الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!!.. إنى أنتظر الوزارة

ياسر العدل

2006 / 1 / 11
كتابات ساخرة


ليس مهما أن تكون صاحب إمكانيات يراها أصحاب القرار أنها فذة وعظيمة، كى يديرون رؤوسهم نحو تاريخك الخاص، يلوكون بطولاتك على حوائط المدارس ولوحات الشرف، يهتفون باسمك قاصدين أن تكون عمدة أمرهم ووزير صنعتهم وكبير الكبراء فيهم، المهم أن ترى فى نفسك أنك فذ وعظيم، تدرك انك لم تخلق سدى، وانك تحب الحياة وقادر على حب من يقدرون إمكانياتك، وإذا اتفقت مطالب عظمتك مع حاجات أصحاب القرار فأنت هو المحظوظ صاحب السعادة والمعالى والوزارة أيضا.
كل الدلائل كانت تشير إلى أنى سأصبح رجلا فذا عظيما، ابدأ حياتى فى قلب القرية وأتواثب وراء العيش على حواف المدن، وأحفظ تاريخا تعيشه الغالبية من أهل مصر.
فى القرية ولدتنى أمى ابنها البكرى فى عام طافت فيها حمى الكوليرا كثيرا من بقاع مصر، وحين أصابنى إسهال مع رعشه خفيفة ترحم الناس على صحتى وانتظر الحاسدون موتى بالكوليرا، وانتظر أبى ثلاثة أشهر حصدت فيها (فريرة) الكوليرا آلافا من أروح المصريين دون أن تأخذ روحى، وحين تأكد والدى من صخب الحياة فى جسدى قام بتسجيل حادثة ميلادى فى سجلات الحكومة.
فى القرية عشت ولدا تعود الاستحمام فى الطست بالماء الساخن مرتين أو ثلاث كل عام لأرتدى هدومى الجديدة مع حلول الأعياد، وعند الحاجة تحمل أمى الأوانى والهدوم وتجرنى إلى شاطئ الترعة وتغسلنى مع الجميع، أصابنى الرمد الحبيبى ومارست اللعب أياما تحت وطأة علاج الششم الأبيض وجيوش ذباب تزور عيناى الدامعة، طالت فترة ختانى ثلاثة أسابيع أسير فاتح الرجلين تحت وطأة علاج البودرة البيضاء، ركبت أرجوحة من الحبال فى العيد وعند ربع المسافة بين سماء الأرجوحة والأرض قطع الحبل وانفتح قرن دماغى على الأرض يشخب دما وبقيت شهرين تحت وطأة علاج معجون البن، فى قيظ الصيف نجحت فى إنشاء مصيفى الخاص، طردت بعض الكلاب تستبرد بمياه قناة تظللها شجرة صفصاف واستبردت أنا بنفس الماء والشجرة، أكلت عشرات من ثمار الطماطم والخيار والفلفل والبامية اقذفها من أرض الغيط إلى فمى مباشرة، فى سباق مشهود لكثير من أولاد قريتنا لعبور الترعة غوصا، قبلت التحدى ونجت فى العبور غوصا مارا تحت جثه حمار طافية، فى دارنا شربت ماء قريتنا نجلبه من الترعة ونعالج طميه والرواسب بالشبة ونوى المشمش، وفى الغيطان أشرب من أبار السواقى، وحين أصابتنى البلهارسيا كنت ابتهج بعد كل ألم فى التبول، فثقافة أولاد قريتنا تجمع على أن خروج الدم فى البول دليل على الصحة والعافية، وحين هاجمتنى الانكلستوما والقراع والدرن، تعودت الاستماع من الأحبة إلى عبارة (إزى الصحة؟).
فى المدينة أصبحت شابا، كثير من أيام الصحو أفطر فولا بالطحينة مع البصل على نواصى عربات الفول، وقليل من أيام الغيم أفطر محشى كرنب وفول نابت على نواصى أسواق الخضار، أحيانا أتغدى فشه ولحمة راس على نواصى المجازر وعربات الكرشة، وعادة أتناول العشاء فولا مدمسا وباذنجانا مخللا، وفى كل يوم أنام فى حجرة ضيقة بمساكن شعبية لا يزعجنى فيها طفح المجارى أو انقطاع المياه أو الكهرباء، واشترك مع أهل الحى فى معارك وجلسات صلح وأحلم بالزواج من بنت الجيران, وحين ضربنى الكسل وكرهت فكرة الزواج وتناول الشطة والطرشى، قال لى الطبيب ( خد بالك من الصحة؟) وأكد أن كبدى كسلان.
فى كل القرى والمدن أصبحت شيخا، أفوت بهدوء بين السيارات وأنجو من الحوادث، يساعدنى الطيبون على عبور الطرق وصعود السلالم والنوم على الأسرة، وحين اذكر احدهم بتلوث البيئة ومشاكل السحابات السوداء من قش الأرز والبيضاء من تراب الأسمنت والصفراء من غاز الأمونيا، وأقرر أن حياتنا صعبه والصحة على قد الحال، اسمع من يدللنى قائلا ربنا يعطيك العمر يا راجل يا بركة ( المهم الصحة !!).
مع تاريخى العظيم، أعرف القراءة والكتابة وتجهيز الأحجبة، ويحمل جسدى آثارا لعشرات من الأمراض ومواقف الحب والنصاحة والفهم المناسب، وأطمح فى تحقيق أمنيات أحبابى على ارض مصر، من الدايات وحلاقى الصحة والممرضين والأطباء والجيران والغلابة وسكان الهوامش، يسألوننى عن الصحة، ويؤكدون على أهمية الصحة، ويملكون صبر أيوب فى انتظار وزارة تحقق شعار (الصحة للجميع!!)، لكل ذلك فإنى باسم غلابة بر مصر، وباسم ديمقراطية أهل الثقة، أطالب باختيارى (وزيرا للصحة!!).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غادة عبد الرازق: ليس لي منافس على الساحة الفنية ولا يوجد من


.. غادة عبد الرازق: الساحة الفنية المصرية لم تعد بنفس قوة الماض




.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية


.. -بحب الاستعراض من صغري-.. غادة عبد الرازق تتحدث عن تجربتها ف




.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف