الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دول التبعية ولعبة الشطرنج الدولية

يوسف أحمد إسماعيل

2017 / 1 / 22
مواضيع وابحاث سياسية





إن تداخل الأطراف المتصارعة في الحرب في سورية بدا متشعبا ومعقدا، مما أثار كثيرا من الأسئلة الاستنكارية، أحياناً، والاستفهامية أحياناً أخرى بحثاً عن تحديد مسؤولية كل طرف في الصراع أو الدعم العسكري، أو في النوايا والاستراتيجيات القادمة، أو في حجم إمكانية كل دولة أو طرف في الصراع. كما طرح وجوها متعددة للتحالفات وتقلباتها، ثم برودها ونشوء شعاب أخرى للتحالف، ثم دعم مطلق للمعارضة المسلحة بشروط تعود فقط بنودها للطرف الأمريكي وسلطته هنا أو هناك، ثم حشد العتاد لتشكيل جيش سعودي تركي عرمرم ثم الانكفاء عنه.
إن ذلك التشابك في الفهم يعود للتصديق بدءاً بأن تلك التدخلات الدولية والإقليمية هي مصحوبة بنية حسنة، ولكن سوء الحظ العاثر مرة، واختلاف أهداف الراعي العالمي الأمريكي مرة، والخوف من الانزلاق في حرب عالمية ثالثة مباشرة مرة، هو ما أخر ظهور حسن النية مجسداً على الأرض بسرعة ووضوح ونزاهة عالية.
ولم ينتبه المهتم بالأزمة السورية إلى أن العلاقات الدولية في الحروب لا تخضع للنزعات الإنسانية السلمية التي تحتاج إليها الشعوب المنكوبة، كما أن حراك الدول في ظل الحرب يخضع للربح والخسارة وفق الاستراتيجية التي تحكم أهدافها في الصراع بمجمله.
وعليه يمكن القول يجب الخروج من التفاصيل الصغيرة ليوميات الحرب السورية والدخول في رؤية المشهد العالمي حتى نستطيع تصور المستقبل القادم لسورية. فالتفاصيل اليومية تدخلنا في متاهة التصريحات النارية والاستفزازية والمجاملة والإنسانية والتحريضية والتشويقية ولكنها في المقابل تعمينا عن رؤية الواقع بموضوعية عاريا من الثوب الإنساني الفضفاض الذي حاول الجميع ارتداءه تحت شعارات تصب في عشق أجوف للشعب السوري وحريته وكرامته.
وحتى نخرج من حلقة الدهشة والتعجب إزاء تراجع دور دول الخليج في الأشهر الأخيرة في ضخ وقود الحرب من سلاح ومال وجيش عرمرم علينا أن نفهم حجم ذلك الدور ودوله في رقعة الشطرنج الدولية، حتى لا ندخل مرة أخرى إلى الفهم بكلام عاطفي أو اتهامي أو رومانسي.
رقعة الشطرنج تنقسم إلى ساحتين دوليتين أو قطبين رئيسيين طبيعتهما اقتصادية، والصراعات السياسية هي مظهر لذلك فقط.
القطب الأول (أمريكا والغرب) إذ يتمتع بأغنى اقتصاديات العالم الحالي، وبالتالي فهو يتمتع أيضا بأقوى ترسانة من الأسلحة المتطورة والذكية والفتاكة. وما يدور في فلكه من دول العالم الثالث وبشكل خاص من دول الشرق الأوسط لا يمثل جزءاً من قوته وغناه وإنما توابع شطرنجية لتنفيذ السياسات الاستراتيجية له، وإن بدا في لحظة ما أن هذه الدول تأخذ أكثر من حجمها فإن ذلك ليس أكثر من مهمة مؤقتة وليس أصيلة فيها، لأن قوتها مرتبطة فقط بتبعيتها للقطب، فهي لا تملك اقتصادا قويا ومتطورا وإن كانت تمتلك المال من عائدات النفط أو غيره، فبنيتها التحتية لا تقوم على التنمية البشرية أو الاقتصادية الخلاقة، وإنما هي صورة لماعة للاستهلاك البهيمي المرفه، فحتى ترسانتها من الأسلحة لا تخرج عن نطاق ذلك الدور في القطب. فإذا رأى قادة القطب أن الوقت قد حان لوقف الحرب في سورية بناء على ما تحقق من استراتيجيات فستنسحب تلك التوابع من المشهد الذي كان متخما بضجيجها، وتخفت مع انسحابها كل شعارات الحرب التي أوقدتها بدءا من التهديد الوجودي الإيراني إلى المذهبي إلى الإنساني. وهذا الدور بطبعه لا يؤهلها لأن تمثل مقعدا حاضرا في مفاوضات آستانة، فلذلك هي صمتت عن مسألة استبعادها، لمعرفتها بحجمها ودورها وحدوده.
القطب الثاني(روسيا) ودول البركس التي تشكل مساحتها ربع اليابسة، وعدد سكانها يمثل 40% من سكان العالم، والأهم من ذلك أنها تمثل أسرع نموٍ اقتصادي في العالم . وفي إطار هذا القطب تدور إيران وإن لم تدخل عضوا فيه ، ودورها يتجاوز دور دول الخليج في القطب الأول وبالشأن السوري بالتحديد؛ لأنها أكثر استقلالية اقتصاديا وسياسيا من أي دولة خليجية، والسبب أنها تبني مشروعها الاقتصادي على تطوير البنية التحتية والتنمية البشرية، ولذلك هي فاعلة في الملف السوري وفي مفاوضات اىستانة وإن بقيادة روسية بالطبع. وحين أعلن الرئيس بوتن عن المفاوضات، ذكرها بالاسم، وقال: إن روسيا وإيران وتركيا والرئيس السوري بشار الأسد وافقوا جميعا على إجراء مفاوضات السلام السورية الجديدة.
في إطار ذلك الصراع الاقتصادي العالمي يمكن أن نعيد تشكيل الفهم المتشابك والمعقد في الملف السوري، لنلاحظ اللاعبين الرئيسين واللاعبين" السَّنِّيدِيْن " كما يسمون في الوعي الشعبي، وبالتالي نتخلص من ارتفاع وانخفاض وتيرة سهم قياس الضغط واضطرابه، في كل تصريح أو في كل مأزق أو في كل تفصيل أو معركة هنا وهناك. وندرك مساحة لعبة الشطرنج وقوانينها، والأمر في ذلك يتعدى، بعدها، المآسي اليومية المرتبطة ببيت سوْري أو مواطن، أو قرية، أو حي في مدينة مكتظة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح