الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وماذا بعد عودة البرادعي للكلام؟

علي عبدالحفيظ مرسي

2017 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


البرادعي.. حلم السياسة والحداثة والثورة:
في بداية الثورة اقترحت على من أعرفه من الأفراد أن يحصل "محمد البرادعي" على تفويض من الثائرين كممثل شرعي ووحيد للثورة المصريّة .. ومن ثمّ نحصل على نظام سياسي موحّد يشكله الرجل بما له من خبرة معلومة ومن رمزية واضحة لانتصار العلمانية في دولة أشدّ ما نعانيه فيها هو الديكتاتورية الملتحفة برداء المسجد والكنيسة وفي أسوأ صورهما وأشدّها تطرفاً وربما إرهاباً للمواطن الحر..
بعد فترة انخرط "البرادعي" في العمل العام في مصر ولم أكن أبداً راضياً عن أن يشارك في العملية السياسية من باب سدنتها التقليديين من النخبة التي أوضح هو في لقائه الأخير على شاشة التلفزيون العربي وفي التسريبات الهاتفية حتى في أثناء تعاونه معها بأنّها ليست نخبة؟! فلماذا إذن تمّ التعامل معهم؟!
بعد انقلاب المكتب الذي أدارته باقتدار جميع أجهزة الدولة المصرية ضد الرئيس "محمد مرسي" الذي انتخب رئيساً لمصر بفعل فاعل واضح جداً فيما يشبه أيضاً انقلاب المكتب على الثورة المصرية شارك البرادعي في منصب سياسي هزيل كنائب لرئيس جمهورية في بلد يعرف تاريخه الحديث والقديم أنّ النائب لا وزن له ؟! لماذا إذن تمّ قبول المنصب؟!
كان ذلك القبول رضوخاً لفيتو استعملته القوى الإرهابية التي استمر قبول وجودها على الساحة السياسية بعد انتصار البرادعي وهي مخالفة لكل عقل ولكل التزام ديمقراطي .. كيف يسمح لجماعات عنف ديني أن تمارس السياسة دون أن تتخلى عن مبادئها العنيفة ودون أن تعلن هذا التخلي بشكل واضح لا لبس فيه؟ لماذا تمّ قبول وجود هذه القوى دون شرط إعلان تخليها عن مبادئ العنف ؟! ولماذا تم التنازل عن منصب رئاسة الوزراء الممكن تفعيله لحدّ ما في ذلك الوقت لصالح منصب نائب الرئيس الذي لا يمكن تفعيله ؟! هذه أسئلة يحتاج البرادعي ويحتاج الثوار أن يعيدوا النظر بها..
لماذا أساساً قبل البرادعي أن يشارك في العملية السياسية وتنازل عن دور "غاندي" الذي استدعاه إليه الضمير الجمعي للثوار الشباب ؟! هذا أيضاً ضمن الأسئلة التي من الواجب علينا جميعاً أن نصل لإجوبة واضحة عليها، إذ إنّ طلباتنا من النخب الفكرية والسياسيّة ليست بالطلبات المستحيلة، ومع ذلك فهي تصطدم بحوائط جد صلبة وبانقلابات جدّ خطيرة؟!
البرادعي: ومؤسسة الدين:
ليس من السهل على عقل مفكر متواضع أن يمرر بسهولة ويسر موضوع نشر صور للرئيس المحتمل "محمد البرادعي" تشبه تلك الصور الافتعالية للرئيس المؤمن "أنور السادات" أثناء إنشاء مشروعه لأسلمة مصر؟! وهو يتلو في المصحف، فهل كان ذلك بمحض الصدفة؟ هل مثل "البرادعي" يتصبب عرقاً بهذا اليسر ويرد بمثل هذه الطريقة على نشر صور لابنته بالمايوه وهي في طبيعة حياتها في فيينا لا ترتدي أشياء تختلف كثيراً عن المايوه وبالتأكيد لم يكن ذلك محل اعتراض من والدها؟ هل كانت هذه الصور للترويج لفكر ديني علماني جديد؟ لم يشرح لنا البرادعي شيئاً عن طبيعة هذا اللون الجديد من التدين ؟
إنّ موقف البرادعي من سيطرة المسجد والكنيسة وتوجيههما للدولة هو موقف أقرب لموقف الديكتاتوريات منه لموقف الرجل التحديثي العلماني الصريح؟!! فالبرادعي هو أول من اقترح إبقاء المادي الثانية من دستور 1971، وهو دستور الرئيس المؤمن زوج السيدة جيهان التي اتهمتها الجماعات المؤمنة بكل نقيصة، ودستور تأكيد الديكتاتورية بمد فترات التجديد للرئيس إلى ما لا نهاية والذي كان مؤهلاً تماما للنص على امتداد خلافة الرئيس في بنيه؟! هل هذا المقترح بإبقاء المادة الثانية كان ضمن مشروع علماني لعلمنة دستور الدولة بعد أن لم تبق فيه المادة الثانية فقط، بل انضافت إليها المادة الثالثة لتؤكد على دينية الدولة وعلى أنّها ولأول مرة في تاريخها الحديث دولة طوائف؟ وأنّ من حق كل طائفة أن تتحاكم لشريعتها الخاصة؟!! فكأننا نخرج من الدينية عبر الطائفية لا عبر العلمانية ؟! هل هذا الموقف كان مدروساً وطبيعياً من ممثل الحداثة والثورة والعلمانية؟!
مشاركة الأزهر والكنيسة في إعلان انقلاب جميع مكاتب الدولة على الرئيس (وهو انقلاب جد مشروع ومقبول سياسيّاً وقانونياً وهو تقريباً الشكل الديمقراطي الوحيد المقبول من صور الانقلابات) هل كان إلى هذا الحدّ مقبولاً وطبيعيّاً من رجل تم استدعاؤه من شباب الثورة لقيادة مشروع حديث وصريح في علمانيته؟! هل من الطبيعي في مشروع علماني لعلمنة الدولة أن تشارك الكنيسة والمسجد؟! وهل هما من مكاتب الدولة أصلاً؟!
مفهوم تماماً أن تكون الكنيسة والمسجد من أعمدة نظام ديكتاتوري أو عسكري أو هما معا (كلود-ليفي اشتراوس كان أشار في تناوله لموضوعات المجتمعات الساخنة والباردة أنّ الكنيسة والعسكر من أبرز أدوات التبريد لأوضاع وذاكرات الأمم وهو ما يمكن للقارئ الكريم أن يتابعه على نحو أكثر تفصيلاً واتساعاً في كتاباتنا ومحاضراتنا العامّة عن الذاكرة الحضاريّة وسوف تأتي مقالات واضحة وتفصيلية هنا في هذا الشأن بإذن الله) لماذا يقبل البرادعي أن يقف ما بين ممثلي الأعمدة الأشدّ بأساً في بناء الدولة المتصلبة والباردة والديكتاتورية لكي يعلن عن انقلاب المكتب الشرعي والناجح
البرادعي: ومؤسسة العسكر:
الجنرال شارل ديجول القائد والسياسي المحنك لقوات الجيش الفرنسي تمسك بكل حزم أثناء عمليات قوات التحالف لتحرير فرنسا من الألمان في الحرب العالمية الثانية بأنّ من المحال أن تطأ أرض فرنسا قدم جندي من جنود قوات التحالف قبل أن تكون القوات الفرنسيّة في المقدمة؟! هل كان الرجل حالماً ومستكبراً على حقيقة أن فرنسا لن تتحرر بدون قوات التحالف المنتصرة على ألمانيا؟ كان يعلم ذلك تمام العلم لكنّه الموقف التأريخي والمبدئي: لا يعلن عن تحرير فرنسا ولا تطأ أرض فرنسا أولا إلا قوات فرنسيّة!!
لماذا لم يصرّ البرادعي على أنّ الإعلان عن انتصار ثورة 30 يونيو بتحالف قوى الشعب مع مكاتب الدولة لا يجوز أن يعلن على لسان أحد غيره خاصّة وأنّ جميع القوى الثورية وحتى الحزبية التي فضحتها سنة حكم الإخوان المسلمين، وعمليّة انتخاب "مرسي" وأحداث محمد محمود وغيرها ضد الثورة والثوار، كلّ القوى في هذا الوقت كانت قد سلّمت واستسلمت لقيادة البرادعي باعتباره ممثلاً شرعياً للثورة خاصة بعد أن انسحب من سباق انتخابات الرئاسة التي فاز بها "مرسي" فأثبت أشياء كثيرة ضد المجلس العسكري وضد الإخوان وانتصر لنفسه وللثورة فكان الحصاد أن وقفت الثورة فوق هرم الدولة لأول مرة حتى بالمقارنة مع ما حصل في 28 يناير و11 فبراير 2011م. كانت الثورة ساعتها في قمّة تحكمها حتى ولو كان تحكما نسبيّاً وكان البرادعي وحيداً في قيادة دفّة الثورة وقد اكتسب شرعيّة تكاد تكون عالميّة. لماذا إذن لم يصرّ على أن يكون الإعلان عن انتصار الثورة وتنحية "مرسي" على لسانه هو وحده وباستبعاد حاسم لظهور أيّ رجل من رجال الجيش أو أيّ من رجال الدين فضلاً عن وجود ممثلين لجماعات ضالعة في العنف الفكري ؟!! هل ينقص رجالنا الذين لهم كل هذه الخبرات الدبلوماسية وهم في القرن الواحد والعشرين وعيا يقارب وعي قائد عسكري وسياسي فرنسي لم تعركه أروقة الدبلوماسية الدولية أيام الحرب العالميّة الثانية؟!!
هذه الضبابية الفكريّة والمشروعاتية والسياسيّة التي تسببت بها مواقف أوضحناها أعلاه تسببت في فقدان الثقة والثورة ودفعت بجماعات من الثوار لقبول فكرة فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة .. بل وربما بالقوة المفرطة أيضاً؟! فهل يسأل الثوار عن هذا ؟! أظنّهم يسألون لأنّ الثورة تحتاج لوعي وكنت قديماً قرأت قولاً حكيما مكوناً من كلمتين: الوعي أو الألم فالثورة والإنسان الذي لا يعي سوف يتألم لكنّ السؤال هو: لماذا يتألم الثوار وينسحق الشعب ولم تتألم النخب التي صنعتها أفضل مستويات التعليم والدراسة وأعلى درجات العمل العام؟!
البرادعي: ومؤسسة "العالم العربي":
ثانياً: حديث البرادعي الدائم عن "العالم العربي" وكأنّها فكرة متفق عليها ومبدئية لا يسأل عن أصلها في التصور الوطني والقومي المصري ومعروف أنّها لم تكن أبداً على مائدة البحث المصري عن الهوية القومية قبل أن يتم اختراعها مع السقوط المدوي أمام جماعات العصابات الإسرائيليّة عام 1948م والتي نجم عنها صعود تيارات عسكرية للحكم تبنت الفكرة وكأنّها قدر محتوم ودافعت عنها باعتبارها ركيزة أولية لا يسأل عن صدقيتها وفيها ألفت المؤلفات وصنفت المصنفات لحين السقوط النهائي والكامل أمام ذات الجماعات محدودة العدد جداً من الإسرائيليين؟ هل هذا الوضع التاريخي يبرر لمفكر وحداثي وقائد ثورة علماني أن يعيد تكرار المصطلحات دون دراسة ودون خطة واضحة لمعالجة أزمة أمته؟!
لقد تخلى "غاندي" عن جزء أصيل من الأراضي الهندية لصالح بناء هند ديمقراطية حديثة .. هل التخلي عن أفكار مجردة عن عالم غير موجود وجوار ندعي دائماً أنه شقيق ونعلم بيقين أنّه معادي هو موضوع صعب على "غاندي" المصري أو من كان مُستدعَى للقيام بدور "غاندي"؟ ليس أكثر من إعادة طرح الموضوعات الجذرية والخطيرة والحاسمة للنقاش الحر ومشاركة الشعب في بناء أو إعادة بناء بيته المنهار كما طالب سيادته في الحوار ؟
إنّ مصر تعاني من حالة جوار جغرافي في منتهى الخطورة، وفي منتهى التأزم، جوار شامي قد ينضاف إليه العراق بمشكلاتهما التاريخية وانقساماتهما الطائفية المزمنة وإن كان هو أحد الجوارات الأقرب للوصول معه إلى حلول معقولة، ثمّ الجوارين الشرقيين الآخرين: العربي (السعودي تقريباً) والإسرائيلي وهما جواران كارهان ويكاد يستحيل الوصول معهما لحلول مع فكرة إنشاء دولة علمانية حديثة في مصر أساسها الثورة على النظام الديكتاتوري والأوضاع الطبقية والدينية المستهلكة؟ ثمّ جوار الشمال إفريقي حيث تشعر في مصر أنّك على بعد قارات من هذا الشمال كما أنّك تشعر بذات الشعور عندما تتحدث عن الامتداد الطبيعي والأصيل في الجنوب. نحن إذا كنّا بعيدين عن الجوار في شمال إفريقيا فنحن أكثر بعدا جدا عن جوارنا في الجنوب؟!
إنّ الوضع الجغرافي المأزوم تركنا وكأنّنا جزيرة منعزلة لا نعرف إذا كان الأفضل في التعبير عن أنفسنا وفقاً لحقائق ارتباطنا التاريخي باليونان وإيطاليا أن نقول كما تقول جارتنا اللدودة "إسرائيل": "إننا جزء من أوربا لكنّ خطأ جغرافياً ألقى بنا في محيط ليس محيطنا" أم إنّ من الأفضل أن نحاول ربط أنفسنا بهذا الجوار الكاره والخطير تحت شعار أنّنا عرب؟ وهل من اليسير القفز على مثل هذه المصائب القوميّة فقط باستعمال مصطلح بخطورة مصطلح "العالم العربي" وحالميته ؟ هل يصلح هذا المصطلح وما ينتجه من مسئوليات لغوية وإقليمية ودينية (انضاف إليها البعد الطائفي السنّي الآن) هل هذا المصطلح جدّي للتعامل مع الركائز القريبة في الإقليم بدءاً من الهند وإيران إلى تركيا ومن ثمّ للجوار الإفريقي؟
وأخيراً: البرادعي: ومؤسسة الغلابة:
هل من الطبيعي أن يصمت قائد تم استدعاؤه لقيادة ثورة بلد يثور شبابها باسم الثقافة الجديدة والعلمانية وربما ما بعد الحداثة ضد كل ما هو قديم لمدة ثلاث سنوات بعد مغادرة البلد وترك الثورة والثوار يواجهون مصائر ساحقة، ثمّ يبدأ حواره بالحديث عن أسرته وأبيه وربما جدّه أعضاء طبقة البكوات؟ هل من الطبيعي لثائر متواضع أن يُسأل كيف كان له أن يعين في وزارة الخارجية بعد تخرجه لو لم يكن فعليّاً من بين أبناء طبقة البكوات؟ هل يتوقع أن يعلن ابن لبكوات دولة انهارت تحت سنابك البكوات وغلمان البكوات مدة تزيد على الألف سنة شيئاً معارضاً لحكم البكوات التقليدي الديني العسكري الذي سعى الشباب والشابات لإسقاطه في صرخة نحن نريد "إسقاط النظام"؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام