الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لو صرت وزيراً

ناجح شاهين

2017 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لو صرت وزيراً
(قالت لي إحدى صديقاتي إنني لو صرت وزيراً لغيرت أشياء كثيرة في واقعنا المؤلم، وإنني أؤكد لصديقتي مع امتناني لتقديرها المبالغ فيه أنني لو صرت وزيراً لما تغير أي شيء إلا أنا).
ناجح شاهين
لو صرت وزيراً للتعليم أو الصحة أو الاقتصاد أو الصناعة، لما تمكنت من فعل أي شيء. كنت سأنتقل فقط إلى صفوف مجموعة النخبة التي تدير شؤون البلاد، وتعيد إنتاج أوضاعها كما هي مع التمتع بمزايا العمل القيادي التي يعرفها القاصي والداني.
لو كنت وزيراً لما تمكنت من امتلاك أية رؤية أو إرادة تخالف أو تناقض الاتجاه الذي يسود في صناعة النهضة والتحرير والتنمية، وكيف لي أن أصير وزيراً إن كنت كافراً بما يقوم به ولي الأمر؟ أقل القليل أن أتظاهر بأنني أجل ما تقوم به الحكومة وأتفق معه في الجوهر وأرغب –طبعاً- في البناء عليه لما فيه "مصلحة الأمة والوطن". أما إن بدا مني علامة على عدم الرضا عن خطط الحكومة فالويل لي: أقله أنني سأطرد من وزارتي في الساعة والحال.
لو كنت وزيراً لما كان بإمكاني أن أكون مختلفاً عن "إخواني" في الوزارات الأخرى: إذ ما الذي أتى بي إلى كرسي الوزارة لو أنني لم أعمل سنين طوال من أجل الوصول إلى حيث أجلس. وهل يتخيل عاقل أن العقود التي أمضيتها وأنا أتوسل السبل من أجل أن أصير وزيراً، وقد تطبعت فيها طباعاً يعجز عنها الزئبق نفسه، هل يعقل أنني سأتمكن صبيحة اليوم التالي لدخولي الوزارة من نفض كل شيء عن كاهلي واعتماد رؤية جديدة تناقض كل ما كان؟
ليس الوزير رباناً في سفينة صغيرة يملك قرارها كله، وأشد عدو ممكن أن يواجهه هو حركة معاكسة للريح. الوزير جزء من مركب كامل يسير وفق سياسة/اقتصاد يدير دفته تركيبة الاقتصاد السياسي وما تعنيه من مصالح ومجموعات ضغط وشرائح طبقية تعيش على الذي يجري، وقد تختنق إن تغير الوضع بشكل أو بآخر. الواقع القائم في أي بلد والذي تبحر فيه المركب بهذا القدر من السلاسة مؤشر على "رضا" أطراف "عقد الاقتصاد السياسي القائم" نتيجة نجاح توليفة توزيع الكعكة الاقتصادية بالتوازي مع نجاح الأيديولوجيا السائدة في تهدئة الناس المتذمرين.
والناس تتطبع بالفساد، الناس تتشرب الفساد.
عندما كنت في الولايات المتحدة أخرجت طلابي من المحاضرة قبل خمس دقائق من موعد نهايتها لأني كنت ذاهباً للمشاركة في ندوة عن فلسطين في مدرج آخر في الجامعة. كنت أحد المتكلمين ولا يجوز أن أتأخر. في اليوم التالي وجدت طلاب الشعبة العشرة قد قدموا شكوى ضدي لدى رئيس الدائرة.
في جامعاتنا يقيم الطلبة حفلاً ساهراً عندما يغيب أي أستاذ خمسين محاضرة. رويت مرة لطلابي في احدى الجامعات المحلية ما حصل معي في أمريكا ف "ماتوا من الضحك" من غباء طلاب أمريكا.
يمكن للمدارس الخاصة ذات البرستيج العالي أن تستورد برامج جاهزة من الخارج معدة لتنمية عقل الطالب وقدراته البحثية والفكرية. وهكذا يبدو شكلياً أن البلد بخير، وأن ما يوجد في أرقى البلاد موجود عندنا. "تتفاجأ" أن الأيبستمولوجيا التي يمكن وصفها بأنها الشيطان ذاته من حيث صعوبتها ومراوغتها، يعلمها أستاذ بيوليوجيا أو تاريخ أو ما تيسر. هل بقي من البرنامج المستورد إلا اسمه؟ ماذا يفعل الطلبة؟ يقوم آخرون بالكتابة لهم، وهو ذاته ما يحصل في الجامعات المختلفة حيث تنتشر دور خدمات مختلفة في كل مدينة تكتب عن الطلبة أوراقهم.
ماذا سأفعل لو صرت وزيراً؟ لا شيء، لن أستطيع حيال ذلك شيئاً، لأن الموضوع أكبر من وزير أو وزارة. وأكبر من تغيير الوجوه. ليس تغيير وضع المشافي والمدارس والجامعات والزراعة والصناعة أمراً سهلاً، وليس مقتصراً على النوايا وحدها.
هناك عقبتان، ونحن نبسط بالطبع، الأولى تتمثل في الموارد: إذا كانت جامعات مثل هارفارد وستانفورد تقوم على وقفيات تصل إحداها إلى أربعين مليار دولار، فهل يمكن أن تتمكن فلسطين أو الأردن من بناء جامعة واحدة من هذا النوع؟ بالطبع لا.
ثانياً: حتى لو توافرت الموارد، فإننا نصطدم فوراً بغياب القدرات والمهارات والخبرات. هل كانت المدرسة ستدفع مدرساً تخصصه تربية أو لغة انجليزية إلى تدريس الإيبستمولوجيا لو كان لديها مختصون في الأيبستمولوجيا؟ مرة أخرى الجواب طبعاً هو لا.
هل كان العرب في 1948 أو في 1967 راغبين في الهزيمة؟ على الأقل جمال عبد الناصر كان يحلم بالنصر والتحرير دون شك، لكنه تعرض ل "نكسة" على حد تعبير إعلامه بالذات.
هل كانت منظمة التحرير بفصائلها فتح والشعبية والديمقراطية لا ترغب في تحرير فلسطين؟ بالطبع كانت تواقة إلى ذلك، ولكنها لم تتمكن من اجتراح المعجزات اللازمة لذلك.
يقال إن جورج حبش في منتصف التسعينيات قد عرض على السيد حسن نصر الله الذي كان قائداً شاباً في ذلك الوقت تعاون الجبهة مع الحزب في الكفاح ضد "إسرائيل". ويبدو أن السيد قد اعتذر. لماذا يعرض "الحكيم" ذلك التعاون؟ ليس إعجاباً بفكرة ولاية الفقية بطبيعة الحال، وإنما هو إقرار بامتياز حزب الله بإبداع طرائق في النضال لم يتمكن الفلسطيني منها.
وحتى عندما يقع تغيير سياسي شكلي مثلما حصل في مصر وتونس، فإن ذلك لا يعني أننا خرجنا من شروط اللعبة القائمة إلى شروط مغايرة تفتح الباب على مصراعيه أمام تغيير البنية القائمة.
حراس البنية القائمة السياسيين والطبقيين يجب أن يزاحوا على الأرجح بالقوة، ومع وجود "جهاز" ثوري يعرف ما يريده من حيث التغيير العميق للقوة الطبقية التي تقود المجتمع والطبقة السياسية التي تمثلها. ذلك الجهاز ينبغي أن يكون لديه الكوادر والرؤية المتكاملة لصياغة برنامج بديل، أما إسقاط رأس الدولة مع بقاء كل شيء على حاله فإنه يعني ببساطة إعادة إنتاج الواقع القائم. من هنا نظن أن تغيير الوعي بدرجة كبيرة هو شرط ضروري لتغيير ثوري حقاً. لا بد من ربح معركة الوعي في مستوى الجماهير أو في مستوى "المجتمع المدني" كما كان يحلو لغرامشي أن يقول.
أما إن صرت أنا وزيراً، فلن يحدث شيء باستثناء أن أصاب بالجلطة أو أطرد في اليوم التالي. وأحب أن أهمس لصديقتي أنني فقدت عملي أكثر من مرة في مؤسسات أكاديمية ومراكز "بحثية" بسبب أنني جربت أن أخبط رأسي بجدران واقع المصالح الصلبة فكان ارتدادي قوياً إلى حد العبور خارج حدود المؤسسة، مع إقفال الباب ورائي وكسر مجموعة من الجرار لتأكيد البركة و"فك" النحس والشؤم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة