الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازدواجية في سياسة الغرب من الارهاب التكفيري وتبدلات السياسة التركية

زياد عبد الفتاح الاسدي

2017 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


المتغيرات التي شهدتها المنطقة مع انتصارات حلب وطرد الجماعات التكفيرية من أحيائها الشرقية أظهرت الكثير من التبدلات والارباكات في المواقف الغربية والاقليمية تجاه الهزائم والاخفاقات التي تعرض لها الارهاب التكفيري والمتغيرات التي شهدتها المواقف التركية من الازمة السورية بعد هذه الاخفاقات . ولكن قبل ذلك سنستعرض فيما يلي باختصار بعض النقاط الهامة التي تُفسر سلوك السياسة الغربية تجاه الارهاب التكفيري وكيفية استثمارها لهذا الارهاب بالشكل الذي يخدم مصالحها :
أولاً : التحالف الامبريالي في الغرب سعى ويسعى دوماً كما نعلم الى نشر العصبيات الطائفية والمذهبية والعرقية والقبلية في مستعمراته منذ الحرب العالمية الاولى ... ولكن ومنذ الاعلان عن ما يُسمى بالشرق الاوسط الجديد , لجأت سلطات واستخبارات الدول الغربية الكبرى الى إستخدام منظمات القاعدة وفصائل الارهاب الاسلامي المتطرف الذي يعود في جذوره الى الجماعات الجهادية في أفغانستان , كاستراتيجية فعالة تهدف الى تمزيق وإضعاف شعوب المنطقة والقضاء على أي احتمالات للثورة والتغيير والمقاومة أو الاصلاح السياسي قد تسعى لها بعض القوى والاحزاب والانظمة الوطنية والتقدمية في المشرق العربي وشمال أفريقيا .. وبالتالي فقد استخدم الغرب وعملائه التطرف الاسلامي والطائفي والتكفيري لتحقيق هذه الاهداف ونشر الدمار والفوضى الامنية ومختلف أشكال التمزق والصراعات الداخلية على حساب مواجهة التهديدات الخارجية المُتمثلة بالعدو الامبريالي والصهيوني الذي سعى ويسعى دوماً للهيمنة على المنطقة ونهب ثروات المشرق العربي والشرق الاوسط الذي يتميز ليس فقط بموقه الاستراتيجي الهام لحركة السفن والملاحة البحرية والاساطيل الحربية , بل أيضاً بثرواته الهائلة من النفط والغاز وغيرها من الثروات التي لم يزل يتم اكتشافها الى الآن .
ثانياً : تُؤكد معاهد الدراسات الاكاديمية ومراكز الابحاث الاستراتيجية والسياسية المنتشرة في العالم وفي المنطقة والحقائق الميدانية والاستخباراتية المُوثقة , أن الدول الرئيسية الداعمة للارهاب الاسلامي التكفيري في الشرق الاوسط تنحصر بشكلٍ رئيسي في السعودية وقطر وتركيا مع دور ثانوي للباكستان والامارات والاردن وبعض القوى اللبنانية المرتبطة بالنفوذ السعودي في لبنان .
ثالثاً : تتلقى الدول الداعمة للارهاب التكفيري في المنطقة الدعم والحماية العسكرية المطلقة من حلف الناتو والدول الامبريالية الرئيسية. وهذا يشمل اقامة القواعد العسكرية والجوية والبحرية على أراضيها ومياهها الاقليمية .
رابعاً : الحملة السياسية والاعلامية التي أطلقها سابقاً ومازال يُطلقها ساسة الغرب فيما يتعلق بمحاربة الارهاب التكفيري وانشاء تحالف دولي لمحاربة الارهاب , لا تهدف فقط الى التنصل من مسؤولية الطغمة الحاكمة في الغرب المُباشرة أو غير المُباشرة في دعم الارهاب التكفيري , بل أيضاً كمبرر للتدخل العسكري في المشرق العربي وشمال أفريقيا بأسالييب جديدة وفعالة , وذلك باستخدام سلاح الجو والطائرات الحربية بدون طيار وبمشاركة الجماعات التكفيرية المُسلحة على الارض , كما يحدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن وبعض الدول الافريقية .
خامساً : الطغمة السياسية والعسكرية والاستخباراتية الحاكمة في الغرب تستخدم استراتيجية الارهاب التكفيري والطائفي ليس فقط لضرب الاستقرار السياسي والامني لدول المنطقة وأسقاط الانظمة والقوى المناهضة لمنظومة الغرب كسوريا وأيران وحزب الله , بل أيضاً لمنع الدول الاقليمية والدولية الصديقة كروسيا والصين وإيران التي تتضرر من الارهاب التكفيري , من تمدد نفوذها في المشرق العربي والشرق الاوسط . وهذا ما يدفع ساسة الغرب ليس فقط غض البصر عن الدول الداعمة للارهاب التكفيري , بل تشجيعها لدعمه وتمويله.
سادساً : رغم أن الارهاب التكفيري يستهدف بين الحين والاخر بعض المدن الاوروبية والامريكية على غير ما يتوقع ساسة الغرب , كما حدث في سنوات سابقة في نيويورك ولندن ومدريد , أو ما حدث مؤخراً في بلجيكا وباريس وأورلاندو وألمانيا ....الخ , إلا أن ساسة الغرب مترددون مع ذلك في اتخاذ اجراءات عملية وجذرية لمحاربة الارهاب ... والسبب الرئيسي في ذلك يعود الى المنافع السياسية والاقتصادية المتعددة والهامة التي تجنيها الدول الكبرى في منظومة الغرب والناتو من نشاط الجماعات التكفيرية المُسلحة التي تتواجد بأعداد هائلة في سوريا والعراق , وتُهدد امن المنطقة واستقرارها السياسي . وتتلخص هذه المنافع (بالاضافة لما ذكرناه أعلاه) في زيادة الانفاق العسكري في منظومة الغرب والناتو لتبرير التدخلات العسكرية التي تتم تحت راية مكافحة الارهاب وتبرير إنشاء القواعد العسكرية ومعدات الدرع الصاروخي في مواجهة أيران وروسيا , التي يتهمها الغرب بالتدخلات العسكرية في سوريا وأوكرانيا وبدعم الانظمة الديكتاتورية والمنظمات الارهابية في الشرق الاوسط كسوريا وحزب الله ... علماً أن تسليح الجماعات التكفيرية من قبل الغرب والكيان الصهيوني يجري دفع فواتيرها بسخاء من قبل مشيخات النفط الخليجية.... كما أن زيادة الانفاق العسكري وميزانيات التسلح لإنشاء القواعد الجوية والعسكرية والصاروخية ... تعود بأرباح هائلة لصالح الطبقات الرأسمالية المالكة لمؤسسات الصناعة الحربية والتي تتمتع بنفوذ مالي واقتصادي وسياسي هائل لدى الطغمة الرأسمالية الحاكمة في الغرب .
سابعاً : التطرف الاسلامي والتكفيري يتم استثماره على نطاق واسع لخدمة الاهداف السياسية للانظمة الرأسمالية في الغرب غير التي ذُكرت أعلاه . وحسب بعض التقارير الخطيرة والهامة التي نشرتها بعض مراكز الدراسات والابحاث المتخصصة بشؤون الجماعات الارهابية .... فالهجمات الارهابية التي حدثت في بعض الدول الغربية قد ساهمت ليس فقط في تضليل شعوب هذه الدول حول الجهات الحقيقية التي تقف وراء الارهاب وفي حدوث ردود أفعال غاضبة وغير عقلانية في الشارع الاوروبي والامريكي , بل تُؤدي بالنتيجة الى إستعداد هذه الشعوب للتنازل عن الكثير من الحريات الشخصية من أجل استتباب الامن والسماح لحكوماتها باتخاذ أجراءات دكتاتورية وقمعية واعتقالات تعسفية ولا سيما تجاه المهاجرين والاقليات العربية والافريقية والاسلامية وحتى تجاه الناشطين السياسيين المعارضين لسياسة الغرب , بما يتعارض مع الحريات الديمقراطية ولوائح حقوق الانسان .... هذا عدا عن تصاعد ظاهرة اليمين القومي والراديكالي في السنوات الاخيرة على الصعيد الاوروبي والتحريض الاعلامي المُمنهج الذي تشنه الصحافة وأجهزة الاعلام في الدول الغربية ضد الاسلام والمسلمين (الاسلاموفوبيا) , والتي تُؤدي بالنتيجة الى رد فعلٍ مُعاكس وظهور المزيد من الحركات الاسلامية العشوائية والمُتطرفة بين أوساط الاقليات الاسلامية في أوروبا الناقمة على أوضاعها الاقتصادية المزرية ومن تفشي البطالة في ظل سياسة التمييز العنصري التي تُمارسها بعض فئات المجتمع الاوروبي والسلطات القمعية في أوروبا وهذه الحركات يتم بالمحصلة استدراجها وتنظيمها وتمويلها من قبل المساجد والمنظمات الوهابية والجهادية التي تتلقى الدعم المالي من السلطات السعودية والخليجية , وبالتالي انتشار وتفشي التربة الخصبة لظهور الاعمال الارهابية بين فترة وأخرى .
وبالتالي نستطيع أن نستخلص مما سبق أن منظومة الغرب الاستعماري قد إتبعت ولم تزل أساليب انتهازية ولا أخلاقية ليس فقط في دعمها واستثمارها للتطرف الاسلامي والتكفيري والطائفي دون اعتبار لما يُسببه هذا الارهاب من دمار ومجازر وتمزق بحق شعوب المشرق العربي والشرق الاوسط , بل أيضاً في تعاملها العدواني مع الدول المناهضة للارهاب التكفيري ولسياسة الغرب على الصعيد الشرق أوسطي والعالمي وفي مقدمتها روسيا والصين وبما يشمل أيضاً كافة دول المنطقة التي لا تدور في فلك الغرب والاحتلال الصهيوني وتحارب بحزم الجماعات الجماعات التكفيرية المُسلحة ... وهنا تتميز سياسة الغرب بالكذب والنفاق وازدواجية المعايير, من خلال توجيه مختلف الاتهامات المُزيفة حول دعم القوى الدولية والاقليمية المناهضة للغرب لبعض للانظمة الدكتاتورية والمنظمات الارهابية في المنطقة كالنظام السوري وإيران وحزب الله , والتي يتهمها الغرب بمنتهى النفاق والسخرية بأنها وراء الجرائم الوحشية التي يتم ارتكابها بحق المدنيين في سوريا والعراق واليمن ... , في الوقت الذي يتجاهل فيه الغرب وإعلامه التحريضي التاريخ الاسود لجرائمه وجرائم الكيان الصهبيوني وجرائم آل سعود والتي شملت سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا واليمن ولبنان وفلسطين ....الخ
ولكن منظومة الغرب في ممارستها لهذه السياسة الاتهامية الوقحة تجاه أعدائها على الصعيد الدولي والاقليمي , بدأت أيضاً بتغيير سياستها على نحوٍ سلبي وانتقادي وعدواني حتى تجاه تركيا , وهي الدولة الحليفة للغرب لكونها تحاول فقط الحد من ولائها المُطلق لحلف الناتو وتورطها الشديد في سياسة الغرب التآمرية والمُدمرة على المنطقة ودول الجوار الاقليمي ... فقد لجأت تركيا الى تغيير سياستها في المنطقة لما سببته لها هذه السياسة من أزمات داخلية وأمنية حادة وتهديد لامنها القومي واستقرارها السياسي والاقتصادي .... رغم أن تركيا بقيادة السلطان والدكتاتور المجرم أردوغان قد خدمت الغرب والعدو الصهيوني في التآمر المُدمر على سوريا والمشرق العربي بمنتهى التفاني وبشكلً لم يسبق له مثيل في تاريخ علاقات الغرب مع حلفائه وعملائه في المنطقة..... ولكن القيادة التركية وقبل فوات الاوان شعرت بأنها لا تستطيع المُتابعة بسياستها العدوانية والمتهورة في المنطقة ودول الجوار بدعمها المُطلق لمختلف الجماعات التكفيرية المسلحة وإغراق سوريا والعراق والاراضي التركية في المناطق الحدودية بمئات الالوف من هذه الجماعات الاجرامية , لا لشيئ سوى لتحقيق طموحاتها وأوهامها العثمانية في اسقاط النظام السوري والسيطرة على سوريا والمشرق العربي وبالشكل الذي يتوافق مع الاهداف الامريكية والغربية وعملائها في السعودية وقطر ... وهنا بدأت تركيا بتغيير سياستها في المنطقة على مبدأ مكرهاً أخاك لا بطل ... ولجأت بالتالي تحت الضغط الروسي وتورطها العسكري في سوريا والعراق وتفاقم أزماتها الداخلية الى التنسيق مع روسيا الاتحادية وإيران لحل الازمة السورية والمشاكل الاقليمية التي سببت لها العديد من المتاعب والازمات ليس فقط لامنها القومي واستقرارها الداخلي , بل أيضاً لاقتصادها الذي تراجع على نحوٍ خطير.... ولكن بدلاً من تفهم الغرب لموقف حليفه التركي والمصالح الحيوية والاستراتيجية لتركيا , أخذ يتخلى بشكلٍ أو بآخر عن دعمه لتركيا ويتعامل معها بسلبية وفتور مُتزايد غير آبه لرغبتها في تغيير سياستها الخاطئة والهوجاء والمُدمرة ... لأن هذا التغيير بكل بساطة لا يُرضي أهداف التحالف الغربي والصهيوني وعملائه في السعودية وقطر ومشيخات النفط الخليجية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحجاج يتوافدون على عرفات لأداء ركن الحج الأعظم


.. الحرب في أوكرانيا.. خطة زيلينسكي للسلام




.. مراسل الجزيرة مؤمن الشرافي يرصد آخر الأوضاع في مدينة رفح


.. كيف هي الأجواء من صعيد عرفات؟




.. مراسل الجزيرة يرصد أراء الحجاج من صعيد عرفات