الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس بين ديدان الأرض و ثورتها

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الذكرى السادسة للثورة مرت باهتة المعالم شعوريا. سارت بشكل عام في موكب من الامبالاة الشعبية. لولا الاحتـفاء الإعلامي الذي مال بشكل واضح إلى السرديات اليسارية و الذي أثث مشهد الذكرى، لكانت تعتبر دون أي اعتبار من شأنه تحفيز الاعتـناء بالتفكير في هذا التاريخ 14 جانفي..
و الحقيقة، إن القول، الذكرى السادسة للثورة، يحمل مغالطات عديدة من شأنها أن تـتـقدم بمشهد التعمية فتكـثـف السحب السوداء الحاجبة لشمس الحقيقة، مما ينـتـشل العـقـل من حالة الصواب الممكنة..
إنها ليست ثورة بمعنى الاكتمال المنجز أو الثمرة الحاصلة من النبتة. إنها مغالطة يسوق لها المستـفيدون من مسارها إلى غاية الآن. لكن بما أنها حدث تاريخي فمسار التاريخ متعرج يمنة و يسرى كسكير تعتعه السكر. و بتحليل فلسفي منطقي فالتاريخ ذو مسار ديالكتيكي فيه الانبثاق و السلب و التجاوز نحو مرحلة متـقدمة ايجابية. أي انه دائم الحركة و الروغان و ليس من الجهل فقط الاطمئنان إلى اللحظة بل انه لمن الغباء البهيمي أن تعتبر الواقع مثلما ترغـب في تأبيد لحظة من لحظاته العابرة حتما غصبا عن الجميع..
و بديهي بالنسبة للاشتغال التـفكري حتى و إن طبع بالمثالية أن ينـشغل بالواقع. انه لمن دواعي التدقيق في تحديد المفاهيم الأقرب إلى الواقع، أن تبني تصورات أقـرب إلى الحقيقة.. و بديهي أن الواقع يشدنا أكثر من السماء في اللحظات الحرجة.. ذاك انه يستحيل مستـنـقعا يخبطك خافضا رأسك الى الأسفل منـشغلا بكل كيانك في تحريك رجليك المثـقـلتين بالوحل المنزلق بك تباعا نحو الموت الرديء..
يجدر بالإنسان أن يفكر في طريقة موت كريمة ليست كريهة فيها من العزة و الكبرياء و القوة.. أما الموت غرقا في الوحل الذي يمتصك شيئا فشيئا حتى انك قد تستمتع قليلا بالبرودة إن كان الجو حارا فهذه خاتمة جحيمية تعيسة لكائن بشري تعيس عاش حياة تعيسة ملؤها البؤس و المذلة و التـقـزم و الاستصغار للكائن الإنساني المفترض أن يولد من الركام البشري المقـزز التعيس...
المؤكد أن تونس شهدت لحظة الانفجار الثوري، الذي لا يعني الثورة و إنما فوضى تخلق أكوانا و كواكب ثورية. إننا بالكاد اليوم على حدود الفوضى السياسية و الفكرية و الاجتماعية. و بدءا من صفحة القناصة الفاشلة إلى الترويكا الفاشلة إلى المرحلة الندائية الفاشلة، فانه يمكننا الاستـنـتاج أن قوى الشعب الثائر الحر، هي بصدد التجاوز النهائي لمرحلة الفوضى الناتجة عن الصراع بين القلة التي تريد الحفاظ على سلطتها بلعبة القـناصة و الإسلاميـين ثم التجمعيـين الواصلين بواسطة عربة يسارية مهترئة، و بين قوى الشعب الثائر الحر الطامح إلى كوكبة الثورة في عالم إنساني جديد.. الصراع بين ديدان الأرض و الأرواح الثورية النبيلة التي تـتوق في النهاية إلى رقصة الاهية مبتهجة على أرضه..
أما أن تهفو اليوم خفيفا صاغـرا كريشة في مهب الريح و تطلق عوائك الذئبي البائس لذئب دون مخالب و أنياب لتسحب صورة الرداءة السياسية على جميع الأحزاب السياسية، فما هي إلا حيلة دفاعية نفـسية حقيرة تمكنك بحجب نفـسك أمام نفـسك بغرور فضائحي مقيت. تريد أن تحجب إقرارك بمسئوليتك في العلامة التي وضعتها في المربع الغلط الذي اخترته أنت. و معلوم أن الغلط جائز لكنه غير مغفور إن لم تعترف به لتجاوزه التجاوز الصحيح. فتلك هي فلسفة المغفرة و ليس أن تـتـقصد الاستمرار في الخطأ الذي تعلم به خطئا و تقول أن الله غفور رحيم.
فهل تـترك المشهد كليا بغرور زائف يأبى تحمل مسئوليته التاريخية، أم الأجدى أن تبحث و تـفكر و تـناقـش و تحرك سهام الفكر لديك لترتـفع إلى الإنسان أولا، باعتبار الإنسان كائنا مفكرا و الحيوان لا يفكر؟
أليس المطلوب الآن من الجماهير أن تدفع بنفسها إلى حلبة الأفكار ؟ أليس الأجدى بها أن تبحث عن الأخلاق السياسية و النبالة الثورية الصادقة؟ أليس معلوما اليوم من الطرف الصادق وسط زحمة الكاذبين؟ أليست الأزمة السياسية برمتها بما فيها اللحظة الثورية الانفجارية ما هي إلا طلب لسلطة نـزيهة تـتصف بالمصداقية فتـشيع الثـقة في البلاد و المحبة؟ لماذا "بورقيبا" لا يزال حيا؟ أليس لأن غالبية الشعب كانت تصدقه و تـثـق فيه؟
فالمطلب الأساسي للانفراج السياسي هو السلطة الصادقة. و يبدو بوضوح أن التركيبة السلطوية الحالية هي آخر نقطة في مسار الكذب السياسي الذي أسسه النظام النوفمبري. خطاب الديمقراطية و واقع القمع البوليسي. خطاب فرحة شباب تونس و واقع بؤس شباب تونس و إلى غيرها من الأكاذيب.
نقول آخر نقطة لأنها أوضحها للجميع.. نداء تونس في حملته الانتخابية بخطاب مضاد لحركة النهضة و هذه الأخيرة بالمثل ثم يتآلفان بسرعة دونما حتى مسرحية درامية صراعية تجعل الاغلبية تـقـتـنع بوجوب هذا التآلف..
و لكن ما يتـشكل مشهديا للسلطة هو بشكل عام يلقي بضلاله على الجميع. الكذب هنا ليس مجرد كذب بل هو افتـقاد الدولة للروح. افتـقادها للأخلاق الواجبة. و ذلك يعني التـفكك و انعدام الرابط الروحي في المجتمع.
فما نشهده من تغول للفـساد و من أشكال مختلفة من الفوضى ما هو إلا تعبير عن افتـقاد الدولة للروح. من شمس تلك الروح تـنبعث إشعاعات النور الأخرى. إننا نعيش في ظلام سياسي. أجواؤنا باردة تكاد تـقـتـلنا و في الليل الأسود ترى جميع الأبقار سوداء مثلما قال "هيغل"..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تقرر بالإجماع تجنيد الحريديم | #غ


.. مظاهرة في مارسيليا ضد مشاركة إسرائيل بالأولمبياد




.. الرئيس السابق لجهاز الشاباك: لا أمن لإسرائيل دون إنهاء الاحت


.. بلا مأوى أو دليل.. القضاء الأردني: تورط 28 شخصا في واقعة وفا




.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق