الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إتفاق نيفاشا بعد مرور عام

عادل عبد العاطي

2006 / 1 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في يوم 9 يناير الجاري، مر عام على توقيع قادة النظام الحاكم في الخرطوم، وقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، إتفاقا سياسيا أنهي حالة الاحتراب القائمة بينهم، وسمي باتفاقية نيفاشا، دشن لشراكة سياسية بين تنظيميهما قائمة علي اقتسام موارد البلاد والسلطة فيما بينهما، وأدى إلى تكوين حكومة مشتركة بين الطرفين، وجذب إطراف أخرى من القوى السياسية الشمالية والجنوبية إلى مؤسسات النظام التنفيذية والتشريعية.
إن هذا العام، قد قدم بلا شك تفصيلا أكثر لطبيعة الاتفاق الذي قام، ومآلاته المختلفة، وأكد على انه لم يكن اتفاقا للسلام الشامل، وإنما هو مجرد اقتسام للسلطة في إطار مؤسسات النظام القائم، وتمهيد لانفصال الجنوب، وسيادة دكتاتورية مدنية في الشمال والجنوب يقودها كل من حزبي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان.
أن القوى الديمقراطية ومن بينها حزبنا، كانت تقف دائما مع وقف كافة الحروب الأهلية في السودان، والتي نحمل مسؤوليتها في خلال الستة عشر عاما الأخيرة أساسا للنظام الحاكم في الخرطوم، دون إعفاء غيره من القوي السياسية عن المسؤولية، وقد رحبنا بوقف إطلاق النار قبل توقيع اتفاقية نيفاشا، ورحبنا بكل وقف لإطلاق النار في الجبهات الأخرى في جبال النوبة ودار فور وشرق السودان، باعتبارها مكسبا للمواطنين في المقام الأول، يرفع عنهم نير الحرب. إلا أن هذا لم يعن لنا أبدا، أن سلاما عادلا وشاملا قد حل، أو أن حلا حقيقيا للازمة السودانية قد أنجز.
اننا نعتقد أن توقيع اتفاق نيفاشا بين النظام والحركة الشعبية لتحرير السودان، وتكوين الحكومة المشتركة بينهما، قد اتي كنتيجة مباشرة لإنهاك الطرفين في القتال، وللضغط المحلي والإقليمي والعالمي المتصاعد عليهما، نتيجة للخسائر البشرية والمادية البالغة الضخامة التي سببتها تلك الحرب، قد كان غرضه الأساسي الخروج بحل لهذين الطرفين، وتقسيم امتيازات السلطة بينهما، دون مقاربة حقيقية لأسباب النزاع الأهلي في السودان، وهو بهذا لا يزيد عن كونه صفقة سياسية انتهازية تمت بين النظام الدكتاتوري غير الشرعي، وحركة عسكرية منقوصة المشروعية، انضم لها بعض الأحزاب الانتهازية السودانية، في تجاهل تام لمصالح المواطنين السودانيين الأساسية، وفي القلب منهم مواطني جنوب السودان، والذين تضرروا أكثر من غيرهم، من جراء تلك الحرب اللعينة.
إن إتفاق نيفاشا قد تجاهل في وجهة نظرنا، المصالح الأساسية والحاسمة للمواطنين السودانيين، وخصوصا المواطنين المهجرين والمشردين والمتأثرين بواقع الحرب، حيث لم يتطرق لقضايا تعويضهم العادلة ماديا ومعنويا، وزلا قضايا التأهيل الوظيفي والاجتماعي والنفسي لملايين من ضحايا الحرب، بما فيهم المقاتلين في صفوف الجيش الشعبي، وخصوصا من اليافعين والشباب، كما قد أهمل قضايا إعادة البناء في الجنوب وغيره من المناطق المتأثرة بالحرب، وسلم كل الموارد المتاحة داخليا والواردة كمن المانحين، لتقع تحت تصرف قيادات النظام والحركة الشعبية لتحرير السودان، في ظل سيطرة تامة لهما على الأجهزة التنفيذية والتشريعية، وعدم وجود اى رقابة شعبية، الأمر الذي عرضها ويعرضها للفساد والمحسوبية والإهدار.
كما تغاضي الاتفاق عن قضايا المحاسبة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي مورست من قبل الطرفين، وضرب عرض الحائط بقضية الحريات الديمقراطية والدستورية، حيث شهد العام الفائت مذبحة بورتسودان وسوبا، واعتقال العشرات من الناشطين، وصدور قانون قمعي تجاه المنظمات غير الحكومية، وسلم مل السلطة في البلاد لقيادات حزبين دكتاتوريين لم يعرف عنهما أى نزوع ديمقراطي، ولم يتخليا عن نهجهما الشمولي والاقصائي، لا في الفكر ولا في الممارسة.
إن هذا الاتفاق ينفذ تحت قوانين الطوارئ الذي لا يزال ساريا حتى الآن، وفي وقت تتواصل فيه الحرب في دارفور، وتحت قوانين تنتهك حريات ومصالح المواطنين يوميا، مما يوضح انه مجرد صفقة لإطالة عمر النظام القائم وإعطائه الشرعية، واقتسام كعكة السلطة وموارد البلاد مع قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان، وفي غياب تام عن المشاركة الشعبية، بل وفي عداء واضح مع مؤسساتها الأهلية والمدنية، مما يوضح انه اتفاق فوقي سلطوي، لا يمكن أن يؤسس لسلام عادل وشامل في كل البلاد.
إن استمرار الحرب في دارفور، والتوتر في شرق السودان ومناطق المناصير والنوبة الشمالية، واستمرار ممارسات النظام الإرهابية والإجرامية تجاه المواطنين، وتعويله على الحل العسكري وشق الحركات المعارضة وتسعير الصراعات الأهلية، يوضح انه نظام غير مهيأ لإنجاز سلام عادل وشامل في السودان، وان كل قراراته مربوطة بهدف واحد وحيد، وهو الاحتفاظ بالسلطة وامتيازاتها لقياداته، ويوضح انه لم يوقع اتفاق نيفاشا اقتناعا منه بالحل السلمي، وإنما لما تتيحه له من إمكانية الاحتفاظ بالسلطة والسيطرة "الشرعية " عليها، وإعادة إنتاج علاقات السيطرة والاستغلال التي بناها خلال ال16 عاما الاخيرة.
إن مصرع جون قرنق، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وأحداث العنف التي صاحبته، و مجئ قيادة جديدة للحركة الشعبية، قد عزز من النزعات الانفصالية عند الطرفين، وأصبح احتمال انفصال الجنوب أكثر قربا مما مضى. مع ذلك لا نعتقد أن غياب قرنق قد غير من طابع الاتفاقية، بقدر ما اظهر طابعها الحقيقي. كما إننا لا نعتقد أن وجود قرنق كان سيغير شيئا كثيرا من الأمر، فكل قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان الحالية، بما فيهم الفريق سالفا كير هم رجال قرنق الذين عملوا معه عبر عشرين عاما ونيف، وهو الذي يتحمل المسؤولية الأساسية عن تصعيدهم السياسي، وعن تغييب غيرهم، من العناصر الديمقراطية في الجنوب، هذا التغييب الذي حمل طابعا دمويا في بعض الأحيان.
إننا نقول هنا انه بعد عام من توقيع تلك الاتفاقية، ونصف عام من دخولها حيز التنفيذ العملي، فان الإنجاز الوحيد لها هو توقف طرفيها عن الاقتتال الذي جلب الوبال لمواطنينا وبلادنا، ولكننا في نفس الوقت نرى بصورة أوضح طابعها كصفقة سياسية جائرة، تقوم على اقتسام السلطة وموارد البلاد بين طرفين لا يملكان لذلك تفويضا شعبيا، ويعملان من اجل مصالحهما الحزبية ومصالح قادتهما الذاتية. ونعلن من جديد كما قلنا إبان توقيعها، أن هذه الصفقة لا تلزمنا ولا تؤيدها، رغم رفضنا الكامل للطريق الحربي لحل المشكلة السودانية، ونسعى إلى إقناع مواطنينا والمجتمع الدولي، بضعف هذه الاتفاقية عن حل المشكل السوداني، والذي لن يعالجه إلا السير في اتجاه الدمقرطة الحقيقية والسلام الشامل العادل وطريق الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الليبرالية التي تخلص البلاد من سيطرة الحزب الفاشي الحاكم وشركائه الصغار، وتبني دولة القانون والمواطنة.

عادل عبد العاطي
عضو الحزب الليبرالي السوداني
11 يناير 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة