الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دون رتوش (2 )

يوسف أحمد إسماعيل

2017 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية




ليس حباً بالحرب، وليس كرهاً بالسلام، وليس إنكاراً لحق الشعب السوري في العيش بأمان، نسأل لماذا الذهاب إلى المحادثات الآن ؟ وإنما نريد أن نفهم تداخلات الصراع في سورية بعيداً عن الأحلام والأمنيات لتكون رؤيتنا موضوعية، وبالتالي نصبح أكثر قدرة على التعاطي الإيجابي مع الأزمة السورية.
كما يعلم المعنيون بالشأن السوري فإن الأطراف الداخلية اختارت منذ سنوات الحل العسكري؛ فالنظام في دمشق رأى أن تجربة حماة في القرن الماضي يمكن أن تكون نموذجا ناجعاً، ولم ينتبه إلى أن الاختلافات الراهنة عن تلك الأحداث أكثر من التقاطعات؛ ولذلك فشل بمفرده في الانتصار عسكرياً، بل شارف على السقوط. والمعارضة لم تؤمن بأن الثورة السلمية ناجعة مع النظام السوري بسبب طبيعته الأمنية، والتجربة السابقة معه في القرن الماضي، والنموذج الليبي الذي يلبي في صورته الأولى وهم تغيير النظام. ولذلك اختارت الحل العسكري معتمدة على معطيات غير موضوعية في تشكيل ثورة شعبية، ولكنها قادرة على إقامة إنقلاب عسكري قابل للفشل وقابل للنجاح.
في ظل مقومات القوة والضعف عند المعارضة وعند النظام، لم يستطع أحدهما تحقيق النصر على الآخر، وخرجت الأحداث من صورتها الاحتجاجية ضد الاستبداد إلى صورتها في الصراع على السلطة، بأي ثمن وتحت شعارات الدفاع عن الوطن، مما فتح الباب واسعا للتدخل الخارجي من قبل الطرفين، بدءا من المرتزقة تحت مسميات عنصرية مختلفة؛ دينية ومذهبية، وانتهاء بالدول والأقطاب تحت مسمى " محاربة الإرهاب".
وعلى الرغم من محاولات عدّة ونداءات كثيرة لوقف الحرب بدوافع إنسانية فشلت الجهود الدولية في إدخال المساعدات الإنسانية، فحدثت المجازر المروعة من قتل وإبادة وتدمير وحصار وتمثيل بالجثث مارستها غالبية أطراف الصراع دون استثناء. وقبل أن يتحقق النصر النهائي لطرف من الأطراف، نجحت الهدنة بعد حلب على كامل الجغرافية السورية بشكل ما، وبدا الحديث جادا في الذهاب إلى المحادثات.
كيف ؟ ولماذا؟
إن دخول الأطراف الإقليمية والدولية في الحرب في سورية غيّر طبيعة القتال وغاياته، وحولها من حرب على المعارضة أو على النظام إلى حرب بين الدول عبر وكلاء داخليين وخارجيين، وظن أولئك الوكلاء أنهم يقاتلون في سبيل وطنهم، ولم ينتبهوا أنهم تحولوا إلى أحجار شطرنج في لعبة الحرب الجديدة. وفشلُ الهدن السابقة يعبّر عن ذلك بوضوح، فالأهداف الخاصة بأجندات تلك الدول لم تكن قد تحققت بعد. أما الآن فقد شارفت الدول المعنية على وضع اللمسات الأخيرة لمصالحها وتفاهماتها، ولذلك تبدو روسيا جادة في فرض الهدنة ومحادثات استانة، مع العلم أنها لم تنه بعد مهمتها في دعم النظام، بمعنى مساعدته على استرجاع سورية كاملة إلى سلطته، ولم تنته من "القضاء على الإرهاب"، وفق تصريحاتها السابقة. وعلى الرغم من ذلك أعلنت مؤخراً على لسان بوتين بأن موسكو أنهت، بعد السيطرة على حلب، مرحلة هامة من العمليات العسكرية. وبدأت بسحب حاملة الطائرات" الأميرال كوزنيتسوف"ومجموعتها البحرية، وأعلنت في المقابل عن نيتها بناء قواعد عسكرية في سوريا على المدى الطويل.
فما الذي استجد أو ما الذي تحقق والصورة الظاهرية للأجندة المعلنة سابقا لم تكتمل، هل كان المطلوب فقط تثبيت النظام السوري ثم تركه وحيدا ليكمل المشوار الصعب؟ وما هو الضامن لها أنه يستطيع فعل ذلك؟! ولأن الإجابة هنا ستكون غير مقنعة، إذا أخذنا بالظواهر، فسنقول: إن مهمة القوات الروسية اكتملت فعلا ولكن ليس وفق الأجندة المعلنة وإنما وفق الأجندة الدولية للصراع في سورية. فبعد التفاهم الروسي التركي الإيراني والأمريكي على دور وحدود كلٍ من وكلائهم، وتحصينهم عسكريا بتواجد عسكري ملموس، تصبح مثبتات الهدنة جاهزة وفق حجم وتوزعات الكعكة السورية؛ بمعنى أن روسيا حققت حضورها الدولي سياسيا وعسكريا، وحصنت منطقة نفوذها سابقاً بتثبيت النظام، وليس مهما لها إن كان على كل سورية أو أهم جزء فيها فحسب فالنتيجة واحدة، وهنا الأمر لا يتعلق بالشعب السوري ومشاعره أو وحدته، ولا يتعلق أيضا برغبة النظام وحدود سيطرته التي يتمناها. أما إيران فلن تشكل قلقاً لروسيا فهي تعيش في كنفها وتحت مظلتها وإن لم تصبح بعد عضوا في تجمّع البركس، ومصالحهما غير متضاربة فالجغرافية التي تريد إيران أن تحقق بها هيمنة سياسية وعسكرية واقتصادية تتطابق إلى حد كبير مع الجغرافية التي رسمتها روسيا خلال ضرباتها العسكرية وحددت خطوطها. وشمال حلب جغرافيا يُترك للشأن التركي والأمريكي في علاقة تجاذب ولكنها لن تصل إلى حد الصراع، ولكل منهما قواعده العسكرية ووكلاؤه، وسيضطر الفصيل الكردي الانفصالي إلى تحجيم أحلامه بما يتوافق مع التفاهم الأمريكي التركي.
بناء عليه لا مبرر لاستمرار الحرب في سورية، ولذلك فجأة اتفق أعداء الأمس أمريكا وروسيا، وروسيا وتركيا، وإيران وأمريكا، و إيران وتركيا، وبالطبع ستعود العلاقات، بعد المحادثات، إلى مجراها السابق بين تركيا ودمشق، وستزول من الإعلام الشعبي والرسمي العناوين العريضة التي اطلقت عن حلم السلطان العثماني وعن الإخوان المسلمين وعن التحريضات الطائفية تحت مسمى المصالحات الوطنية، فمهمة تلك العناوين كانت في إثارة النزوع إلى العنف بوصفها وقودا للحرب، وها هي الحرب قد توقفت. ولكن ماهي النتيجة بالنسبة للشعب السوري؟!
النتيجة دولة ممزقة وفق أجندة الدول التي تدخلت في الأزمة السورية، ولكن بمساعدة بعض أبنائها الأنانيين والطامعين والمأجورين والمتسلطين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض