الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيّ مستقبل للجبهة الشعبية في الذكرى السادسة للثورة ؟

علي البعزاوي

2017 / 1 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي



تمرّ يوم 14 جانفي 2017 ستّ سنوات على اندلاع ثورة الحرية والكرامة. وهي مناسبة لا فقط لتقييم المسار الثوري وحصيلته، وإنما أيضا لرصد وتقييم أداء الجبهة الشعبيّة والوقوف على مواطن الضّعف وضبط آليات التّجاوز على مستوى البرنامج والتنظيم والحضور الميداني في القطاعات والجهات إضافة إلى الملفات الواجب التركيز عليها بصورة مباشرة في هذه المرحلة من تطوّر الصراع الطبقي.

لقد سبق أن قمنا بتقييم الائتلاف الحاكم وأداء حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد، لنستنتج أنه تشكّل من أجل مهمّة رئيسية وهي الالتفاف على الثّورة وأنّه لا أمل في الخلاص تحت قيادته مهما غيّر الحكومات ووسّع دائرة الحكم لتشمل مزيد من الأحزاب والشخصيات، ومهما لقي الدّعم والوعود من الخارج لأن القضية تتعلّق بالاختيارات لا بالتّشكيلات والأشخاص، ولأن الائتلاف الحاكم مصرّ على تبنّي نفس خيارات النظام النوفمبري المُملاة من القوى الاستعمارية ومؤسّساتها المالية النهابة.

ظروف موضوعية مواتية

لا شك أن الأزمة الشاملة التي تمرّ بها البلاد وحالة التعطّل التي تعيشها مختلف قطاعات الإنتاج وشُحّ الموارد المالية وتراجع الاستثمار الداخلي والخارجي وتفشّي البطالة وتردّي الخدمات الأساسية من صحّة وتعليم وبيئة وثقافة، وارتفاع منسوب الخطر الإرهابي وعجز الحكم الجديد على معالجة الأوضاع، توفّر جميعها أرضيّة خصبة للنضال وطرح البدائل المناسبة التي من شأنها المساعدة على تخطّي الأزمة ورسم طريق الإقلاع الاقتصادي والرّخاء الاجتماعي والاستقرار الأمني.

العديد من الجهات والقطاعات فقدت ثقتها في الائتلاف الحاكم وترفض ما آلت إليه الأوضاع وعبّرت في أكثر من مناسبة على استعدادها لمواصلة النضال من أجل تحقيق المطالب. جذوة النضال لم تنطفئ بل مازالت حاضرة بقوّة كلما تعلق الأمر بقضايا الشعب الأساسية. لكن الانتقال من معسكر الحكم إلى معسكر المعارضة مازال متردّدا وبطيئا لعدة أسباب أهمّها ضعف المعارضة التقدّمية وعدم نجاحها في فرض نفسها كقوة بديلة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب عدم وضوح الرؤيا بالنسبة لأوسع الجماهير التي لم تستوعب بعد أن معالجة الأوضاع مرتبطة أولا وأخيرا بالاختيارات وبالبرنامج وأن الأحزاب تختلف عن بعضها البعض وفشل الائتلاف الحالي لا يعني بالضرورة فشل كل الأحزاب.

العنصر الذاتي هو نقطة الضعف

لقد قطعت المعارضة التقدمية أشواطا هامة في توحيد صفوفها بتشكيل الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة التي تبدو اليوم موحّدة ومتماسكة أكثر من أي وقت مضى. وقد تجاوزت الخلافات والصراعات التي أربكت عملها ودخلت مرحلة جديدة من إعادة البناء، بناء مؤسساتها، ولو بشيء من البطء.

إلا أن قطاعات واسعة من الشباب والنساء ومنظمات المجتمع المدني مازالت خارج الجبهة الشعبية وغير متحمّسة للانخراط فيها أو التوحّد معها في ائتلاف واسع على أساس برنامج انقاذ حقيقي رغم ان الخطر يهدد الجميع أحزابا ومنظمات وافرادا. والتقاطعات في الميدان حول قضايا الإرهاب والبطالة وسياسة التقشّف والفساد وغيرها لم تكن كافية للإقناع بهذه الوحدة. الأسباب نفسية وتاريخية مرتبطة بتواضع التجربة بالنسبة لغالبية الشعب والتعاطي مع السياسة على أنها نشاط الهدف منه تحقيق المصالح الضّيقة للأحزاب والأفراد. وهي فكرة غذّتها الأحزاب التي فشلت في تجربة الحكم منذ 14 جانفي إلى اليوم.

لابد من الإشارة أيضا إلى سبب هام يتعلّق بالدور الذي لعبته القيادات النقابية لمنظمة الشغالين قديما وحديثا في النأي بالاتحاد عن تشكيل الجبهات والائتلافات مع أحزاب المعارضة تحت دعاوي الاستقلالية والحال أن الاتحاد، إضافة إلى تعاطيه مع الشأن العام منذ التأسيس، فإن قياداته المتعاقبة عملت على ربطه بالحكم من موقع المساندة المشروطة بتحقيق الأدنى من المطالب.

كما أن الجبهة الشعبية لم تبلور بعد برنامجا استراتيجيا ملموسا وواضحا للمرحلة القادمة، برنامج يضبط الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والعلاقة مع القوى الإقليمية والدولية وكل ما يتعلق بالخدمات الأساسية إضافة إلى المهمات المباشرة التي تخدم البرنامج الاستراتيجي وتراكم من أجل تحقيقه. برنامج مثل هذا، من شأنه المساعدة على استقطاب أوسع الجماهير لأنها ستجد فيه ما كانت تبحث عنه كبديل عن الخيارات الليبرالية التابعة.

أساليب عمل لا تساعد على الانغراس

لا شك أن حملات التوزيع وكل أشكال العمل الميداني للجبهة الشعبية ظلّت مناسباتية ومتباعدة زمنيا ولم تتطوّر إلى تقليد نضالي أساسي من شأنه إتاحة الربط مع الجمهور الواسع في المؤسّسات والاحياء والقطاعات. ما يغلب على أشكال النضال والعمل هو الندوات والجلسات المغلقة والنخبوية والنقاشات الثنائية أو مع أعداد محدودة من الناس، وهي أشكال لا تساعد على الانغراس وكسب ثقة الأغلبية وقلب موازين القوى.

كما أن المعارك التي خاضتها كتلة الجبهة الشعبية بالبرلمان لم ترافقها أعمال منظّمة في الجهات والقطاعات في إطار الضغط من تحت.

الجبهة تعمل أيضا بكوادر محدودة العدد ولم تسعى إلى معالجة المسألة بإتاحة فرص التّكوين والتأطير لمناضليها وإيجاد نوع من التخصص. وهي لا تستفيد من القطاعات والمنظّمات التي يتواجد فيها مناضلوها وفي مقدّمتها الاتّحاد العام التونسي للشغل والاتحاد العام لطلبة تونس. فداخل الاتحاد العام التونسي للشغل لم يوفّق نقابيّو الجبهة في توحيد صفوفهم ونسج التحالفات القادرة على تحسين حضورهم في مختلف التشكيلات النقابية وقيادة النضال النقابي من أجل اتّحاد مستقل ديمقراطي ومناضل قادر على فرض مطالب الشغالين. أما الاتحاد العام لطلبة تونس فقد أصبح غارقا في القطاعية وتغلب على مكوّناته عقلية التّجاذب وصراع المواقع وتخلّى عن أحد أهم شعاراته "الحركة الطلابية جزء لا يتجزّأ من الحركة الشعبية".

الجبهة الشعبية تحمل بالتأكيد عبء المرحلة وهي مؤتمنة على تحقيق أهداف الثورة على طريق التّغيير الجذري وقادرة على ذلك فعلا لو نجحت في تجاوز نقاط ضعفها ومعالجة أسباب تعطّلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي