عن التصويت عليها، كما فعلت لدى التصويت على القرار الأخير !!
من بين تلك القرارات السابقة (التي يذكّر القرار الحالي بها في فذلكته، من دون أن يتضمن ما تضمنته من بنود)، كان القرار الرقم 446 لسنة 1979 والقرار الرقم 465 لسنة 1980. فالقرار الأول لا يكتفي بأن "يشجب بقوة فشل إسرائيل في التقيّد بقرارات مجلس الأمن" السابقة، بل يتخذ إجراءاً عملياً يتمثل في "تأسيس لجنة من ثلاثة أعضاء في مجلس الأمن... لتفحّص الوضع المتعلق بالمستوطنات في الأراضي العربية المحتلة منذ سنة 1967"، ويطلب من هذه اللجنة تقديم تقريرها إلى المجلس في غضون ثلاثة أشهر تقريبًا. أما القرار الثاني، فقد قرر قبول الاستنتاجات والتوصيات التي توصلت اللجنة المذكورة إليها، وتضّمن البند 6 دعوة إلى "تفكيك" المستعمرات ( لا مجرد "وقف" الاستيطان). فقد نص هذا البند ما يلي: " يشجب [المجلس] بقوة استمرار إسرائيل وإصرارها على تبني تلك السياسات والممارسات ويدعو حكومة إسرائيل وشعبها إلى إبطال تلك التدابير، وتفكيك المستوطنات القائمة وخصوصًا الوقف العاجل لتأسيس المستوطنات وإنشائها والتخطيط لها في الأراضي العربية المحتلة منذ سنة 1967، بما فيها القدس".
هذا ما هو على مستوى مقارنة قرار مجلس الأمن الحالي بقرارات اتخذها المجلس نفسه قبل "العملية السلمية" واتفاق أوسلو والسلطة الفلسطينية بأعوام طوال. أما على مستوى المؤشر الثاني المتعلق بالجدوى العملية للقرار الجديد، فلا بدّ من التذكير بما يلي:

- لم يتضمن القرار أي آلية عملية لتطبيقه في مجال الاستيطان، مع ما تضمنه من تراجع عن مستوى القرارين 446 و 465 السالفيْ الذكر.

- إن ما تضمنه القرار من فقرات مكررة بشأن "الإرهاب والتحريض" و"التسوية السلمية" ليس من شأنه سوى أن يكرر السجالات القديمة التي استغرقت دهرًا(ولا نحبّذ العودة إليها هنا)، وأن يفاقم الخلافات والانقسامات التي يقال إن "الشعب يريد" إنهاءها.

- إن "العملية السياسية" التي تذرّع مناصروها منذ أكثر من ربع قرن بهدف " وقف الزحف الاستيطاني" قد أدت على العكس من ذلك إلى زيادة وتيرة هذا الزحف بصورة مريعة. و لا نظن أن أحدًا يماري في ذلك، في ظل "التسمين" الجاري للمستعمرات القائمة الذي يغني تمامًا عن تأسيس مستعمرات جديدة، وبناء جدار "التوسع والضم" المسمى ب "العازل"، وتعزيز الكتل الاستيطانية وتفتيت التواصل الجغرافي لأراضي الضفة، وإجراءات التهويد الجارية يوميًا على قدم وساق، في القدس خصوصًا وفي سائر أنحاء الضفة عمومًا.
والحال هذه، فإن شأن قرار مجلس الأمن حول الاستيطان شأن من يهمس بضرورة إغلاق الإسطبل.. بعد أن هربت الخيول- كما كان يقال منذ ثمانينات القرن الماضي.

- بعيدًا عن "العدمية"، قد يكون من الأجدى، من وجهة نظر "النشاط في المحافل الدولية"، البناء على قرارات دولية أخرى بإعادة الحياة إلى ما نُقض منها و/أو تفعيلها و/ أو العمل على استصدار قرارات جديدة، من دون أن يكون النشاط الدبلوماسي بديلاً من نهج المقاومة بكافة أشكالها، بل وعلى حساب هذا النهج- كما هو حال الدبلوماسية القائمة حالياً. ونذكر هنا على سبيل المثال: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 3379 لسنة 1975الذي يحدد أن "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، و"فتوى" محكمة العدل الدولية لسنة 2004 بشأن الاستيطان.

أين "الانتصار التاريخي" إذن، وعلامَ الاحتفال؟؟

لا شك أن من حق السلطة الفلسطينية وواجبها، ومعها الأنظمة العربية، الاحتفاء بقرار مجلس الأمن الأخير واعتباره انتصارًا تاريخيًا. ما هو على المحك هنا ليس مدى الإمعان والتدقيق في قراءة نص القرار. لم يعد من المهم أن تعود اللازمة بشأن "سلام عادل ودائم وشامل" إلى الأراضي الفلسطينية وحدها، بموجب القرار الجديد، بعد أن كانت تعود إلى "الشرق الأوسط". لكل من السلطة والأنظمة حروبها وسلامها وهمومها الذاتية.

وفي ظل "مأزق التسوية السياسية" المديد، توعدت السلطة الفلسطينية مرارًا باللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية، ووعدت مرارًا بإنهاء "التنسيق الأمني" مع المحتل. وتوصلت على لسان رئيسها منذ أعوام إلى الحقيقة العارية: "سلطة بدون سلطة واحتلال بدون تكلفة". انضمت إلى نادي المنظمات غير الحكومية: تعلن عن الأنشطة الاستيطانية، تحصي الأراضي المصادرة والبيوت المهدومة، تسجل أعداد الشهداء والجرحى والأسرى، تشجب وتستنكر بلغة دبلوماسية مدروسة (مثلاً: استنكار العنف من الجانبين)، وتحلم بدولة فوق أرض مقروضة بالمستعمرات كما قطعة الجبن الفرنسي. لم يكن أداؤها في هذا الميدان ليتفوّق على نظيراتها من المنظمات غير الحكومية، الإسرائيلية كما الفلسطينية المتكاثرة تكاثر الفطر، أو الفايروس. حتى "المبادرة الفرنسية"، آخر "ترياق سلمي"، لم تسعفها، ولا حتى "تهديد" السلطة بأن تحلّ نفسها.
وفجأة، هبط عليها "كلام" قرار مجلس الأمن الرقم 2334 كما يهبط المن والسلوى- كي لا نقول الوحي- من سماء الصحراء، وفي القرار كلام عن "حل الدولتين"، وتذكير بقائمة طويلة من القرارات "السلمية" لمن يريد أن يجرّب المجرّب. وفيه إدانة ل"العنف والإرهاب"_ هذا الخصم العنيد الذي لا يسلّم بالوقائع التي ما انفكّ الاحتلال يفرضها على الأرض بواسطة استيطان أرض واستيطان عقول.
فكيف لا تحتفل السلطة بهذا "الانتصار التاريخي"، انتصارها هي، لا على الاحتلال، بل على أي شيء سوى الاحتلال!؟
وكيف لا تشاطرها الأنظمة العربية هذا الاحتفال.. بالعجز والفساد وإعلان الإفلاس !؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا