الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معارك الخمور عبر الدهور

محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل

(Mohsen Aljanaby)

2017 / 1 / 21
كتابات ساخرة


كانت (الكازينو) مكتضّة حين دخلتها وبرفقتي (أبو جويده الله يذكره بالخير) حاولت الحصول على زاوية نطل منها على السياح الألمان والخلايجة والأتراك -جنسيات كثيرة كانوا يأتون لشمال العراق في الصيف- وبنفس الوقت أردنا أن نتخلص من المعارف العراقيين هكذا أتفقنا على مكان الجلوس نحن الأثنين لكن للأسف لم نجد زاوية فجلسنا في قلب كازينو الربيع حيث الأنس والترف والجو البديع..
أنتبه لنا أحدهم وكان قريب لي فقام من مكانه وأنضم ألينا تبعه آخر ، قال إنه شبّه علي بأنني شقيق فلان وعرفني من (الدم) وطلبا أن يضيّفونا ولا مجال للرفض وبدأ الترحيب والحديث بلهجات متنوعة (كردي عربي عمارجي دليمي سويحلي ..ألخ) برعنا فيها نحن الأربعة فتعالت الحكايات والنكات والضحك فأنقلبت الآية ،بدل أن ننزوي صرنا محط أنظار الجميع حتى أخذتنا العزّة بأنفسنا فنسينا الناس حولنا وتصورنا أننا فقط الموجودين
وفجأة أنطلقت أصوات عالية وصراخ من أحدى الزوايا ، مجموعة من الشباب أختلفوا ونشب بينهم عراك تطور الى ضرب بالقناني والكراسي وتوسع الصراع ليكون على شكل مجموعة تقاتل مجموعة وكل واحد يضرب الآخر حتى وإن لم يعرفه!
لم أر هكذا قتال إلا في السينما والتلفزيون ، أحد الكراسي وقع على طاولتنا وأشياء أخرى لم نميزها كانت تتطاير علينا فيما نحن جالسين
أنتقلت المشاجرة الى خارج الكازينو وكنا نراقبهم من الزجاج يسوقنا الفضول ، أردت وصاحبي التدخل لنعرف سبب العراك أو نستدعي الشرطة أو أن نقف بين الفريقين ، لكن المضيّفان منعانا بشدة وبقيا جالسين وكأنه لم يحصل شيء
وبعد أخذ ورد قال لنا قريبي الكبير بالسن:
(إياك أن تتدخل بعراك السكارى ..أتركهم يتعاركون)
سمعت كلامه فهو خبير عتيق موغل بمعرفة طباع الناس وسلكوهم فقد عاصر كل المجتمع بمافيه من طبقات ومراتب وتركيب
وبعد فترة وكنا لازلنا جالسين على مضض خفتت أصوات المتعاركين ، رأيت منهم مصابين بنزف شديد وغيرهم ممدد على الأرض وغيرهم يرتدي ملابسه فقد نزعها في لحظة العراك المجنون
أغرب ما رأيت كان في الجزء الأخير من تلك المعركة !
فقد أرتمى كل واحد منهم على الآخر وهو يجهش بالبكاء ، رأيتهم كل يعتذر من الآخر وكأنه خليل حميم ، وعاد الجميع ليجلسوا هذه المرة على طاولة واحدة وكل يسابق غيره بالكرم والترحيب
إلا نحن وباقي الزبائن المتفرجين ، فرغم الأذى اللذي لحقنا بسببهم لم يكلفوا أنفسهم بالتفسير ولم يعتذروا عن الضرر والصخب الذي أقترفوه بحقنا نحن الجالسين
أرى كما يرى المجنون أن ذلك العراك الذي حصل هو نوع من العبث أجّجه الخمر برؤوس الشباب الذين يستهويهم التمرد وحين أفرغوا طاقة الشر عادوا الى طبيعتهم وديعين وبكل سهولة نسوه او تناسوه !
هذا العراك الصغير الذي حصل بالأمس البعيد أرى مثله يحصل بأماكن وبلدان شتى ، لكنه اليوم أوسع بكثير فقد ضيع لحظات وأعمار ومقدرات كثيرة وسبب أضرار لاتسعها كل قيود شركات التأمين
والمؤلم أكثر في عراك اليوم أن نهايته معروفة لكن بدايته مجهولة ، فلا نعرف لحد الآن نوع (الخمر) الذي تناوله هؤلاء الذين يتعاركون اليوم!
ولانعرف سبب العراك الذي يستدعي أن يضربوا بعضهم بالرصاص والسيوف والصواريخ !
لكننا على يقين بمعرفة النهاية حيث سيجلس المتخاصمون على طاولة واحدة وكل يعتذر من غريمه فيما نحن حيارى وسط عراك السكارى
لا أحد يكترث لنا .. فلا عزاء لنا نحن الأبرياء الجالسين!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط