الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية سبيريتزما والأصالة

محمد عمر يوسف القراعين

2017 / 1 / 14
الادب والفن


محمد عمر يوسف القراعين:

رواية سبيريتزما والأصالة

وددت لو كان الاسم تحضير الأرواح بدلا من سبيريتيزما الذي لا أعتقد أنه يجذب الأنظار أكثر من الترجمة العربية، ولكن هذه رغبة المؤلف الذي أعرفه ناشطا وكاتبا سياسيا وناقدا، أتابعه بشغف عندما يكتب أحيانا في جريدة القدس. وهذه الرواية هي الجزء الرابع في سلسلة رواياته التي تابعت الأحداث السياسية في فلسطين، منذ أواخر العهد التركي، مرورا بثورة الثلاثينات فالنكبة، وجاءت هذه الرواية لتتضمن أحداثا قبل وبعد النكسة. أقول الجزء الرابع، مع أن الجزء الخامس من روايته ( سوق العطارين ) يلي هذه الرواية في التسلسل الزمني، أي بعد السبعينات، وليس موضوعها النضال كسابقاتها.
تتناول الرواية زمنا قصيرا من العقد السادس في القرن الماضي، منذ حضور صبري كبير العائلة، والبطل الرئيسي لمسلسل الروايات لمدينة القدس،التي غادرها هربا من الإنجليز وانتهى به الأمر مستشارا في السعودية، لحضور جلسات المجلس الوطني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 64، هذا المجلس الذي لم يعط الوقت الكافي لترسيخ جذوره، كما لم تعط القيادة المشتركة بين مصر وسوريا والأردن الوقت الكافي أيضا، حتى وقعت الواقعة بحرب السبعة وستين، حيث حلت النكسة فتفرق الجميع، وإذا بالرواية تنتقل بنا بين القدس وعمان والشام وبيروت والقاهرة ولندن بأحداث مترابطة، فيها الجديد هنا وهناك، بتفصيل وسرد شيق، يشد القارئ بلوحات متنوعة من السلوك الخاص بفئات المجتمع المتباينة من أبناء الذوات، كبار القوم، من عائلات الأفندية في المجتمع المقدسي، التي ينتمي إليها البطل الرئيسي صبري وعائلته ومعارفهم من الحسيني وأبو السعود ونسيبة والخالدي والعلمي والخطيب الذين كان صبري التقى بهم في المشروع الإنشائي عندما زار أريحا عام 64، والذين لم يستطيعوا عمل أي شيء، لأن الأمور كانت بيد حكومات، بعد أن كانوا القادة فيما سبق، حتى أن المفتي الحاج أمين لم يزد إلا أن لام عبد النصر، لأنه أوصل العرب إلى الهزيمة.
نساء هذه الفئة، أي بنات الذوات وسيدات المجتمع مثل هند الحسيني وأمينة الحسيني، وفاطمة أبو السعود ونزهة درويش وليلى طرزي وآسيا حلبي وجيهان بطلة الرواية وأخت صبري، وهن نخبة المتعلمات ساهمن بدورهن في العمل النسائي، بجمع التبرعات للعائلات المستورة والعمل مع الهلال الأحمر، علما أن جيهان وزوجها عليا فقدا بيتهما وتجارته في يافا، وكذلك بيتهما في البقعة، إلا أنه أي علي المناضل استعاد مركزه بخبرته، وبعض ما ادخره ومساعدة صبري، فوقف على رجليه، كأحد ملاكي المزارع في أريحا وسكان بيت حنينا.
وكانت جيهان بين الفينة والأخرى، ومن أجل التنويع تجري جلسة تحضير الأرواح، التي كانت موضة ذلك العصر في الاستقبالات الدورية لسيدات المجتمع المقدسي، فكانت تتقن التعويذة الخاصة لتخبرهم الست سبيريتيزما عن طريق السلة والقلم ، عن المال المخبوء أو عن يوسف في توَهانه مثلا، هل هو حي يرزق، فتطمئن القلوب. كانت جيهان تعلمت هذا الفن من السيدة الإنجليزية ديانا، مما يؤكد أنه ليس شعوذة شرقية.
أما الشباب، فقد جرفت البعض منهم الحماسة مثل يوسف بن جيهان، ونبيل زميله في الجامعة في مصر للتطوع للدفاع عن البلاد بادئين بالقشلة، غير أن المهمة لم تكتمل بسبب الحرب، فتقطعت بهما السبل وانتهيا في منطقة خو في الضفة الشرقية بعد رحلة عذاب، حيث افترقا، وذهب كل في سبيله، فأكمل نبيل ابن الطبقة العامة المشوار، بالالتحاق بالعمل التنظيمي والفدائي، فيما فضل يوسف الاستمرار بالدراسة في القاهرة، بناءً على نصيحة خاله صبري، وتعليق الشاويش في معسكر النويعمة بأنه معفي من الخدمة العسكرية كونه طالبا.
تشد الرواية القارئ بسرد الأحداث بأسلوب شيق، والانتقال بين الأماكن المختلفة بشكل سلس، وربط القديم بالجديد، بذكر التفاصيل الدقيقة عن شخصيات الرواية والأماكن، وخاصة في القدس، عندما يمر صبري من عقبة درويش، التي لم تتغير عما يعرفه إلا في نهايتها، المدرسة المأمونية للبنات أصبح اسمها المدرسة القادسية، وفي شارع الزهراء مقابل الفندق الوطني، عمارة آل معتوق التي كانت تضم صيدلية حنانيا (كما أعرفها)، وهي غير موجودة الآن.
تتناول الرواية حياة الشباب المغتربين للدراسة في الخارج، ففي المدن الكبيرة مثل القاهرة يضم البنسيون نزلاء من الجنسين، مما يتيح للشباب التعرف على الجنس الآخر بحرية، كما حدث مع يوسف بن جيهان ويسرية، اللذين انتقلا إلى شقة خاصة بهما، وفي إنجلترا يعيش الشباب الحياة الزوجية بدون قيود، مثل أحمد بن صبري وصديقته جين، مما يعتبره الأهل تجاوزا لكل الحدود، فهل هو ملاذ للهروب من الهزيمة، أو تنفيس عن همومهم بالارتماء في أحضان بنات الهوى، وهل يعيشون الضياع حين يغيب عهم الأهل؟ ربما لا يقدر الأهل أن لكل مجتمع أخلاقياته، ففي مجتمعنا يحق للفتى ما لا يحق للفتاة عمله، في حين لا فرق عند المجتمع الغربي بين الإثنين، وأن عذرية الفتاة عندهم مثل عذرية الفتى، وهي ليست مزية بل تدل على عدم خبرة وتجربة، بينما هي عندنا تاج للفتاة، والفتى ذنبه مغفور ولا يعيبه إلا جيبه كما يقولون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس