الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهتيف : الحياة فوق الأعناق

محمد أبو زيد

2006 / 1 / 12
كتابات ساخرة


كما لكل فريق رياضي هداف، فإن لكل حزب أو مجموعة «هتاف» او «هتيف»، وهو الذي يقوم بإطلاق الهتافات في المظاهرات جامعا المارة حوله، الهتيف الذي قد يبدو رجلا بسيطا قد لا تعرفه إذا رأيته يمر في الشارع بجوارك، لكنه في المظاهرات يعرف مكانه جيدا، بل يبدو أنه يذهب إليه ركضا، فهو يفضل أن يكون هناك، محمولا فوق الأعناق، تخرج من فمه الهتافات ليرددها المئات من المتظاهرين خلفه، حينئذ قد يشعر لأول مرة في حياته أنه يقود المئات، وهو البسيط الذي تكاد تدهسه عجلة الحياة.
مشكلة الهتيف تبدو في كيف يستطيع أن يجمع المئات، وكيف يستطيع أن يوحدهم في نداء واحد، كلماته بسيطة وغير معقدة، ومن هنا تبدو مشكلة الهتيف، خاصة أن الغالبية العظمى منهم غير متعلمين، ويلجأون إلى هذه الحرفة لزيادة مواردهم المالية.

هذه الحرفة زادت مؤخرا في مصر بعد هوجة المظاهرات التي انتابت الشارع المصري، خلال الستة أشهر الأخيرة، من خلال حركات المعارضة، وهي المظاهرات التي ردت عليها الحكومة بمظاهرات مضادة استخدمت فيها عددا من الهتيفة الشباب للهتاف للرئيس مبارك، وهو ما يمكن اعتباره إيذانا بميلاد جيل جديد من الهتيفة.

الهتيف عادة لا يعرف لمن يهتف أو لماذا يهتف، هو فقط يهتف لمن يدفع، ففي حين كان المتظاهرون التابعون لحركة «كفاية» الحركة المصرية من أجل التغيير، يهتفون، «كفاية»، كان هتيفة الحكومة يهتفون «مش كفاية مش كفاية .. معك يا مبارك للنهاية».

أثناء تغطيتي لإحدى المظاهرات أمام نقابة الصحافيين، كان «الهتيفة الجدد» يحملون طبلة ورقا ويغنون للحزب الحاكم، أحدهم قال لي إنه سيأخذ في نهاية «الليلة» 20 جنيها فقط .

هو يرى أيضا أن مبلغ العشرين جنيها لا يساوي شيئا أمام كل هذه الهتافات و«الهدة» طوال النهار في الشمس، لكنه قبل بها لأن البلد لا توجد به فرصة عمل أخرى.

سيد، وهذا هو اسمه قال لي إنه حاصل على «دبلوم» تجارة منذ ثلاث سنوات، وأنه يقضي أيامه على المقهى، حتى دله أحد زملائه ـ ابن الحلال ـ على هذه «السبوبة»، التي يستطيع أن يدبر بها سجائره، وقعدته على المقهى.

سيد أيضا لا يعرف لماذا يهتف أو لمن يهتف، كل ما يهمه هو العشرون جنيها التي سيحصل عليها في نهاية «الحدوتة».

حدوتة العشرين جنيها التي انتشرت بين المتظاهرين من أعضاء حركة كفاية تحولت إلى نكتة وقتها، لكن المفاجأة الحقيقية كانت في الهتاف الذي أطلقه الهتيفة «يا مبارك دوس دوس، إحنا معاك من غير فلوس»، وهو ما اعتبره متظاهرو كفاية دليلا جديدا على أن الحكومة تؤجر متظاهريها.

يزدهر موسم الهتافات مع كل انتخابات، ومصر هذه الأيام خرجت من الانتخابات الرئاسية لتدخل الانتخابات البرلمانية، وهو ما اعتبره الهتيفة «رزقا» لهم ، ولأن «رزق الهبل على المجانين»، كما يقول المصريون فإنك ستجد الهتيفة يملأون شوارع القاهرة يرددون هتافات لا يؤمنون بها، وفي أحيان كثيرة لا يفهمونها.

هتافات الحكوميين تختلف عن هتافات المعارضة وعن هتافات الإسلاميين، وأذكر أنه منذ أيام دراستي الجامعية كنت أرى الطلبة الذين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وهم يرددون هتافا أساسيا يدمجونه في ما يريدون التعبير عنه، فهم يقولون دائما في بداية هتافاتهم «لا إله إلا الله»، ثم تليها جملة أخرى تعبر عما يريدون التعبير عنه وهو عادة من عينة «أميركا عدو الله» أو «شارون عدو الله» أو«الوزير عدو الله»، مع تثبيت الجزء الأول من الهتاف، وتعد هذه التيمة جزءا أساسيا من هتافات الإسلاميين بجميع طوائفهم.

الطريف هو انتقال هتاف جاء في فيلم «شيء من الخوف» إلى المظاهرات، والفيلم الذي قام ببطولته النجمة المعتزلة شادية والفنان الراحل محمود مرسي، كان الهتاف الشهير فيه يقول «زواج عتريس من فؤادة باطل»، وكانت الجموع تردد «باطل ... باطل»، هذا الهتاف انتقل إلى مظاهرات المعارضة ليصبح «باطل.. باطل» و«أمن الدولة.. باطل»، وأي اسم في البداية يردده الهتيف ليرد عليه المتظاهرون «باطل».

وثمة رواية شهيرة كتبها الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد تحمل اسم بيت الياسمين، هذه الرواية التي يتم تحويلها الآن إلى فيلم بعنوان «الهتيف»، تدور أحداثها حول هتيف في عصر الرئيس المصري الراحل أنور السادات يحمل اسم شجرة محمد علي، كان يجمع عمال المصنع الذي يعمل به ليخرجوا للهتاف للرئيس إذا زار الاسكندرية، أو جاءه ضيف على غرار نيكسون.

هتيفة المعارضة يختلفون عن هتيفة الحكومة، لأنهم يهتفون من «غلبهم»، كما يقولون، وعادة فهم أرباب سجون، ترددوا على السجن وذاقوا ويلاته.

وأشهر الهتيفة في مصر هو كمال أبو عيطة، ودائما تجده في مظاهرات اليسار، وهو صاحب الهتاف الشهير أيام أنور السادات في مظاهرات الجوع في يناير 1977، بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية، «أنور بيه يا أنور بيه، كيلو اللحمة بقي بجنيه»، وأبو عيطة يشارك تقريبا في جميع المظاهرات المعارضة، بل يذكر البعض على سبيل التندر أنه يستطيع التواجد في مظاهرتين في وقت واحد.

ومن أشهر الهتيفة أيضا كمال خليل، الذي لم أره في حياتي إلا وهو محمول فوق الأعناق يهتف ضد سياسات الحكومة، وضد التطبيع. وضرب خليل العدد القياسي في مرات الاعتقال بسبب التظاهر، فعلى سبيل المثال اعتقل عام 1985 أربع مرات، ومن هتافاته الشهيرة ما جاء على وزن أغنية وطنية لعبد الحليم حافظ «أحلف بسماها وبترابها .. الحزب الوطني اللي خربها».

وهكذا، يستمر الهتيفة في هتافاتهم، يهتفون وهم يحلمون بأنهم يقودون الشعب، وأنهم يحركون الشارع، مرددين أحيانا في جزع، «ماذا سنفعل بعد انتهاء موسم الهتاف».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو