الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سيستجيب لكم

عامر الدلوي

2017 / 1 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ا
من المعلوم أن الرأسمالية في بناء كيانها و دولها تتبع قانون عتيق موغل في القدم , يمتد في عمق الزمن ليصل إلى عصر إضمحلال المرحلة الأولى من مراحل تطور التاريخ البشري , و أعني بها مرحلة المشاعية البدائية وبدايات عهد التملك الخاص المتمثل بظهور مرحلتي الرق و الإقطاع , و علو الإقطاعية كمرحلة جديدة من مراحل التطور البشري .
و هذا القانون الذي نجده في معظم مؤلفات أساطين مرحلة البرجوازية و المستمر في معظم كتابات محدثيها و صانعي خططها حتى يومنا هذا و المتجسد بأن نظرية الحكم تقوم على أساس التمكن من متلازمة " المال و القوة " لصنع و ترسيخ مقومات السلطة الحاكمة في معظم قلاعها بعد التوشح بالحديث المغري عن مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان , كسيبل للإنتشار في محاربتها لكل فكر قد يختلف معها و تحسه عامل هدم لمقوماتها إذا ما نما و كبر .
و لا أريد الإطالة عليكم في البحث التاريخي بقدر ما أردته مدخلا ً بسيطا ً لموضوعتي هذه .
عام 1969 – 1970 كان يدرسنا في إعدادية الأعظمية للبنين , أساتذة كنا في وقتها لا نشعر بقيمتهم العلمية إلا بعد سنوات من التخرج .. عندما ظهرت أسمائهم و كراريسهم في السواق كأسماء شهيرة في طرق التدريس , و لا أريد التطرق إلى أسمائهم إحتراما ً لتلك القيمة العلمية .. لأنني أحسبهم اليوم في عداد سكنة العالم الآخر , و إن كنت أعتز إعتزازا ً كبيرا ً بهم و بما قدموه لي من علم .
إلا أني أجدني مضطرا ً لذكر أسم أحدهم و هو من درسنا موضوعة اللغة الإنكليزية , الأستاذ الفاضل ( إستيفان ) رحمه الله و أسكنه فسيح جناته ... ذلك الرجل الذي قارب منتصف العقد السابع من العمر أيامها , و في أحدى تجلياته مع المشاكسين من الطلبة ( والذين تعتبر مشاكستهم أيامها قد لا تصل إلى نسبة 1 بالمليون مما يقوم به الضائعون من أجيال الحقبة التي نعيشها ) و هو يعطيهم درسا ً في الأخلاق الحميدة . طلب منا جميعا ً الإنصات لما سيقوله ... و أخذ يتحدث و كأني به عندما كان يجول بنظره نحو بوابة الصف متطلعا ً في النور الآتي من خلالها ... كأني به كان يستشرف المستقبل .. و أي مستقبل ... هو ذاك الذي نعيش أحداثه اليوم .
قال ببساطة أطلب منكم أن تضعوا هذه الحكاية حلقا ً في آذانكم و أنتم تدقون أبواب الحياة لصناعة مستقبلكم , الذي لا أدري إلى أين سيؤول بكم إذا ما أستمرت الحال على ما هو عليه اليوم .
كان في أحدى محلات بغداد و بالذات في محلة " الصابونجية " قوادا ً أثرى من مهنته و أشترى له بيتا ً في منطقة أخرى من مناطق بغداد الراقية يومذاك و لنقل إفتراضا ً " الوزيرية " حيث كانت من أحدث مناطق بغداد بناءا ً و تخطيطا ً عمرانيا ً , و كان له ولد ٌ صغير أراد أن يخطط لمستقبل هذا الولد على أن لا يسلك مسلك أبيه و يكون شخصا ً ذا شأن , فأدخله أرقى مدرسة إبتدائية يومذاك في نفس المنطقة و لنقل إفتراضا ً أيضا ً إنها مدرسة " المأمونية " الإبتدائية .
أشترى له أرقى الملابس و جهزه بأعلى ما يوجد في الأسواق من تجهيزات مدرسية و كان يضع في جيبه كل يوم مصروفا ً يحلم به لأبناء أكابر القوم ممن زاملوه في تلك المدرسة , و أخذ يوصله كل يوم و يعود به إلى البيت , حتى جاء ذلك اليوم الأسود بعد أشهر عديدة من بدء الدراسة , و إذا بالصبي يرفض الذهاب إلى المدرسة .
تعجب الأب و هو يرى الصبي يبكي بكاءاً شديدا ً و يرفض بإصرار مسالة الإستمرار في المدرسة , فأنتحى به جانبا ً في البيت و أخذ يلح عليه في السؤال ... ولكن بلا جدوى ... لكن في النهاية أستسلم الصبي و أذعن لطلب أبيه .... قائلا ً ... أثناء الإستراحة لا أستطيع اللعب مع أي من الأطفال ... لأنهم يعيرونني بمهنتك ... و يقولون نحن لا نلعب مع من هو إبن لقواد .
تعجب الأب من هذا السلوك و أخذ يقنع الولد و يسأله ... دعك منهم و مما يلغون فيه ... المهم قل لي .. هل تعلمت الكتابة .. إن كانت إجابتك بنعم ... لو أضطرني الأمر فسأفتتح مدرسة خاصة لأجل إكمالك تعليمك .. أجاب الصبي بنعم .. فقال له الأب .. هلا تفضلت معي إلى غرفة الإستقبال و الطعام ... و أقتاد ولده إلى هناك و أبتدأ برفع المواد الموجودة على منضدة الطعام ... و جلب طبشورا ً و طلب من أبنه أن يصعد على المنضدة و يكتب بقدر إستطاعته عليها كلمة ... قواد ... قواد .
فعل الصبي ما ارده أبيه .. الي ما أن رأي إنجاز إبنه حتى أنفرجت اساريره ... و توجه نحو خزنته ليفتحها جالبا ً رزما ً نقدية كبيرة أخذذ يفتحها و يرصها فوق الكلمات التي كتبها ولده ... حتى غطت كل الكلمات التي كتبها الصبي .. و نظر إلى إبنه متسائلا ً : أين هي الكلمات التي كتبتها يا ولدي ؟ أجاب الصبي : ما عدت أرى شيئا ً منها يا أبي .
فرح الأب بجواب إبنه .. و من يومها توجه الأب لشراء قطعة أرض كبيرة ليبني عليها مدرسة خاصة .. كان إبنه أول و أشهر و أذكى تلاميذها قاطبة ً .
مرت هذه القصة بخاطري لتلتصق بما قرأته من شعار رفعه المتظاهرون الرادحون ( أستثني منهم طيبي القلوب و حسني النية و ذوي النوايا الصافية ) في ساحة التحرير يوم الجمعة الماضية من مختلف التيارات بما فيها البؤسقراطيون ... شعارهم هذا موجها ً إلى أحد فرسان عملية بريمر السياسية ( الذي إرتفع كما يقول المثل الشعبي الدارج ... من الطهارة إلى المنارة ) يطالبونه بما أضحكني جدا ً بالعودة إلى الطهارة .
فما كان منه إلا لملمة حاجياته و الهرب تحت جنح الظلام إلى مرابعه القديمة ... لحظات مخملية جميلة كانت تلك التي سرت في أحلام الرادحين ليلة الجمعة على السبت .. ولا أدري إن كانوا أستفاقوا منها أم لا ...
فكيف لمن كان صفرا ً على الشمال و أصبح اليوم إثنا عشر صفرا ً على اليسار .. بما يعادلها ذهبا ً ... و ميلشيات متعددة تقمعكم بالحديد و النار و أنتم راضخون ... أن يرحل و يعود إلى تلك الطهارة الشهيرة .. بهذا الشعار البايخ .
وقد كان في سابق عهده كمن وصفه المرحوم أستاذي الفاضل " إستيفان " و أمسى اليوم من كبار التجار و إبنه علما ً من أعلام أصحاب العقارات و الشركات .... كيف لمن تذوق شهد العسل أن يعود لأكل الحصرم ... هل بالشعارت البائسة أو التظاهر العقيم منذ أربعة سنوات و نيف ... أم بفعل ثوري ... ولكم في شعب السودان و عصيانهم المدني اسوة ً حسنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى