الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموضوع هو طمس الهوية الثقافيّة لا أكثر

صلاح الدين مسلم

2017 / 1 / 10
الادب والفن


يتّكئُ الديركي البوطانيّ على فراش ذكرياته على الجسر الروماني ليتأمّل الجندرما الأتراك وهم مشدودون إلى جدار الزيف بين غربيّ وشماليّ كردستان والعار لا يعلو جبينهم، بل يتباهون به. حيث يقرّرون عن صاحب الأرض أنّه صاحب الأرض الفعليّ، وأنّ الكرديّ غريبٌ، وهم يريدون أن يطمروا الماء المنبعث من طهر الأرض ليغمروا طهر الأرض المنبعثة من عبق التاريخ، لِيتأمّل الكرديّ الشمالي من هو قابع في الجنوب ولينظر الجنوبي بتحسّرٍ إلى الغربيّ في مثلث برمودا؛ مثلث الإبادة البوطانيّة الذي غيّروا اسمه إلى جزيرة ابن عمرو أو غيّروا اسم ديريك إلى المالكية أو الحنبلية لا أدري أهي طرق صوفيّة أم هو إسلام سياسيّ أصولي يسعى إلى تغيير كلّ أبجديات التاريخ والحضارة والثقافة.
جزيرة بوطان أو جزيرة ابن عمر هي التاريخ الثقافي القديم والقديم جداً، هي التاريخ الذي يقضّ مضاجع القومويين الترك الذين لا مكان لهم في أي أثر ينبش تحت الأرض، فكلّ نبشٍ للتاريخ يعني فناء الدولة التركيّة القومويّة؛ مصدر الهلاك في الشرق الأوسط، حيث لا مكان للترك فيه، فعملية صهر تاريخ الشعوب الأصيلة، أو تغيير ديموغرافيتها، أو تعريبها، أو تتريكها أو تفريسها، أو محو كلّ الآثار الموجودة على جغرافية كردستان هي عمليّة منظّمة تحاول الدولة التركيّة أن تجعلها نبراساً لها، ومبدأ تمشي عليه ابتداء بمنظومة الاتّحاد والترقّي الإبادية الصهرية وصولاً إلى منظومة العدالة والتنمية التي يترأسها سفاح العصور؛ أردوغان.
وهذه العملية الإبادية للثفافة التي طوّرها أردوغان بعد أن نفّذها بشكل متقن في شمالي كردستان من خلال محو المعالم الثقافيّة حول حوض الفرات وتغيير شكلها الثقافي من خلال طمر الأوابد تحت مجرى النهر الجديد؛ عبر السدود التي كانت غايتها الأولى والأخيرة طمس الهوية الثقافية الكردية في شمالي كردستان أي في جنوب شرقي تركيا، وعمليات التهجير المنظّمة والحرب الشعواء على المدن الكردستانيّة (آمد، نصيبين، جزرة، سلوبي، شرناخ...) انتقل إلى روج آفا، ابتداءً بعمليات التطهير العرقيّ في مناطق الشهباء، حيث دمّر معظم القرى الكرديّة هناك، وهجّر الكرد وقتلهم وسجننهم وأذاقهم الويلات سواء عن طريق قوّاته مباشرة من خلال الاحتلال العثمانيّ الجديد لمناطق الشهباء، أو من خلال أعوانه الحاليين قوّات درع الفرات، أو سابقاً من خلال حليفه الذي غدر به؛ داعش الذي طمس كلّ الأوابد حول الفرات ودجلة في غربيّ وجنوبيّ كردستان.
والآن يحاول أن يغّير الإباديّ مجرى نهر دجلة، بعد أن غيّر هو وأسلافه الفرات، والهدف منه غمر الجسر الروماني (جسر بافل)، وهو الجسر الأثريّ الذي يعتبر مرتعاً للذاكرة التي لا تهدأ، وإن كان الجسر يعبّر عن فترة احتلاليّة لا تمتّ إلى كردستان والعدوّ يدرك ذلك، لكنّ ما يقضّ مضاجع القومويين الفاشستيين أمثاله هو طمس الثقافة والتاريخ، فلذلك يسعى منقطعو السلالة إلى قطع كلّ السلالات الأصيلة، وبتر الإنسان عن تاريخه، فالموضوع ليس إبادة الكرد فحسب، وإنّما الموضوع هو طمس الهوية الثقافيّة وطمرها لا أكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي