الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- تاونات- التي في خاطري و-تاونات- التي في خاطرك –المحطة السادسة عشر-

محمد البكوري

2017 / 1 / 24
الادب والفن


على مشارف مدينة أزمور أو القلعة الحصينة الشامخة، تمر الحافلة المهترئة التي تقلنا، بتأن وتؤدة ، على قنطرة "أم الربيع" ... عندئذ " قلبي كيبدا يتقطع"... حيث أتذكر بحسرة... قنطرة "أسكار" ووادها السلسبيل ... ننزل أنا وأخي الذي يكبرني بحوالي أربع سنوات من 207 ... نترجل قليلا نحو الواد ... لانبالي بالجرف العالي، ولا بالأشواك المنبتة على طول المسلك الموحش المؤدي إلى الواد، ولا بحفيف الأشجار الباسقة، ولا فحيح الأفاعي، والتي تتواجد هنا بكثرة، تاركة في هذا الصيف الحار لجحورها المنغرسة هنا وهناك، باحثة عن لقمة سائغة تلتهمها التهاما... تلدغها لدغا... نواصل بكل عناد واصرار المسير نحو الأسفل ... يزداد رأسي المكور و"المدوخ بالصهد " تطلعا إلى الماء المنعش، والذي سيلف بحنين أجسادنا المتسخة بعسر زلات وخطايا الزمن الوغد، ليطهرها... ليزكيها ... يرتعش أنفي الساخن ، بمجرد ما يترأى لي الواد المملوء عن آخره، على غير عادته في المواسم الجافة، ممارسا علي اغراءه الشبقي كفتاة مكتنزة تلهث وراءها غريزتي المتدفقة ... أنزع بشغف شديد، وبدون أدنى تردد، القميجة المزركشة والبهية الألوان والآتية من بعيد، من الضفة الأخرى، من "ديجون" الفرنسية، والتي ألبسها كما جرت العادة كل صيف قائظ، اعترافا بجميل وعربون محبة لخالتي الفاكونسية الطيبة التي لا تكل ولاتمل على اغداقنا أنا واخواتي بكل أنواع الألبسة، حينما تزورنا إلى "أولاد بكور" أو نتشرف نحن بزيارة منزلها القابع هناك في أسفل "الشاطو" ، والذي باعته للأسف بنصف الثمن،فبيعت معه ذكرياتي بأقل ثمن... أرمي بالصندالة ديال الميكة، والتي نشرفها تسمية "لالة حلومة" فوق الرمال الساخنة، لتتلظى بها أرجلنا الرطبة... نأخذ مكاننا بجوار نبتة الدفلة التي ستكون فيأنا العميم، والذي سيظللنا في هذه "التفويجة" القصيرة ... أردد بالحاح، على مسامع أخي نشيد أمي المسجى بكل درجات الرضى وترانيم الحنان : "عندك من الزياغة بزاف راه أولدي الواد كيدي غير العوام ... عندك أولدي تسخى بحبول ديالك..." يبتسم ابتسامة ماكرة، وليقرر بعناد وفي غفلة من الجميع أن " ينقز" من أعلى صخرة بالواد... يحاول أن يقنعني ببراعته في السباحة أنا الذي "ديما كنمشي جنب الواد"، لأني"ما كنعرف ليف من الزرواطة في العومان" ... أبسمل ... أحوقل... أقرأ المعوذتين... أحسدك أخي -وخا عين الحسود فيها عود - لأنك تتلوى بكل رشاقة... تسبح كتلك الأسماك التي أحرص جاهدا أن أصطادها ب"طريكو" ديالك أو بالصنارة المصنوعة من "القصب والسبيب"... وحتى يتلذذ بها لساني كندردر عليها شوية دلملحة ونزند العافية باش نشويها... كنا نحن الفقراء، الغني منا من يمتلك في تلك اللحظة "بواطة دسردين" وشي بطيخة يبرد بها مصران ديالو... نؤمن مع ذلك "أن الغنى غنى الروح" ... أسطوانة عجيبة ... حفظنها ظهرا عن قلب... نقلنها خلفا عن سلف .. المهم أن أثرها كان جد طيب على لواعج صدورنا... "كانت كدبرد علينا شوية " وتخفف عنا لوعة فوارق القدر، لأننا كنا بكل تأكيد مدركين أن أبناء أولئك الغير المزاليط منا، الغير المزفتة عليهم سوايع "حتى لاممشاوش لبحر، راه عندهم لابيسنات في فاس... كاين دايمون فير وطروا سورس و... و... و ..." لايهمنا كل ذلك ، لأننا أصبحنا أكثر مناعة ضد كل هذه الخزعبلات الطبقية كمناعتنا ضد لدغات عقارب "الغابة" ... وفي المقابل، نحرص أن نستغل كل ثانية من عمرنا في الاستمتاع باللحظات الجميلة ... نلتقي بأولاد الدشيار والرميلة وكالسة الحايلة وباب وندار وسبت متيوة، وبطبيعة الحال أولا كاعدة الجامع ... نتقاسم الزاد والعتاد... "كنشركو الخبز والملحة"..."كنشركو الطعام "... آه! على تواضع الفقراء وايثار "الضعفاء" ... فلول كان نهار زوين وطلع واعر... حيث أشرقت أنوار واحد "القرطاسة"، جات في هاذ الصهد الجهنمي من مدينة فاس ، باش دوز العطلة ديالها في تاونات، باعتبارها من أبناء طيورها المهاجرة ، عندئذ "كملت الباهية : الماء والخضرة والوجه الحسن" ... ازداد الطرح يسخن ...تزداد المنافسة احتداما وشراسة ... كتنوض القربلة حرب البسوس... حرب داحس والغبراء... حول من سيظفر بإعجابها... وحتما لن تعجب بي... لا أجيد السباحة ... ليس لي عضلات فاندام لكهيرس العظام ... ماعنديش صدر لنفخو... ليس لي وجه شاروخان... ليس لي جسارة عنترة أو بيلمندو ... ليس لي إلا هذا اللسان كأزليف ديال الحولي ... الكل لحظتها كيشوف الزين ما كيشوف الحافة... كلشي باغي يبان ... كلشي باغي يبين حنة يدو ... الكل يحاول أن يبهرها... أن يسلب قلبها... أن يقنعها أنه أحسن "معلم سباحة" على وجه البسيطة، إلا أنا، فإنني "داخل سوق جواي"... دوما أردد بافتخار الأبطال الأشاوس: أشداني لقرع نمشطلو راسو... أشداني ... إياي وخفة الرجل... اللهم سلامة ولا ندامة ... كان عندي الحق في كل هذه الوساوس ... إذ سرعان ما تحولت نشوة الحياة إلى غفوة للممات ... تحول اليوم من "يوم واعر"إلى" يوم كحال"... في لحظة شاردة... ستسقط "القرطاسة" في وسط الواد الذي يصر كل مرة على دفعنا لضريبة التفويجة ... على "قج شي واحد لسخنلو راسو وسخا ببحبولو " ... يومها كان "محمد ولد طا عايشة " "هو لي جابها فراسو" ... حاول جاهدا انقاذها، لكن هيهات اللعب مع الواد كاللعب مع النار، دائما الخطر محدق بك من كل صوب وحدب ... مصيرك المحتوم في هذا اللعب الماكر، الغرق لامحالة ... حينها كنت مسترخيا... مستلقيا على الحجر الموجود بمحاذاة الواد، والذي عادة ما يتحول لحظتها إلى وسادتنا الوثيرة ... بغتة سنسمع جميعا صراخا ... إذ سيتحول الواد من كائن وديع إلى وحش كاسر... سيصب جم غضبه على المصطافين ... سيزبد ويرغد ...سيهاجم "محمد ولد طا لاعايشة "،دون سابق انذار... أصر أن يلتهم واحدا منا، ربما كنت أنا المقصود،ولكني دوما ألتزم بذكاء ثاقب ، بتنبيهات أمي الوجيهة :"اياك والزياغة" فلم أتحرك ذاك اليوم على الوجه الخصوص تجاه الواد قيد أنملة... إنه "ولد طاعايشة" هو الذي جات فيه للأسف الدقة... ما الذي حول الواد المصون إلى واد ملعون؟ إنه يقرر كل مرة أخذ القرابين البشرية إلى دواخله... ننتظر عالله يطلع ...لكن هيهات... "مول الأمانة دا أمانتو" ... نتوخى أن نستمتع بالحياة..."كنشدو فيها بيدنا ورجلنا" ...فيصر أن يأخذنا عقاب الموت الزؤام بمخالبه ... نحلم بلحظات سعادة نقضيها بين جنبات الواد، فتباغتنا أوقات مريرة من التعاسة ... نود أن نتذوق منك يابلدي طعم الحياة، كما سنتذوق يوما ما منك طعم الموت ... " كل نفس ذائقة الموت" ..."كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام" ... أعيننا ستأكلها الدود أجسادنا ... سيدثرها الثرى ... غرق محمد ... مات محمد ... بمجرد "ماساقت لخبار" الأم الثكلى المسكينة أغمي عليها من جزع المصاب ... كان معيلها الواحد ... ابنها الواحد من زوجها "عمي العربي" ، الذي أخذته هو كذلك الحياة، على حين غرة، في حادثة سير في منعرجات "البسابسة" ... آه! على هذه الحياة بقدر ماتغدق عليك بأفراحها تجعلك تنتعش بأتراحها! إنها سنة الله "ولن تجد لسنة اللَّه تبديلا" ... مات محمد ... أخذته منا يد المنون ... بيد أنها"هنته" من حوادث الدهر وأوجاعه ... فالمنون يغسل وجه الحياة بالفرشاة والسنون ... وأكيد أنه كما الحياة الجميلة فالموت أجمل ... لنترك فلسفة الموت جانبا ... لنتحدث عن مراسيم دفن محمد ولد طا عايشة التي ماتت حسرة عليه بعده بأسبوع ... آه ! على عظمة هذه الأم فهي لم "تؤثث" فضاءا حياتيا آخرا بعد فقدان الزوج الرفيق والابن الصديق ... نصدح باعلى صوت "لا إله إلا الله محمد رسول الله " ... النساء تزغردن ... ألم يمت "قنديل دذهب"؟ كان شابا يافعا " قالت ابنة عمته التي كانت متيمة به ... تعشقه إلى حد الجنون ... ذهب عشقها سدى ... ذهب حبها للأبد... صلت عليهما !صلاة الجنازة !كما صلينا نحن أيضا عليه في مسجد "الكعيدة" ... حملنا المحمل الذي فيه جسده الطاهر في اتجاه الغابة، حيث سيرقد بجانب "ضريح لالة هيبة" ، تحت شجرة" البرية المقدسة "، والتي سأصر أن ألعب بمحاذاتها مرارا لعبة الحياة، لأني جد متأكد أني يوما ما سألعب أمامها لعبة الموت ! !! يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا


.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو




.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا


.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر




.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق