الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جواد سليم في واشنطن

جعفر المظفر

2017 / 1 / 11
الادب والفن



كالعادة, نجتمع في سيارة واحدة, ثلاثة او أربعة من الرجال العراقيين الذين يسكنون في مناطق متقاربة من ولاية فرجينيا الملاصقة للعاصمة واشنطن ثم ننطلق نحو هدفنا الذي غالبا ما يكون اللقاء بعراقيين آخرين جاءوا من مناطق مختلفة من نفس الولاية, وحيث يكون اللقاء في مقهى من مقاهي (ستاربك) المنتشرة في كل أنحاء الولايات المتحدة أو لحضور نشاط ثقافي كذلك الذي إعتاد (منتدى الديوان العراقي) في واشنطن أن يقيمه شهريا, والذي تنوعت ندواته أما لتكون مهرجانا شعريا يشارك فيه في العادة شاعر أو شاعران أو حوارا حول مسائل فكرية متعددة تشمل التاريخ والعديد من الظواهر الإجتماعية, او موضوعة فنية تتعلق بالرسم والموسيقى يتحدث فيها فنان أو فنانة معروفة.
ومنتدى الديوان العراقي حتى من ناحية الفكرة لوحدها يمثل ظاهرة إيجابية في حياة الجالية العراقية, ومثله في ذلك العديد من التجمعات العراقية المنتشرة في البقية من بلدان العالم والتي تقوم بدور تذكير الجالية العراقية بدورها في المهجر. ويوم يطالعك نصب جبران خليل جبران, الأديب اللبناني الشامخ, في إحدى ضواحي واشنطن والمكتوب على جداريته «ها أنا الشاب والشجرة الصغيرة التي اقتلعت جذورها من تلال لبنان وتجذرت وأثمرت هنا» فإن ذلك يذكرك بأن المجتمعات الأوروبية والأمريكية تتميز بكونها تسمح بتفاعل الثقافات إلى الحد الذي يمنحك فرص التعريف ببلادك الأصلية من خلال لغات إعتادت هذه المجتمعات أن تستمع إليها حتى لو جرى النطق بها همسا, ومنها, لا بل وفي مقدمتها, لغة الثقافة والفنون.
ويوم (تأسس الديوان العراقي في واشنطن) راعى مؤسسوه الإبتعاد به عن السياسة تحديدا, وحصر عمله بالنشاطات الإجتماعية والأدبية والفنية لكي يكون قادرا على جذب العراقيين وإدامة الصلة بينهم والتقليل بشكل أساسي من فرص التمزق التي تدخل عليهم من بوابات الإختلاف الذي تحول من إختلاف في وطن إلى إختلاف على وطن.
إن تقدير طبيعة الظرف وإستعدادات المتلقي ستاخذنا مباشرة إلى حالة التشرذم والتمزق التي يعيشها العراقيون, وقد عملت المرحلة الحالية على تقديم العراق للعالم على أنه لم يعد غير أكاديمية للإرهاب واللصوصية.
ولعل تجميع العراقيين حتى بالمستوى المتواضع بات يواجه صعوبة خلقتها ظاهرة يصح أن نسميها هنا بـ (السياسفوبيا), إذ أن نسبة كبيرة منهم باتت تتوجس من الآخر المذهبي والديني والقومي وتفترض صعوبة الإجتماع معه على هدف ومهمة موحدة. لكن تعريف السياسة من خلال عضوية صلتها بطبيعة الظرف وصفات المتلقي تعطينا فرصة توسيع مفهوم العمل السياسي وتعريفه بطرق تضمن شموله للنشاطات الثقافية والفنية والإجتماعية البعيدة عن العناوين السياسية التقليدية المباشرة, فالندوة الشعرية كما المعرض الفني كما اللقاء الإجتماعي سيحقق هدفه الوطني الأسمى في هذه المرحلة ألا وهو تجميع العراقيين في ساحة تذكرهم دائما أنهم ابناء وطن واحد, وسيبقيهم ذلك النشاط النوعي في وضع الإستذكار بحيويتهم التاريخية. والأهم أن نشاطات نوعية على هذا المستوى ستعيد ثقة العراقي بنفسه وبصاحبه وببلده مثلما تفلح تدريجيا بإيصال حقيقة ان العراق لم يكن أكاديمية للإرهاب واللصوصية بل كان في الأصل مهدا للحضارة.
في السيارة التي جمعتنا وصاحبيَ بإتجاه القاعة التي تبعد ما يقارب الساعة عن داري, والتي تقررأن نستمع فيها إلى محاضرة عن (توظيف الفلكلور الشعبي في اللوحة التشكيلية المعاصرة في العراق) للرسام والأكاديمي العراقي المعروف شاكر الآلوسي, تناوبنا تخوفاتنا حول إمكانية أن لا يكون هناك حضور يليق بالفنان ومضمون المحاضرة وذلك بسبب البرد القارس وسرعة الرياح, لكن المفاجأة أن القاعة كانت مكتضة تماما بالحاضرين الذين إستمتعوا بالمحاضرة حتى الكلمة واللوحة الأخيرة .
تحدث الرسام المبدع الأستاذ شاكر الآلوسي لفترة ساعة ونصف بإسلوب يحسده عليه أفضل المحاضرين الأكاديميين من اصحاب الخبرة الطويلة وأتحف محاضرته بصور لرسوم أبدعتها ريشة رسامي العراق من مجموعة الرواد وغيرهم, وحينما تصفحت وجوه الحاضرين وتنوعاتهم الدينية والمذهبية عرفت تماما كيف يصهر الفن والأدب والتراث شعبا في مٌكوَّن واحد وكيف يمكن لعراقي الخارج ان يقولوا للسيد ترامب ولغيره من عامة الغربيين أنت على حق ياسيدي في ما يتعلق بالوضع الحالي, فالعراق قد بات حقا بفضل إحتلالكم له أكاديمية للإرهاب ومدرسة للصوصية, لكنه بفضل أحفاد حمورابي وابناء الميسوپوتاميا، سيعود معافى وصالحا للعيش والتحضر من جديد, وإن بعض أدلتنا على ذلك قد تحدث بها (حمورابي في باريس)* و (جواد سليم في واشنطن)**
شكرا للديوان العراقي في واشنطن الذي أكد على ان العمل السياسي لا ينحصر بمفرداته التقليدية وإنما قد يكون أعلى صوتا حينما تنطق به ريشة فنان أو لسان شاعر يستطيع أن يصهر المكونات العراقية كلها في مكون واحد, رغم البرد القارس والريح الهوجاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عنوان مقالة للمبدعة إنعام كججي حول معرض الآثار العراقية الأخير في باريس.
** عنوان ثان إخترته لمحاضرة الرسام المبدع شاكر الألوسي ألقاها قبل يومين في منتدى الديوان العراقي في واشنطن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السياسوفوبيا
د.قاسم الجلبي ( 2017 / 1 / 13 - 11:33 )
العديد من العراقيين المتنورين يجتمعون كل خميس من كل اسبوع في مدينة هامبورك الجميله في قاعة كبيرة هيأتها لنا البلدية بأجور بسيطة, لم يكن بين هؤلاء من السياسيوفوبيا, الجميع ابناء الرافدين ومن تلامذة حمورابي كما جاء في مقالتكم هذه, العديد من الزملاء يبدؤا مناقشاتهم على اخر اخبار البلد , يتقدم العديد من الزملاء بعرض موجز عن كافة الاخبار الثقافية والسياسية, يتقدمهم الزميل ضياء الشكرجي لما له من ذاكرة قوية وحجةثقافية لا يستهان بها ابدا , الملاحظ في هذه اللقاءات لا تنحصر على الكهول وكبار السن كما كان سابقا , بل ان العديد من الشباب اللذين وصولوا الى المانيا مؤخرا يحملون العديد من الآفكار التنورية وعابري للطائفية والدينية والقومية , الشىء بالشىء يذكر , مع وفر التحيا لصديقنا العزيز د. المظفر

اخر الافلام

.. نصير شمة يحتفل باليوبيل الفضي لتأسيس بيت العود العربي في الق


.. فنانة شهيرة تتمنى خروج جنازتها من المسرح القومي




.. بايدن عن أدائه الضعيف بالمناظرة: كنت أشعر بالإرهاق من السفر


.. قضية دفع ترامب أموالا لممثلة أفلام إباحية: تأجيل الحكم حتى 1




.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر