الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحاديث المقهى الثقافي.. (2)

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2017 / 1 / 16
الادب والفن


أربعون عاما وأنا أخالط مُعظم المُتعَلّمين والأدباء ، في المشهد الثقافي الحلبي ، ممن كانوا - ومازالوا - يضعون أنفسهم بين أهلِ الرأي الحصيف، وينسبون لأذهانهم فيوض الكلمة الرزينة والفكر العريف ، أو يجعلونَ من ألقاب أسمائهم نصباً متينة وأبواب مقامهم نخباً حصينة تُرْهبُ وتخيفْ ..
أربعون عاماً ، أهدرتُ اكثر من نصفها مُنصتاً إليهم ، متفكراً و متأملاً بينهم ، أرقبهم عن كثب ، وأتعلمُ من خبرات بعضهم عن قرب ، ومن رحلات حياتهم وتجاربهم السياسية والفكرية الطويلة..
وأما باقي السنين فقضيتها مثرثراً مشاكساً مُتحدثاً ومثيراً أومتسبباً في نشوء وإغناء أكثر الأحاديث إفادة لي حسب زعمي .. حيث وجدت فيهم عقولاً فريدة غريبة وعرفت منهم نفوساً لوامة كئيبة ، و شاهدت معهم شخوصاً مختلفة وأفكارا عجيبة ..
والحق أني لمحتُ بينهم بَعضاً مُدركاً ، مقداماً على خطر المعرفة وأفكارها، وقابلت فيهم من فَهِمَ الكلمة وأنصتَ بإجلالٍ تامٍ لمَعناها، و رأيت منهم قليلاً واعياً ممن تفكّرَ فيها، أو صَمَت خاشعاً أمام سحرها وبيانها ، و لكن كان نادراً فيهم من رحل بها بعيداً وانزوى في ملكوتها، وأما الأندَر فهو الذي كان غائصاً في كنهها وسبل لغاها، أو أصغى وانطوى في عمق فحواها ، أو تاهَ معها وسار بها بعيداً عن صخب الناس نحو مبتغاها، و قعَدَ مكرساً ذهنه الوَقّاد لدَرسها وفهم كنه جدواها ..
وأما كثيرهم الباقي فكان يطفو في المشهد كفقاعات الهَواء، وكان شغله الشاغل سرد التفاهات وصيد الرياء، ونصب المكائد أو الإطناب والنميمة و تجميل الهُراء..
وغالباً ما تراهُ اذا حضر أمام المعرفة في ملتقى ، لا يعرف من الكتب الا ظهورها ، و إذا ثغا بفكرة من حكايةٍ ، ظهر كالعلق على سطورها، لا يعرف من شمائل الآداب زرعاً ولم تزره يوما ولو عن خطأ بذورها ، ولا تليق به مائدةَ فضيلةٍ ، وإن حدثَ فلا يتذوق من فاكهة الثقافة والفنون إلا عَجّورها..
يقتاتُ الترّهات ، ويبدع في رغوة الكلام والسخافات، وهو متعلمٌ جهول، سمّاعٌ ليس ببدّاع .. إنْ وَصَلت الأخبار أشداقهُ، لاكَها ثرثرةً رصينة ، ثم طرَحها على شكل عبارات ممجوجة رهينة، أو إدّعاها زوراً على هيئة كتابٍ أصفر ، ذا معنى سخيف دون اثرٍ أو قيمة..
وحدث أنْ كان أكثر هؤلاء من أنصاف المتعلمين الفاشلين دراسياً ومعاشياً ، أو الموظفين الفاسدين من مُروجي الضغينة والسُخرية ونثر القيم الجوفاء، أو من مُهرجي الشعر المَرْصوف ، وعيّاري الرواية المُتهافتة ، وأفاقي ابداع القصة الهابطة ..
وكانوا في أكثرهم غير أسوياء، تأكلهم الحسد والنميمة ووتفوح منهم رائحة الرياء، لم يستطيعوا أن يكونوا أدباء بالحق، فصاروا بلهاء بشيء جعلوه يشبه الحق في الأدب ، فانطبق عليهم وصف شر المنافقين ..
إذا مرّت بقربهم الكلمة الحق ، أعلنوا عليها العَداء، أو فندوها دجلاً في سطور هزيلة كالثغاء ، فكانوا كالهوامش النافلة والعقول الباهلة ، بلا أية حواس للمعرفة الفلسفية الحقة أو التفكير العميق، لا تعرفهم الكلمة النبيلة أو الفكرة الأصيلة ولا يعرفونها .. فهم قومٌ لا يعنيهم أن يصدقوا جواباً يقلُّ عن نفاق سؤالهم، وعداوتهم الحسودة الحقودة لأرباب الفضيلة والنجاح في المجتمع أكسبتهم بجدارة لقب " شرَّ الرفاق " ..
وكنتُ كلّما جالستُهم أو فارقتُ مجلسَهم أسمعُ هاتفاً في خلدي يهمسُ لي :
أيُّها العَاقل تَجَرَّع كأس الصمتَ أكثر فأكثر، وأنصتْ لِمأثورِ القول في جَلَدٍ :
إذا ما كنتَ في جاهليةٍ جَهلاءَ، فعليكَ أنْ تُخفي ثلاث : ذَهَبَكَ وذَهَابَكَ ومَذْهَبَكْ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزوج الممثلة التونسية يسرا الجديدى.. أمير طعيمة ينشر صورًا


.. آسر ياسين يروج لشخصيته في فيلم ولاد رزق




.. -أنا كويسة وربنا معايا-.. المخرجة منال الصيفي عن وفاة أشرف م


.. حوار من المسافة صفر | المخرجة والكاتبة المسرحيّة لينا خوري |




.. -عملت له مستشفى في البيت-.. المخرجة منال الصيفي تروي حكاية م