الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقفة صدق مع الذات السورية..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2017 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن معظم السوريين – سواء من السلطة أو من الشعب - مازالوا مندهشين من حال العنف المفرط والدمار الذي وصل إليه وطنهم ، بل و متفاجئين أكثر بشراسة وضعة سلوك ومواقف بعض أبناء الوطن الواحد إزاء بعضهم البعض ، وما أفصحت صدور الأخوة من إختلاجات مقت وحقد وكراهية وخسّة في تلك المواقف، تجاه الوطن، الذي احتضنهم وآباءهم لسنين طوال ..
ولعَلّ كثير من ذوي الحجى السوريين يتسائلون الآن بمن فيهم كاتب هذه السطور :
ما الذي حدَثْ ..؟ وكيف حدثَ ذلك ..؟ بل كيف له أن يحدُثَ هكذا ..؟
في محاولة أولية متواضعة مني، للإجابة عن تلك التساؤلات، متجاوزاً الأسباب الموضوعية الخارجية الهامة إلى الأسباب الذاتية الداخلية الأهم حسب زعمي الدائم .. أقول :
الحق، ولئلا نلقي باللائمة على الآخر، كعادتنا عند كل طامّةً وحدَثْ ، أقول يجب أن نعترف بأننا لمْ نأتِ للناس بمشروعٍ ثقافي ليبرالي مدني علماني، يُساعد على تشكيل نخب ثقافية وسياسية حقيقية بينهم، ولم نولِ الاهتمام الكافي لبلورة هوية وطنية راسخة، تقوم على أساس الولاء للوطن السوري ومؤسّساته بشكل كافٍ..
أهملنا بناء ذواتنا المعرفية بشدّة، وانصرَفنا عن الاهتمام بالداخل الاجتماعي إلى مشاكل الخارج وخلقِ الأعداء، ثمّ عملنا بكل جدّية على تسويق الشعارات القديمة الميتة والمنتهية الصلاحية كي نكسب تأييد الدهماء في سَوقِهم وولائهم ..
قدّمنا الغالي والنفيس من أجل الآخرين، من العرب وغير العرب ، وكنا وطناً للجميع، ولم نلتفت يوماً بصدق إلى الكنوز الثقافية واللغوية لشعوب وطننا السوري ، كما لم نع أهمية الإلتفات إلى تعزيز أواصر الموسيقى والفن والللغة والثقافة ، ودورها الخطير في تماسك نسيج سوريتنا العربية الكردية الأرمنية التركمانية الشركسية..
بل لربما على العكس ، تقلّدنا بغشٍ نَحْوَ لغاتٍ وأسماء ورموز وثقافات الشعوب الأخرى وحسب ، وشُغلنا بقضايا الأوطان الغريبة الشائكة ، إلى درجة لم يبق لنا وقت نستخدمه لخلق هوية مُشتركة ، أو وطن نفكر لأجله ..
تغافلنا - بقصد أو عدم قصد - عن تغلل الفكر الإسلامي الوهابي في كافة مناحي المجتمع تحت ذرائع وهمية، كان مظهرها الحفاظ على النسيج الاجتماعي الهش، وجوهرها توازن اثر السلطة ودعم استمراريتها في ظل المنازعات الطائفية والإثنية ، فاعتمدنا سياسة بناء الجوامع، واسترضاء عمامات المنابر، والعمل على تجنب الإصطدام مع غول الجهل الديني للأكثرية الساحقة من أبناء الوطن ..
لم ننتبه إلى خطر الإعلام الداهم ، ولم نفهم دور أدوات الإتصال الاجتماعي والوسائل التكنولوجية المتطورة، في التأثير والسيطرة والتوجيه للرأي العام .. بل ساهمنا في تحويل النواقل الاجتماعية الخطرة ، إلى منابر إضافيه للتجهيل والإحتواء ، ومن ثمَّ محاربة العلم تحت أسماء متعددة للإيمان الرديء، بإستجداء رضى جهات السماء و أوصياء عبادة الفرد أو شراء الذمم والولاءات ..
عَطْلنا عَجلة الحراك الاجتماعي وأفسدنا سيرورة تطور القيم ، عبر تولية بسطاء الريف وجهلاء القرى على زمام الحواضر والمُدن ، وضعنا الرجل المناسب في المكان غير المناسب ، وهللنا لثقافة الضعف والرثاثة ، وشجّعنا الرُعاع كي يتجرؤا على تدمير قواعد التعايش والأصول ، وتمييع العادات الأخلاقية الرفيعة للطبقات العليا في المجتمع ، وبالتالي حُوربَتْ النُخب المَدنية ، تحت مُسميات برّاقة ومُضللة ، كالمساواة أو العدالة الاجتماعية ..وجَهِدْنا من خلال ترويجنا لأكاذيب الاشتراكية في العدالة الإنسانية، على إفساد الذوق العام ، فتراجع الفن واضطربت المفاهيم، وانحدر السلوك العام بين الناس الى ذرائعية دنيئة ومضللة..
أهملنا مناهج التعليم وسمَحنا للابداع والبحث العلمي ان يغرق في اتون الجمود وبيروقراطية الفساد والجهل والمحسوبية..
دمرنا البنية الثقافية للمجتمع حين أوغلنا في تلميع بعض الإمَّعات الثقافية، وساهمنا في كبت الكثير من الطاقات المعرفية والأدبية الأصيلة ..وتحت ذريعة توحيد صوت الحقيقة الواحدة واتجاهها الأصوب .. أخرسنا كثير من الأصوات الوطنية والليبرالية الحُرّة الصادقة ، و رفعنا من قدر الجُهلاء والدهماء ولقطاء المجالس ، وكثير من الأبواق الصدئة أو المأجورة..
إضطهدنا الفكر والتفكير الفلسفي الحر، واختزلنا الثقافة إلى أقاصيص أدبية ، تُباع على الرصيف وأشعار السكارى في آخر الليل ..
لم نُحارب الفساد بجديّة كافية ، و كثيراً ما شجّعنا عليه كنظام سهل للسيطرة وشراء العقول و الذمم ، وسمحنا لمنظومة الفساد أن تتحكّم بأهم نواصي المجتمع والدولة ( التعليم والقضاء والطب ) فغاب إحساس العدالة بين الناس، وتغول شعور القهر في سلوكهم ومعاملاتهم، وأصبح المجتمع يضيق بالظلمات أكثر فأكثر، ويعحُّ بأفراده المرضى من المفسدين و غير الأسوياء ..
خلقنا البيئة المناسبة لغيلان الفساد، كي تنمو في الظل، بعيداً عن أنظار أية رقابة حقيقية، وصدّقنا كالسُذّج أن رقابة الضمير على سلوك غير الأسوياء كافية ..
إلى أن جاءت ساعة الحقيقة ، فضاع الغُرْم والغُنْم ..
قُصارى القول : أعتقد بعد كلِّ هذا الوقت من السقوط في هاوية الأخطاء والجهل وتدمير الذات ، لا يحق لنا السؤال كَيف ترعرع فى وطننا السموح كلّ هذا القدر من السَفلة والأوغاد وصناع العنف ..
بل من الواجب علينا بالأحرى ، أن نقف وقفة صدق مع الذات ، و نتفكر ملياً ، وإذا ما أردنا حقاً، أن نبني وطناً جديداً على أسسٍ مدنية علمانية مَتينة وجديدة ، يتعينُ علينا ألا نَنْسى يوماً واحداً ، إن السِرْداب الذي تسَلّلَ مِنْهُ أولئكَ الهَمَج والحضن الآسن الذي حوى الرُعَاع الذين دمَّروا الوَطن، إنما هو ظلم الفَسَاد وجهالات الدّينْ ..
بلْ وربَّما ، آنَ لنا أن نُدرك جيداً ، إذا لم نستطع نحنُ أخْذَ زمام المسؤولية بعزم وحق، إزاء حاضرنا ومستقبلنا ، فسيأخذها – ودون أدنى شك - أحدٌ ما بالنيابة عنا ، عاجلاً أو آجلاً و بكل تأكيد .. وعندئذٍ فقط ، ستبدأ رِحلةُ عُبودِيتنا الطويلة والشّاقة...
ولعل منتهى القول في زعمي هذا :
لا انتصار حقيقي لنا – نحن السوريون - دون مواجهة الحقيقة، والوقوف أمام مرآتها حُفاةً منْ عَلياءِ خُرافاتنا، وعُراةً من خيلاءِ جَهَالاتنا، وقد آن الأوان كي نصفَ لأنفسنا بصدق ، لما تأخرنا كل هذا الوقت كي نرى ما نحن عليه من مقتٍ وألم وهاوية.. ولما لم تعدْ تشرق في مدارات أعماقنا شمس التسامح ..
بل لا بد ان نسأل أنفسنا وبصراحة تامة السؤال الأحزن :
لماذا غادرنا الحبْ الوطني ، هكذا فجأة ، و دون سابق إنذار ..!!
ملاحظة وإستدراك :
عندما أقول " نحن " فالمقصود بها كل السوريين أجمعين أو على الأقل من يحسبون أنفسهم من العقلاء ، سواء أكانوا في موقع السلطة أم في موقع المواطنة ..و إلقاء اللوم كاملاً فقط على السلطة أعتبره جهل إجتماعي وحمق سياسي، وكذلك رمي المسؤولية برمتها على المواطنين وحسب فهو مواربة ماكرة للحقيقة وخداع للنفس ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ان الشعوب
ماجدة منصور ( 2017 / 1 / 11 - 02:41 )
ان الشعوب على دين حكامها أيها المحترم...وما الشعب السوري الا على دين حافظ و ابن حافظ0
لا تنتظر معجزات من الشعب الذي لا هم له الا كيف يدبر امر معيشته اليومية...فان هذا أقصى أمانيه ولكن انظر الى رأس الهرم ماذا فعل بسوريا و أبناء سوريا!!!لقد انتشرت الرشاوي و الفساد و المحسوبيات و الذي منه في عهد القائد الأب و الذي استمر فيها الابن...لقد ألغي المجتمع المدني في سوريا منذ أمد طويل...ولم نشهد أي اصلاحات حقيقية في ظل نظام الأب و الابن!!!!فماذا ينتظر الشعب السوري الذي أصبح معظمه في الشتات؟؟ أينتظر ابن الابن...كي يتعاطف و يتكرم و ينظر في اصلاحات ضرورية و التي قامت الثورة السورية من أجلها؟؟
احترامي

اخر الافلام

.. هل تدخلت أمريكا عسكريًا في عملية إسرائيل لإعادة 4 رهائن؟


.. مراسلنا: قتلى وجرحى من جراء استهداف الجيش الإسرائيلي مبنى سك




.. حزب الله يعلن استهداف مبنيين يتمركز فيهما جنود إسرائيليون في


.. الاتفاق الدفاعي بين الرياض وواشنطن يلزم السعودية بتطبيع العل




.. رئيس معهد أبحاث الأمن القومي: الضغط العسكري سيؤدي إلى مقتل ا