الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف من 11 فبراير 2011 .. وموازين القوى

رياض حسن محرم

2017 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


كثير ممن شاركوا فى أحداث ثورة 25 يناير العظيمة يعلنون ندمهم على مغادرة ميدان التحرير بعد إعلان بيان التنحى فى 11 فبراير مقررين أنه ما كان يجب عليهم مغادرة الميدان والتمسك بالبقاء فيه حتى تتحقق كامل مطالب الثورة من عيش وحرية وعدالة إجتماعية.
الأصل فى الموضوع هل كان بقائهم يمكنهم من تحقيق مطالبهم وهل كان بالإمكان البقاء أصلا بالميدان بعد خطاب التنحى؟ هذا السؤال الذى لم يطرحوه على أنفسهم ولم يحاولوا فهم وتحليل تلك اللحظة التاريخية حتى الآن، ولا حساب المكاسب والخسائر من هذا القرار، دعونا نحاول ذلك:
(أولا) نعلم أن الثورة كانت بلا قيادة، ربما كانت هناك بعض الشخصيات البارزة التى تحولق فى ركابها كثيرين "مثل البرادعى وأبو إسماعيل" لكنها لم تكن تمتلك حظوظ القادة وتفتقد للكاريزما والبرنامج الجماهيرى، وأهمية وجود قيادة حقيقية هو توجيه الجماهير والسيطرة على تحركاتها وذلك من خلال تقدير الظرف الثورى.
(ثانيا) كان الوضع فى الميدان يميل عموما لصالح الإسلام السياسى " إخوان وسلفيين" وقد كانوا آخر الملتحقين بالميدان وأول المغادرين بعد صفقتهم مع المجلس العسكرى، بينما كان التيار المدنى بتنوعاته " اليسار و 6 إبريل والجمعية الوطنية للتغيير وخلافهم" هم الأقل بالإضافة لتفرقهم وتشتتهم، فلو أصروا على الإستمرار كان الميدان سينكشف كثيرا، كانت أغلبيتهم من الطلاب والمهمشين القادمين من أحزمة الفقر الذين تحكمهم أساليب العنف الغير ممنهج أو الموجه.
(ثالثا) كان سقف الجماهير فى تلك اللحظة بوجه عام هو رحيل مبارك ولم يكن الكثير متحمسا للبقاء بعد إحتفالهم بالتنحى، بالإضافة الى أن الغالبية العظمى من الشعب "خصوصا الفلاحين" لم يلتحقوا بالثورة أصلا.
لقد كانت القضية الرئيسية التى شغلت جماهير الثورة ودفعتهم للنزول بكثافة فى مختلف الميادين " التحرير بالقاهرة وميدان محطة مصر وجامع إبراهيم بالأسكندرية والشون بالمحلة والأربعين بالسويس وغيرها" هو عنف الشرطة وعمليات التعذيب والتلفيق بالأقسام " خالد سعيد" وإستخدامها أساليب غير إنسانية ولا أخلاقية منها هتك الأعراض أو القتل وتزوير الإنتخابات، لذا فقد كان هذا الخروج الكبير يرتبط بيوم إحتفال الشرطة بعيدها فى 25 يناير متوافق عليه، وتطور الهدف الى المطالبة بإسقاط النظام وبقى شعار العيش والحرية والعدالة فوقيا الى حد ما ويمثل النخبة الثورية المثقفة، كما لم تكن قضية التوريث تشغلهم كثيرا.
لقد عاشت العاصمة المصرية ومختلف أرجاء القطر ثمانية عشر يوما كمدينة فاضلة، فمع إختفاء الأجهزة الأمنية والشرطة بكافة أنواعها إبتدع الشعب تجربة اللجان الشعبية التى حفظت على الناس أمنهم وثرواتهم كنموذج مثالى لكميونة باريس، وقد نجح الإسلاميين "خاصة فى الأيام الأولى" أن لا يظهروا هويتهم، وأن لا يرددوا هتافاتهم المعروفة، بل يلتزمون بالهتافات الوطنية والثورية العامة كما كانت هناك جهود لتخفيف المظاهر الإسلامية في الميدان منها حمل علم مصر فقط، ولكن الخلافات بدأت تدب منذ أن تدخل النظام لإحتواء الحدث بواسطة اللواء عمر سليمان وإتسعت الشقة بين الإسلاميين والقوى المدنية، وبدأ الميدان ينفض فى اليوم التالى لرحيل مبارك، حيث صدرت الأوامر للإخوان بإخلاء الميدان ولم يجد الآخرين بدا من الخروج معهم وإنفض 18 يوما مجيدة لتبدأ الخلافات، وإنشقت الأرض عن مئات الإئتلافات والإنشقاقات عليها، وبعدها بأيام فقط تم تكوين لجنة لتعديل الدستور رأسها المستشار طارق البشرى القريب من الإخوان وضمت بين أعضائها الإخوانى صبحى صالح ليقرر المجلس الإستفتاء على تلك التعديلات التى إكتسحها الإسلاميين فى غزوة الصناديق بعد شهر واحد، تلا ذلك بسرعة إستحقاقات أخرى منها إنتخابات مجلس الشعب والشورى والإنتخابات الرآسية التى مكنّت الإخوان من الوصول للحكم، وبعد عام بائس من حكمهم ثار عليهم الشعب مرّة أخرى بمساندة الجيش ليهدم كل ماحدث ويعيد السلطة للعسكر خالصة ليتم القضاء على كل ما حققته الثورة وإستعادة الميدان وكافة الميادين لحضن السلطة التى أطاحت بذلك الجزء القليل الذى تحقق تحت ذريعة الحرب ضد الإرهاب.
ميدان التحرير في تركيبته في الـ 18 يوم هذه ” من 25 يناير إلى 11 فبراير 2011 ” كان يعبر عن آمال وطموحات كل الناس باعتباره تلاقح الطموحات السياسية و المعيشية ولحظات التمنى للغالبية العظمى من أبنائه بأن يعيشوا في بلد حر وديمقراطي وينعم بقدر من الرخاء حينما يتراجع الفساد، و تناغم هذا مع تطلعات الشباب في مجتمع مدني ودولة مدنية لها عوامل الدولة المدنية، وشكّلت اللوحة الجمالية التي رأيناها في ميدان التحرير من أن القدّاس جانبه الصلاة، والرجل العجوز وزوجته ربما تجاوز 75 أو 80 سنة يرتدى البدلة والكرافتة ويحمل علم مصر من أجل أن يحج الى ميدان التحرير ويشارك بهذا الجهد ، جهد أن ينزل ويرى الشباب كيف يصيغون المستقبل أمامه، كان الميدان بمثابة المدينة الفاضلة التي حلم بها فلاسفة كبار من قبل، جمع كل أطياف الشعب في بوتقة واحدة، المسلم إلى جانب المسيحي، والشاب إلى جانب الشيخ، والمرأة إلى جانب الرجل، غابت الحساسيات المعهودة، وتوحد الجميع لهدف واحد، هو إسقاط النظام، كانت لحظة تاريخية حين تقرر أن يتم إقامة قداس للمسيحيين صبيحة يوم الأحد، احتشد الآلاف ومعظمهم من المسلمين أمام الإذاعة الرئيسية لمشاركة المسيحيين في قداسهم، وراحوا يرددون جميعًا ترنيمة "بارك بلادي يا سامع الصلاة من كل البشر".
يظل توصيف أن ما حدث يوم 11 فبراير 2011 لم يكن سوى “انقلاب عسكري” على مبارك "وإن كان المعنى قاسياً" من أجل منع الثورة أو إجهاضها، لكن في لحظتها لم يكن أحدٌ مدركا ذلك.. لكون أن المجموع الكلى لكل من تواجد فى ميدان التحرير لم يشارك فى ثورة قبل ذلك ، كل الناس منذ 70 عاما تقريبا لا يوجد زخم سياسي حقيقي، لا يوجد حراك سياسي حقيقي في الدولة المصرية، عاشوا حالة ركود حقيقية لأسباب كثيرة منها الحرب لتحرير سيناء والقضية الفلسطينية وغيرها من التحديات الحقيقية، أن كل القوى السياسية لم تكن لديها فكرة عن كيفية إدارة الدولة أو كيفية التعامل في لحظة سقوط النظام.
لم يتبق من صورة ميدان الثورة سوى جرافيتي محدود عند مدخل شارع محمد محمود لبائع بطاطا تحت عنوان “المجد للمجهولين” بعد قرار إزالة جميع رسومات الجرافيتي التي زينت الشوارع المطلة على الميدان، وخلدت ذكرى أحداث الثورة.
وبائع البطاطا هو طفل لم يتجاوز عمره 13 عاما، كان يعمل بائعا متجولا في شوارع وسط القاهرة، وقُتل عن طريق الخطأ برصاصتين في الرأس والصدر أثناء اشتباكات جرت بين قوات الأمن ومتظاهرين في فبراير 2013، الحديقة الدائرية في وسط الميدان والتي كانت أيام الثورة محلا لخيام المتظاهرين ولعربات الباعة الجائلين أصبحت الآن تكتسي بالخضرة ويتوسطها نصب تذكاري لكن مداخل الحديقة عليها أسلاك شائكة كثيفة.
أهازيج الثورة صمتت الآن في ميدان التحرير الذي تشبع بأجواء توتر مع انتشار تشكيلات قوات الأمن فى المناسبات الوطنية لإحكام إغلاقه.
وكل ثورة بعدها ونحن طيبون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل