الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خدام يحرج النظام والمعارضة

سليمان يوسف يوسف

2006 / 1 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بينما شعوب العالم تحتفل بتوديع عام مضى وباستقبال عام قادم (2006)،ودع نائب الرئيس السوري(عبد الحليم خدام) (النظام البعثي) الذي كان (خدام) أحد أركانه، بكلمات نارية عبر (الفضائية العربية) التي أجرت حديث مطول مع نائب الرئيس من منفاه الباريسي الاختياري مساء يوم الجمعة ( 30-12-2005)، أطلق خلالها تصريحات ضد النظام القائم،بدت وكأنها (قنبلة سياسية)لتفجير الوضع السياسي السوري عن بعد.
ما من شك، بأن أهمية ما أعلنه (عبد الحليم خدام) للعربية، لا تأتي فقط من المحتوى والمستوى السياسي لحديثه، ومن (الموقع القيادي) الهام الذي كان يشغله خدام في السلطة والحزب على مدى أكثر من ثلاثة عقود،وإنما أيضاً من دقة المرحلة التي جاءت فيها هذه التصريحات،حيث المنطقة تشهد توترات سياسية على أكثر من جبهة وسوريا تمر في أصعب ظروفها ونظامها في أشد أزماته.وبالرغم من أن حديث نائب الرئيس للعربية لم يحمل أي جديد حول الفساد السياسي والمالي والإداري المستشري في البلاد،لكن ثمة تساؤلات كبيرة وكثيرة وسجالات حادة تركها خدام في (الشارع السوري) باعترافاته وتصريحاته النارية هذه وبانقلابه على شركاءه في الحكم.أبرز هذه الأسئلة: هل استبق خدام أحداث وتطورات سياسية محتملة في الساحة السورية وبالتالي أراد صك غفران من الشعب السوري، تجنباً للمساءلة والمحاسبة القانونية عن الفساد والأزمات التي تحدث عنها باعتباره جزء من المرحلة السياسية السابقة؟،أم أن تصريحات خدام ليست أكثر من سلوك انتقامي من النظام بعد إقصائه من مسؤولياته وابعاده عن مركز السلطة والقرار في سوريا من قبل الحرس الجديد المقرب من الرئيس بشار الأسد..؟أم أن تحرك خدام مقدمة لسيناريو التغير في سوريا بالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية يعود بـ(خدام) فاتحاً الى دمشق..؟..!.بعيداً عن كل هذه الأسئلة والتكهنات وبغض النظر عن مدى المصداقية والشعبية التي يتحلى بهما خدام في الشارع السوري سيكون لاعترافاته وانشقاقه عن حلفاء الأمس وتصعيده من لهجة التحدي للنظام تبعات وتأثيرات سياسية كبيرة وهامة على (الحياة السياسية) السورية وعلى مستقبل النظام وحزب البعث الحاكم ولو بعد حين، أقلها أنه أحرج النظام في الخارج أمام المجتمع الدولي وأضعفه في الداخل وقد تتعمق أزمته الداخلية لاحقاً، كما أن خدام بانقلابه على الحكم أنهى الركود وكسر الجمود الذي يخيم على الحياة السياسية السورية منذ عقود طويلة بسبب انفراد البعث بالسلطة واحتكاره للقرار السياسي في البلاد.واللافت في حديث خدام أنه أظهر موقفاً ايجابياً من حركة (الأخوان المسلين) ودعا الى اشراكهم في الحياة السياسية الى جانب بقية قوى المعارضة الوطنية في سوريا. وفي مقابلة له مع جريدة الشرق الأوسط يوم أمس(6-1-2006) قال: (( أنه لم يكن هناك شخص ذو وزن يمكن أن يقف بوجه النظام. المعارضة السورية تعرف مواقفي وأنا كنت على اتصاله بها حتى كنت في سوريا. المقابلة (مع العربية) زادت من ثقة المعارضة بنفسها وهي ستلتحم مع بعضها البعض بكل أطرافها وأنا أسعى لذلك..)).ويبدو أن خدام بكلامه هذا أحرج المعارضة السورية في الداخل التي سارعت بعض شخصياتها( ميشيل كيلو و ورجاء الناصر) الى نفي ما قاله خدام حول اتصالاته وتنسيقه معها،في حين كانت المعارضة قد رحبت بداية باعترافات خدام،وإن بتحفظ شديد، على لسان الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي المعارض (حسن عبد العظيم) الذي قال لجريدة (البيان): ((ان حديث نائب الرئيس مهم من حيث المضمون وخطير من جهة التوقيت.وأضاف أن باب المعارضة (اعلان دمشق) مفتوح لأهل النظام ولأهل الحزب الحاكم ممن لديه رؤية للتغير الديمقراطي..)).طبعاً،وخلافاً لتوقعات البعض، في ظل إمساك النظام الحالي بزمام الأمور وتشديد القبضة الأمنية على المجتمع السياسي،يستبعد أن يحدث، الارتداد السياسي لخدام وانشقاقه عن النظام،تصدعات في مؤسسة السلطة وداخل الحزب(البعث) الحاكم،أو أن تنتج اصطفافات سياسية جديدة في المجتمع السوري، كما يستبعد حصول تغييرات جوهرية،سريعة ومباشرة، على الخريطة السياسية السورية الحالية، خاصة وقد تخلت المعارضة السورية عن حقها في (السلطة) بسبب عجزها وضعفها لصالح النظام القائم أملاً بإصلاحه.
و بلا ريب، أن تصريحات خدام التي كشف فيها عن تعرض رئيس وزراء لبنان الأسبق (رفيق الحريري)الى ضغوط قوية وتهديدات خطيرة من قبل جهات وشخصيات قيادية في لبنان و سوريا منها الرئيس (بشار الأسد) قبيل اغتياله ستؤثر على مجريات التحقيق في قضية اغتيال الحريري، وستزيد الموقف السوري ضعفاً وارتباكاً أمام المجتمع الدولي في هذه القضية.فبعد تصريحات خدام سارعت (لجنة التحقيق الدولية) الى تقديم طلب الى السلطات السورية من أجل اللقاء مع الرئيس بشار الأسد ومع وزير الخارجية فاروق الشرع.
وليس أدل على حالة الارتباك والقلق السياسي لدى النظام في سوريا، التي سببتها تصريحات خدام للعربية، من إسراع (مجلس الشعب) السوري الى عقد جلسة خاصة وصاخبة لإدانة وشجب تصريحات خدام والطريقة البدائية والانفعالية في مقاربة النواب لهذه الأزمة (الخبطة السياسية)الجديدة.فبدلا من ان يناقش النواب وبروح من المسؤولية الوطنية وبشكل ديمقراطي تصريحات نائب الرئيس للوصول الى رؤية موضوعية وعقلانية تبنى عليها الخطوات السياسية اللاحقة لاحتواء الموقف وتجنيب سوريا المزيد من الأزمات والتصدعات.نجدهم اكتفوا باتهام خدام مع أفراد اسرته بالفساد، وانتقدوا دوره في لبنان عندما كان مكلفاً بالملف اللبناني وحملوه مسؤولية الأخطاء السورية في لبنان،والطلب من وزير العدل بالشروع في تحريك الدعوة العامة لمحاكمة خدام بجرم (الخيانة العظمى).فمشهد النواب تحت (قبة البرلمان)،أثار شفقة السوريين عليهم من جهة كما أنه أشاع نوع من (الحزن السياسي) في الشارع السوري من جهة أخرى،وهم يتسابقون بكيل أشد التهم وبأقسى تعابير التكفير والتخوين الوطني لخدام المثبتة في قاموسهم الخطابي الجاهز دوماً لإلقائه في وجه كل من ينتقد السلطة وممارساتها الخاطئة.هذه هي (السياسة)في الدول التي تختزل الوطن بأشخاص السلطة وينظر له بدلالات النظام وتعبيراته ووفقاً لمصالحه. فبالأمس كان (عبد الحليم خدام) نائباً للرئيس وشخصية وطنية وقومية بارزة ومحترمة،مخلصة لقضايا الوطن والأمة،واليوم عميلاً كبيراً متآمراً متهم بجرم (الخيانة الوطنية) الكبرى، بعد أن أعلن انشقاقه عن النظام القائم، وكأن العمالة والخيانة الوطنية لشخص تأتي بين ليلة وأخرى.
قطعاً ليس دفاعاً عن خدام، ويخطئ بحق الوطن والشعب السوري كل من يدافع عن خدام وعن أمثاله من رمز الفساد، فهو أحد المسئولين الكبار عما وصلت اليه البلاد من مفاسد ومظالم وانتهاكات لحقوق الإنسان، وخدام الذي تحدث للعربية عن غياب الحريات السياسية والديمقراطية في سوريا، كان واحداً ممن وقفوا في وجه منتديات ربيع دمشق وتسبب في اعتقال ناشطيها.لكن ألا يرى (مجلس الشعب) بأنه يدين نفسه بعرض فضائح الفساد الكبيرة لنائب الرئيس وأولاده، أبرزها(تهريب النفايات النووية ودفنها في صحراء تدمر)؟.وإذا كان من حق النواب التشكيك في نوايا وأهداف تصريحات خدام في هذا التوقيت..؟. يبقى من حق المواطن السوري أن يتساءل أيضاً: لماذا سكت السادة النواب على فضائح خدام وأولاده طيلة هذه المدة، طالما لديهم كل هذه القرائن والأدلة على خدام وغيره من رموز الفساد؟ولماذا انتظر النواب لأن يخرج خدام من البلاد ويهرب أمواله وينشق عن النظام..؟.كان حرياً بالنواب،ان يطالبوا، ومنذ أن اكتشفوا أمر خدام كأحد رموز الفساد، بمحكمة وطنية مستقلة ومحايدة وعلنية للتحقيق معه ومع جميع شركاء خدام ورموز الفساد في البلاد، ممن هم في السلطة وخارج السلطة، طالما هم تحت أعين النواب، أم أن ملفات المفسدين والفاسدين لا تفتح إلا عندما يتمردون على النظام وينقلبون عليه.أمام هذه السابقة الخطيرة في الحياة السياسية السورية المتمثلة بالسكوت الفاضح لمجلس الشعب على أحد رموز الفساد في البلاد وتقصيره في ملاحقة ومحاسبة المفسدين، يتوجب حل (مجلس الشعب) الحالي وإحالة المتسترين منهم على خدام وغيره من رموز الفساد الى القضاء، واجراء انتخابات نيابية حرة وديمقراطية، تشترك فيها جميع القوى الوطنية،بما فيها قوى المعارضة العربية والآشورية والكردية.
سليمان يوسف يوسف....كاتب سوري
عضو مكتب سياسي في المنظمة الآشورية الديمقراطية- سوريا
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد من الاحتفالات بالذكرى الثمانين لإنزال قوات الحلفاء في


.. آخر شهود على إنزال النورماندي..ذكريات محفورة في الذاكرة الجم




.. في يوم إنزال نورماندي..نجا والدي نجا والدي بشكل لا يصدق


.. الجيش الإسرائيلي نشر فيديو لغارة يقول إنها استهدفت عنصرين لح




.. هدنة غزة .. ضبابية تلتف تفاصيلها | #ملف_اليوم