الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترامب: إعلان الحرب على العولمة!

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 1 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ترامب: إعلان الحرب على العولمة!

لم ترد كلمة "العولمة" على الإطلاق في أول خطاب لدونالد ترامب بعد تنصيبه رسميا رئيسا جديدا لأقوى دولة في العالم. لكن جل هذه الخطاب كان في الواقع هجوما شرسا وعنيفا على العولمة وعلى جهات معينة، وإن لم يسمها، ولكنه يرى فيها الرابح الأكبر من ظاهرة العولمة على حساب الاقتصاد الأمريكي. وفي قمة انتصاره وهو يتهيأ لدخول البيت الأبيض لم يشأ الرئيس الأمريكي الجديد أن يتخلى عن أسلوبه الشعبوي والاستفزازي والهجومي. كان الكثيرون يتوقعون بأنه سيخفف من لهجته وأن يعتمد لهجة تصالحية كما فعل أسلافه سابقا. لكنه عبّر وبحضور أربعة رؤساء أمريكيين سابقين عن احتقاره الصريح لمن يصفه بالطبقة السياسية المهيمنة في واشنطن،والتي اتهمها بأنها كانت تتعمد إضعاف الاقتصاد الأمريكي لصالح الخارج. وفي نبرة واثقة أعلن ترامب أن هذا النهج سيصبح في "عداد الماضي" بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض. وهذا ما لخصه في جملة قصيرة في خطابه الأول عندما قال: "سنعتمد قاعدتين بسيطتين: شراء السلع الأمريكية وتوظيف الأمريكيين". هذه العبارة لا تترك مجالا للشك بأنه سيعتمد سياسية اقتصادية "انعزالية"، أو "وطنية" كما يسميها، ستضع مصالح أمريكا فوق كل اعتبار. وأفصح بالتالي بأنه لن يتردد في إلحاق الضرر بمصالح الكتل الاقتصادية الأخرى، وفي مقدمتها الصين والاتحاد الأوروبي اللذين ينظر إليهما ترامب باعتبارهما السبب المباشر وراء خراب الصناعة الأمريكية وهجرة فرص العمل وانتشار البطالة والفقر في مناطق واسعة ببلاده. ولم يتردد في استخدام لغة إنشائية هدفها التأثير على عواطف الجمهور عندما تحدث عن "مصانع ضربها الصدء منتشرة كشواهد القبور في جميع أنحاء الولايات المتحدة". بل وطالب بأن "تتوقف هذه المجزرة الأمريكية حالا وفورا!". هكذا ينجح ترامب مرة أخرى في مفاجأة الجميع وفي إثارة الحيرة والارتباك في صفوف خصومه و"حلفائه" على حد سواء داخليا وخارجيا. وفيما كان ترامب يصب جام غضبه على العولمة وجوانبها "المظلمة"، احتشد الآلاف من المحتجين على تنصيبه في محاولة أخيرة لتعكير صفو الاحتفال بدخول ترامب إلى البيت الأبيض. لم يرد ربما بخلد الكثير من هؤلاء المتظاهرين الذين ارتدوا ملابس سوداء بأنهم قريبون أيديولوجيا بأكثر ما يتصورون من مواقف عدوهم اللدود ترامب. أمثال هؤلاء يحرصون عادة على الاحتجاج بالصوت العالي وبأعمال الشغب ضد اجتماعات قادة دول العشرين في واشنطن وضد صندوق النقد الدولي واتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الأخرى وبكل ما له علاقة بـ"فخ" العولمة. وليس ترامب بأقل حماسة منهم في رفضه لتحرير التجارة وجعل الحدود أكثر انسيابية أمام حركة السلع والبشر والاستثمارات. وفي لهجة تصعيدية غير مسبوقة اتهم الرئيس الخامس والأربعون الإدارات الأمريكية السابقة بأنها كانت تقوم "على مدى عقود طويلة بإثراء الصناعة الخارجية على حساب الصناعة الأمريكية وإنفاق ترليونيات وترليونات الدولارات في الخارج، بينما تقادمت البنى التحتية الأمريكية وأصبحت متدهورة ومتداعية". وفي إتهام لا يقبل اللبس للطبقة السياسية "الفاسدة" بحسب رأيه في واشنطن وللشركات أيضا رسم الرئيس الجديد صورة قاتمة عن الاقتصاد الأمريكي حيث "أغلقت المصانع واحدا تلو الآخر أبوابها وغادرت أراضينا، دون التفكير للحظة واحدة بملايين وملايين العمال الأمريكيين الذين تتركهم وراءها". هذه الكلمات العاطفية لم ترد على لسان نشطاء شيوعيين ويساريين يعادون بكل جوارحهم الرأسمالية "المتوحشة"، وإنما على لسان المليادير وقطب العقارات ترامب. وراء هذالأسلوب يكمن أيضا سر نجاح ترامب أيضا في كسب ود العمال والطبقة الوسطى أثناء حملته الانتخابية. والآن ينصب ترامب نفسه محاميا لكل المتضررين جراء العولمة، رغم أمبراطوريته الاقتصادية الضخمة وانضمام رجال أعمال أثرياء من قطاع البنوك والنفط إلى فريقه الحكومي. وبعد أن رأى أن مثل هذا الخطاب المليء بالنبرة الشعبوية والقومية (أو الوطنية) نجح في الوصول إلى قلوب قسم كبير من الأمريكيين ولعب دورا كبيرا في فوزه المفاجئ في الانتخابات، واصل الرئيس الجديد في خطاب التنصيب إطلاق الوعود والتبشير بالنمو والرخاء والازدهار في عهده "المجيد". من هنا يمكن فهم تعهده ببناء "شوارع جديدة وطرق سريعة جديدة وجسور ومطارات وأنفاق وخطوط سكك حديد" في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ويندرج هذا التعهد ضمن البرنامج الضخم الذي أعلن عنه أثناء حملته الانتخابية لتحديث البنية التحتية للاقتصاد الأمريكي. ولا تلقى هذه الخطط تأييدا شعبيا فحسب، وإنما قوبلت ايضا بترحيب واضح من عالم المال والأعمال ومن أسواق البورصة التي تشهد منذ أسابيع أجواء إيجابية. هذا "التفاؤل" تعزز أكثر بقرارات الإدارة الجديدة التي اتخذها ترأمب بعد لحظات من تنصيبه رسميا. ونص أحدها على بناء منظومة صواريخ جديدة لصد أي هجوم صاروخي محتمل من قبل كوريا الشمالية إيران بحسب قول ترامب. ومن دون شك فإن هذا القرار يبعث برسالة واضحة إلى قطاع صناعة الأسلحة بأنه سيستفيد أيضا من السياسة الاقتصادية للإدارة الجديدة. وبغض النظر عن الأهداف الحقيقية لبرامج ترامب الاقتصادية يجب القول بإن الاقتصاد الأمريكي يمر بالفعل حاليا بمرحلة نمو قوي مستفيدا من ظاهرة "الترامبية" ووعودها السخية. غير أن استمرار هذه النمو سيتوقف على القرارات اللاحقة لترامب والتي تثير تساؤلات كثيرة.
لم ينفك ترامب طوال الحملة الانتخابية عن التلويح باللجوء إلى السياسات الحمائية للحد من تدفق السلع الأجنبية الرخيصة، خاصة من المكسيك والصين وألمانيا. وهذا ما شدد عليه مجدد في خطاب التنصيب قائلا حرفيا: "إن الحماية ستقود إلى ازدهار عظيم". ويبرر الرئيس الجديد حماسه للإجراءات الحمائية التي كان الكثيرون يعتقدون بأن الزمن قد عفى عليها، بالعجز الكبير في الميزان التجاري الأمريكي تجاه البلدان المذكورة على وجه الخصوص. في عام 2015 سجل التبادل التجاري مع الصين من جديد عجزا قياسيا بلغ أكثر من 365 مليار دولار. وهو مبلغ مهول بكل المقاييس ويعكس مدى تغلغل الاقتصاد الصيني في السوق الأمريكية. من هنا يمكن فهم الدفاع المستميت لرئيس الصين "الشيوعية" في منتدى دافوس 2017 عن مزايا العولمة. اختلال مشابه يُلاحظ في التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وألمانيا حيث تزيد قيمة السلع الألمانية المصدرة إلى السوق الأمريكية بنحو 75 مليار دولار عن السلع المستوردة من هناك. بل وحتى المكسيك المجاورة والتي لا تعتبر من الدول الصناعية المتقدمة تسجل في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة فائضا سنويا يزيد عن 60 مليار دولار. هذه الأرقام تعكس بالفعل وجود اختلالات حقيقية ورابحين وخاسرين من العولمة على مستوى الدول وكذلك الأفراد. وهذا ما يستخدمه ترامب بذكاء لتبرير حملته ضد اتفاقية التجارة الحرة مع الدول المحاذية للمحيط الهادئ وضد مشروع إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الأمر الذي أثار مخاوف وقلق كبيرين في بكين وبرلين ومكسيكو سيتي.
غير أن تهديد ترامب بفرض جمارك باهظة على السلع المستوردة من هذه البلدان يمكن أن يصبح سلاحا ذي حدين. صحيح أن الاقتصادين الصيني والألماني يعتبران في مقدمة الرابحين من العولمة بحكم اعتمادهما الرئيسي على الصادرات، بعكس الاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الطلب المحلي، إلّا أن أي تراجع في أداء الاقتصادين سيؤثر مباشرة على آفاق نمو الاقتصاد الأمريكي بحكم التشابك الكبير في الانتاج والاستهلاك والاستثمار. ولو نفّذ ترامب وعيده فإن احتمال نشوب حرب تجارية سيصبح أمرا محتما. والنتيجة ستكون وبالا على الجميع.
الملفت للنظر أن ترامب لجأ في حملته المناهضة للعولمة إلى سلاح يعتبر نفسه أحد ثمار وأدوات العولمة، ألا وهو شبكة التواصل تويتر. في الأسابيع الماضية عودنا ترامب على إطلاق تغريدات كثيرة والتي استهدف بعضها شركات بعينها. احد هذه التغريدات أشاع الرعب في مجموعة فورد للسيارات. فبعد أن انتقد ترامب خطة فورد لبناء مصنع ضخم للسيارات في المكسيك بقيمة 1,6 مليار دولار، رضخت المجموعة الأمريكية إزاء هذا التهديد غير المسبوق الصادر عن رئيس دولة تضم أكبر اقتصاد في العالم وأعلنت عن مشروع لبناء مصنع في ميشيغان الأمريكية بقيمة 700 مليون دولار.
بدورها نالت مجموعة بي أم دبليو الألمانية للسيارات أيضا نصيبها من غضب ترامب وانتقاداته غير التقليدية. ففي مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية هدّد ترامب قبل أيام قليلة من تنصيبه رسميا بفرض جمارك عقابية بنسبة 35 % على سيارات بي أم دبليو، إذا ما نفذت المجموعة الألمانية خططها الرامية إلى بناء مصنع ضخم للسيارات في المكسيك حيث تقل تكاليف العمل بكثير عن مثيلاتها في الولايات المتحدة. لم يهتم ترامب بحقيقة أن بي أم دبليو الألمانية بالذات تملك أكبر مصنع لها في الولايات المتحدة وليس في ألمانيا أو المكسيك.
يؤكد ترامب أنه مصمم على مواصلة تغريداته عبر تويتر وإطلاق رسائله عبر وسائل الإعلام ضد شركات عملاقة، خاصة وأنه يبدو قد حقق ما يصبو إليه، لأن معظم هذه الشركات، ومنها فورد للسيارات وبوينغ للطائرات ولوكهيد للصناعات العسكرية وغيرها تجنبت المواجهة مع ترامب وحاولت استرضائه ووعدت بخلق المزيد من فرص العمل داخل أمريكا. بل وحتى مجموعة علي بابا الصينية العملاقة لتجارة الانترنت تعهدت أمام الرئيس الأمريكي قبل تنصيبه بتوفير مليون فرصة عمل داخل الولايات المتحدة وتسهيل دخول الشركات الأمريكية المتوسطة والصغيرة إلى السق الصينية. كل نجاح في هذا المجال يسوقه ترامب على أنه دليل على نجاح شعاره المحبب الذي كرره في خطاب التنصيب بقوله: "من هذه اللحظة فصاعدا ستكون أمريكا فقط أولا".
من المرجح أن ردود الفعل التصالحية لهذه الشركات تعود إلى أملها بأن "يهدأ" ترامب و"يتعقل" بعد أن يتولى مقاليد الحكم فعلا. مثل هذا الموقف تتخذه أيضا المستشارة الألمانية "انغيلا ميركل" والرئيس الصيني "شي جين بينغ" ونظيره المكسيكي "أنريكو بينا نيتو". هؤلاء جميعا يعولون على التحلي بالهدوء وضبط النفس وعدم الانجرار إلى استفزازات ترامب بأمل أن يمر "تسونامي ترامب" بسلام.
غير أن نجاح هذه التكتيك يبدو أمرا مشكوكا فيه، خاصة بعد الخطاب الأول لترامب والذي يمكن وصفه فعلا بأنه مثابة إعلان حرب على العولمة الأمر الذي سيخلط أوراقا كثيرة. في ظل هذه الظروف لن يبقى على الأرجح رئيس الصين "الشيوعية" لوحده، بل سينضم إليه الكثير من النشطاء اليساريين والبيئيين الذين سيصبحون فجأة مدافعين شرسين عن العولمة نكاية بترامب. غير أنه ليس من المستبعد تماما أن ينجح الرئيس الأمريكي الجديد في فرض قواعد جديدة للعبة مستفيدا من قوة الاقتصاد الأمريكي والدولار ومن التفوق العسكري لبلاده. وكل ذلك يؤكد أننا نعيش إرهاصات نظام عالمي جديد قد يكون ترامب أكثر رموزه إثارة للجدل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلمانيه
zaki yousif ( 2017 / 1 / 22 - 14:51 )
االمسلمين عندما يكونون اقليه في أي مكان في العالم يطالبون بالعلمانيه والديقراطيه وحقوق الانسان وعندما يكونون هم الاكثريه يطالبون بدوله اسلاميه وتطبيق الشريعه الاسلاميه ماهذا الهراء


2 - هتلر جديد
جلال البحراني ( 2017 / 1 / 22 - 16:14 )
السؤال حقا هل يستطيع ترامب أن يسترجع المصانع التي خرجت
أعتقد العالم الآن مليء بالمصانع وأغلب الدول قادرة على إقامة مصانعها الخاصة
فمن يحتاج أمريكا؟!
في مقابلة مع مايكل دل، رئيس شركة دل لصناعة الكمبيوتر اعترف صراحة أن هناك 2 طائرة يوميا تخرج من ماليزيا للولايات المتحدة حيث تصنع الشركة كل منتجاتها لتباع بأمريكا برخص التراب، يعني الشركات الكبرى ليست بحاجة للعمالة الأمريكية؟!
أظن أن ترامب سيلعب على الوتر العسكري ويمضي بتهديد العالم (هتلر جديد)!


3 - ترامب والعولمة
ناجح العبيدي ( 2017 / 1 / 22 - 20:41 )
حتى رئيس أقوى دولة في العالم غير قادر على إيقاف عجلة العولمة لأنها عملية موضوعية غزت مجالات كثيرة. ولكن العولمة دخلت حاليا في مأزق وتحتاج بالفعل إلى مراجعة لتشذيب الآثار السلبية التي ارتبطت بها....تحياتي


4 - عودة -صنع في امريكا-
سعيد زارا ( 2017 / 1 / 23 - 00:32 )

السيد المحترم ناجح العبيدي تحية

ان عودة الانتاج البضاعي الى قلعته المنهارة امريكا لا يتعلق بقرار سياسي و لو كان بالتهديد كما بفعل ترامب, فقد طالب الوباما من فبله الشركات الامريكية بالرجوع الى وطنها و قد اغراهم بمساعدات هامة بخفض ضريبي و لم يعدن.

الانتاج الراسمالي انهار في امريكا بلا رجعة و احياؤه ليتبوأ صدارة الانتاج غدا من المستحيلات اللهم ان كان ترامب قد ورث معجزة احياء الموتى من النبي عيسى.

تحياتي


5 - عودة صنع في أمريكا
ناجح العبيدي ( 2017 / 1 / 23 - 20:19 )
السيد سعيد زارا المحترم
أتفق معك بأن إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء ـمر مستحيل وهذا ينطبق أيضا على العولمة. ولكن بإمكان ترامب أن يهدد ويبتز الصين وألمانيا وكذلك اليابان لأن الاقتصاد في هذه البلدان الثلاثة يعتمد بالدرجة الأولى على الصادرات بخلاف الاقتصاد الأمريكي حيث يلعب الطلب المحلي والاستهلاك المحلي دورا أكبر
واليوم بدأ ترامب بتنفيذ تهديداته عندما أعلن انسحابه من اتفاقية التجارة الحرة للدول المحاذية للمحيط الهادى في رسالة واضحة إلى الصين واليابان. كما أبدى عزمه مراجعة اتفاقية نافتا للتجارة الحرة مع المكسيك وكندا
الشركات أيضا خائفة وستقدم تنازلات
مع تحياتي

اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال