الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتراف الرجل بخطيئته المقدسة - قصيدة

مصلح كناعنة

2006 / 1 / 10
الادب والفن


أرجـوكِ يا سـيّـدتي
لا تـعـبديـني!
فأنا لسـت إلهاً
رغـم أني
منـذ فجر تاريـخي... وتاريـخِـكْ
أدعـي أنـي إلهُـكِ
وأني لك الأبُّ، والـربُّ
وأني خلقـتـكِ من ضـلوعي
وأن حياتك كلـها في مَعـبَدي
مِـنـَّةٌ مني علـيكِ،
لتعـبديني...
وتخدميني.

وأقـنـعـتُ أنا ذاتي بذلكْ
وأقـنعـتـُك أنتِ كذلكْ
ثم قضيتُ عصور تاريخي... وتاريخِكْ
أزجُّـكِ في قنديل سحري
أحارب استقلالَ روحِـكْ
أصادر الكلماتَ والأشياءَ منكِ
ثم أعلن عجزكِ المُطلقْ
وأنك لا شيءَ عندي...
بل إنك الـ"لاشيئ َ" ذاتـه
فما أنت إلا قاصرٌ...
وخاسرٌ...
وباطلُ
أما أنا، فكاملٌ...
وكاسرٌ...
وعاقلُ
أما أنا...؟!
إنني الرجـلُ/الإلـهُ.

****
وباسم "عورةِ الأنثى اللعينة"
أسدلت ستائر العدم الثخينة
على كيانكِ، جسداً وروحا.
وعلى أضواء شهيتي وغريزتي
عـرّيتـُكِ جسداً وروحا
وسلبتُ منكِ سِحرَكِ...
سحر عينـيكِ، ونهديكِ
وعقلـك، وفـؤادكْ.
وجبلتُ هذا كله في طينتي
ليصبحَ سحـركِ قـوَّتي
ويصبح عجـزك عنفواني.
ومن طينتي اختـلـقـت أسرار الوجـودِ
ونواميس الطبيعة
ومعايير السلوكِ
والعقيدةِ... والشريعة
ورفعتها فوق سمائي وسمائِـكْ
ثم جعلتُ آلهتي تـُنـَزّلها عليَّ
وتأمرني، باسم الحق المقدس
أن أفرضها عليك... من أعماق ذاتِـكْ
وأن أكون لكِ الأبّ، والربّ
وتقولي لي "سمعاً وطاعة".

****
أرجوكِ يا سيدتي
أن تغفري لي!
فأنا لستُ إلهاً
لا...
ولم أكن أبدا كذلك.

أعترفُ الآنَ، للمرةِ الأولى، بضعفي
وليشهد التاريخ ذلكْ
فأنا حفـنةٌ من طينٍ
لم ينفـُخ بها أحـدٌ
يموت الدهر وهي قابعةٌ
تنتظر نفحـة منك لتحيا.

أعترف الآن، سيدتي
للمرة الأولى،
وليشهد التاريخ ذلكْ
بأنك أنت سيدتي
ووالدتي
وآنستي
ورفيق روحِيَ الأوحـدْ
وبأني أحبك حب النهر للمصدرْ
وحُـب القمح للبيدرْ
وحب الشكل للجوهرْ.

أعترف الآن سيدتي
بأني اضطهدتـكِ
واحتكرتـكِ
واحتجزتكِ في حريمي، واغتصبتكِ
لا لأني أنا إلـهٌ
ولا لأني أريد ذلكْ
بل لأني أغار منكِ
من جمال الكون، يسمو في جمالِكْ
وخبايا الكون، تصحو من خلالكْ
ورحيق الخلد فـَيحٌ من جبالِـكْ

ولأني أخـاف منكِ
من طاقة الخلق والتوليد فيكِ
فرحمك نبع الخليقة كلها
ونبع الحياة بلغزها
فيه تحِل الروح في الجسدِ
فيه يـذوب الوقت في الأبدِ
فيه يعيش الجـَد في الولدِ.

أغار منكِ...
أخاف منكِ...
أخاف من نفسي عليكِ...
أخاف من نفسي على نفسي
فأنا حولت رحمـَكِ
من "رحْمٍ" إلى "حـُرمٍ"
وحولتك أنتِ
من "رحمَة" إلى "حـُرْمَة"
فصرت، أنا أبو التاريخِ،
متوحشاً يقتـل ذاته
متوحشاً يأكل ذاته
كحيةٍ في حكمةٍ صينيةٍ
أولها يبلـع آخرَها...
تأكل ذاتها
وتفرزها...
من أين تفرزها؟
من يُخـلصها
من محنة إفناء الذات والآخر؟

****
أرجوكِ يا سيدتي
أن تنقذيني
من بطشي ومن بأسي
من عجزي ومن يأسي
فوجودي كله في أزمةٍ
ومصيري كله في ورطةٍ
فأنا طفلٌ رضيعٌ، قاصرٌ
يظن أنه يملك أمه
وهو لا يملك نفسه.

****
أرجوك يا سيدتي
أن تسمعيني
فصحوة الإدراك هذي
وحيدةٌ، فريدةٌ من نوعها
إن تـُهمليها فلن تعودَ
ستثور آلهة الفحولة،
وباسم الشريعة
والعقيدة
والبطولة،
ستقول أني فقدتُ عقلي،
فقدتُ روحي،
وخنت ميثاق الرجولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة