الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سور ترامب ‘‘العظيم‘‘!

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



قائمة المعالم السياحية في الولايات المتحدة الأمريكية مرشحة مستقبلا لانضمام معلم هام جديد هو الجدار المقرر بناؤه على الحدود مع المكسيك. ليس من المستبعد أن تختلط قريبا قوافل السياح على الجانبين مع أفواج المهاجرين غير الشرعيين القادمين من مختلف أنحاء العالم والطامحين للعبور إلى الجنة الموعودة. لا غرابة في الأمر. فقد سبقه في ذلك سور الصين العظيم وجدار برلين الذين يشكلان حاليا قبلة لملايين الزوار ومصدرا لا ينضب للعوائد المالية. ويبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يفكر أيضا بمنافسة هاذين السورين الأكثر شهرة في العالم. فقد أطنب في امتداح مشروعه المثير للجدل وكرر عدة مرات قوله بإنه سيبني "جدارا كبيرا وجميلا وعظيما" على طول الحدود المكسيكية-الأمريكية التي تمتد لمسافة 3200 كيلومتر. كما أن "الدعاية" له مستمرة على قدم وساق، طالما أن أخبار الجدار والجدل الساخن حوله تتصدر وسائل الإعلام المتنوعه الأمر الذي سيثير فضول ملايين وربما عشرات ملايين السياح لرؤية هذا المشروع المرشح لكي يصبح الأشهر في العالم. ولو تحقق ذلك فإن ترامب سيثبت مرة أخرى "حسه التجاري" بصفته رجل أعمال ناجح لأن استغلال جدار المكسيك سياحيا سيغطي جزءا من التكاليف الهائلة لبناء التحصين الحدودي والتي يمكن أن تصل بحسب معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا المرموق إلى أربعين مليار دولار. وقد يعفيه ذلك من تكرار مطالبته الفظة للبلد الجار المكسيك بدفع الفاتورة والتي تُذكر حقا بدفع "الإتاوات" لقطاع الطرق. وفي كل الأحوال فإن المهمة الأولى للأسوار عبر التاريخ هي "قطع" الطريق. يبرر ترامب مشروعه ببناء عائق مادي ضخم على الحدود بأنه ضروي لقطع الطريق على المهاجرين غير الشرعيين وتجار المخدرات وعصابات الجريمة المنظمة القادمين من أمريكا الوسطى والجنوبية. وهي حجة يصعب تفنيدها.
مثل هذه المهمة تولاها أيضا سور الصين العظيم الذي بُدأ ببنائه في القرن السابع ووصل طوله إلى قرابة 7 آلاف كيلومتر، والذي يُقال بإنه يمكن رؤيته من الفضاء الخارجي بالعين المجردة. عمد آباطرة الصين إلى بناء هذه التحصنيات غيرالمعهودة للحد من هجمات القبائل الرحل الغازية والشرسة القادمة من وراء الحدود الشمالية للصين. وللعلم فإن معظم الصينيين كانوا حتى القرن التاسع عشر يعتبرون أنفسهم الشعب المتحضر الوحيد في العالم وأن ما عداهم "برابرة". مثل هذه الصفة حاول ترامب أثناء حملته الانتخابية إلصاقها بالمكسيكيين عندما وصفهم بأنهم "مغتصبون" و"مجرمون"، ولكنه تراجع عنها لاحقا.
في المقابل كانت مهمة جدار برلين مختلفة، بل ومعاكسة تماما. تمثل الهدف الأول لهذا السور الذي بنته ألمانيأ الشرقية "الشيوعية" سابقا في منع مواطنيها من الفرار من نعيم "الجنة" الإشتراكية إلى "جحيم" الاستغلال الرأسمالي. صمد هذا السور الذي كان يقسم برلين إلى شطرين، شرقي وغربي، 38 عاما وسقط بشكل مدوي في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 في حدث تاريخي شكّل إشارة لإنهيار المعسكر الإشتراكي بمجمله. قبلها بسنتين جاء الرئيس الأمريكي الأسبق رولاند ريغان إلى برلين الغربية واستغل وجوده قرب الجدار لمخاطبة الزعيم السوفيتي حينذاك ميخائيل غورباتشوف قائلا :"السيد الرئيس... حطّمْ هذا الجدار!". اليوم كرّر حاكم برلين "ميشائيل مولر" هذه العبارة الشهيرة مخاطبا الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب قائلا: "السيد الرئيس...لا تبني هذا الجدار!". ومع انهيار جدار برلين تحطم عمليا الستار الحديدي الذي كان يفصل بين المعسكرين الشرقي والغربي في أوروبا وأصبحت الحركة عبر الحدود انسيابية بالنسبة للسلع والاستثمارات والبشر في تطور تاريخي غير مسبوق. ومن الملفت للنظر أن هذه الحدود المفتوحة لم تسقط تحت وطأة أقدام المهاجرين، كما حذر البعض، وإنما بقيت ظاهرة الهجرة ضمن معدلات معقولة ومفيدة للطرفين رغم الفارق الكبير في مستوى المعيشة بين شرق أوروبا وغربها. وبقي هذا الوضع على حاله حتى خريف عام 2015 عندما فتحت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل حدود بلادها أمام مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والعراقيين والأفغان وغيرهم، مطلقة بذلك موجة نزوح لم تشهدها القارة العجوز سابقا. إزاء هذا التدفق غير المعهود للمهاجرين والمخيف للكثيرين عادت الأسوار الحديدية الحدودية للظهور مجددا في المجر ومقدونيا وسلوفينيا وغيرها، واستأنفت بلدان أوروبية كثيرة ومنها النمسا وألمانيا عمليات الرقابة والتفتيش على حدودها في خطوة شكلت انتكاسة خطيرة لمشروع "أوروبا بلا حدود". مع ذلك أثار مشروع ترامب الحدودي استياءً وضجة كبيرين لدى أوساط سياسية وشعبية واسعة في دول الاتحاد الأوروبي في موقف ينطوي على بعض النفاق. فالجميع يعرف مثلا أن جيبي "سبتة" و"مليلة" الإسبانيين محاطان بأسوار منيعة تفصلهما عن المغرب ويصل طولها أحيانا إلى 15 مترا . ومن الملفت للنظر أن الاتحاد الأوروبي المعارض بقوة لجدار المكسيك مؤّل القسم الأعظم من تكاليف بناء هذه الأسوار بهدف الحد من الهجرة من إفريقيا. لكن هذه القلاع الأوروبية الحصينة في أقصى القارة السمراء لم تمنع المئات والآلاف من المهاجرين العرب والآفارقة من محاولة اقتحام هذه الأسوار مرارا وتكرارا حيث تُنظم قربها عادة مظاهرات صاخبة ضد "الاستعمار" الإسباني للأراضي المغربية. بيد أنه من الواضح أن الجزء الأكبر من هؤلاء المحتجين يحلمون في حقيقة الأمر بأن تشملهم "فظاعة العيش" في ظل الاستعمار البغيض.
ما عدا ذلك رافقت الأسوار والحصون البشرية طيلة تاريخها. وكانت جزءا لا يتجزأ من أي حاضرة تخشى على نفسها من الغزاة وطمع "الغرباء". إذ يُقال بان عرض سور بابل، مثله مثل سور الصين العظيم، كان يسمح بمرور عربة تجرها الخيول. كما دخلت طروادة التاريخ بفضل حصنها المنيع الذي تحول إلى مادة للأساطير. حتى يومنا هذا يتم الاستشهاد بحصان طروادة للتدليل على أن الحرب خدعة وللإشارة أيضا إلى خطورة الطابور الخامس.
لكن في عصرنا الحالي الذي يوصف بعصر العولمة وتحرير التجارة وحرية تنقل السلع والرساميل والأفراد عادت الأسوار والتحصينات الداخلية والخارجية لتصبح شواهد مألوفة في مختلف بلدان العالم، وبما فيها العراق والسعودية وتركيا وإسرائيل والجزائر وغيرها. هذا الوضع يعكس مخاوف حقيقية إزاء أزمات وظواهر كان يعتقد بأنها أصبحت في عداد الماضي. ولعل أزمة الهجرة والنزوح داخليا وخارجيا هي واحدة من أعقد هذه الأزمات وأكثرها مأساوية. بحسب بيانات الأمم المتحدة هناك أكثر من 60 مليون لاجئ حول العالم، معظمهم من العالم الإسلامي والدول الإفريقية جنوب الصحراء. وتشترك هذه البلدان في صفتين مترابطتين، هما الفقر والانفجار السكاني. ومما يزيد القضية تعقيدا هو محاولة الإرهاب الإسلامي وقوى الإسلام الراديكالي التغلغل وسط صفوف اللاجئين والمهاجرين لزرع الرعب والدمار وخطاب الكراهية في مختلف أنحاء العالم.
بيد أن الدافع الأقوى الذي يدفع عشرات الملايين لمحاولة عبور الحدود بمختلف الطرق هو الفارق في مستوى المعيشة والدخل بين البلدان الغنية والفقيرة. هذه الهوة لن تبقى على حالها على الأرجح فحسب، بل هي مرشحة للاتساع نتيجة تفشى الفساد وسوء الاقتصاد والاختلالات في التجارة العالمية. ومهما علت الجدران والأسوار فإن العقل البشري سيكتشف طرقا جديدة لاجتيازها طالما أن الفائدة أو "الربح" المتوقع أكبر من حسابات المغامرة في نظر الشخص المعني.
أما الرابح الأكيد من مشاريع الأسوار والجدران المنتشرة في العالم، فهو شركات البناء المتخصصة في إنتاج الكتل الخرسانية والأسيجة المنيعة. ولا يستبعد أن تكون شركات ترامب من بينها. فقد سبق للرئيس الأمريكي الجديد أن طالب المكسيك بأن تأخذ تهديداته على محمل الجد قائلا: "صدقوني، ليس هناك أحد يبنى جدرانا أحسن مني". ويبدو أنه سيبدأ فعلا بمشروعه "الجميل" قبل أن يفيق المكسيك والعالم من الصدمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إيران العراق سوريا!!
جلال البحراني ( 2017 / 1 / 28 - 16:20 )
قرأت اليوم بالإندبندنت إعلانات هتلر الجديد عن الدول التي سيمنع شعوبها طلب اللجوء
ركز على إيران العراق سوريا!! مع أن الجالية الإيرانية بأمريكا بمئات الألوف! وساهموا في مختلف مجالات الحياة الأمريكية!
الدول الممنوعة ليس لها علاقة بـ 11 سبتمبر، ولا لاجئيها اشتهروا بالإرهاب في أمريكا أو أوربا
فهل هذا يعني أنه سيقفل دور السعودية وارتباطها بـ 11 سبتمبر
وبنفس الصحيفة هناك خبر عن قيام منظمات إسلامية برفع قضايا عليه في المحاكم الأمريكية
هل ممكن لإيران العراق سوريا والدول التي صرح بها أن تستغل قضية 11 سبتمبر وتشهر به لعدم إدراج السعودية بالقائمة
أم مصالح رأس المال ستشطب هذا أيضا، فهو يعني عدم قدرة أرامكو الأمريكية إدارة أرامكو السعودية بسهولة


2 - جدرانٌ وأسوار....(1)
عامر سليم ( 2017 / 1 / 29 - 06:35 )

سور الصين العظيم رغم انه اعجوبه من عجائب الدنيا الا انه افشل مشروع دفاعي في تاريخ البشريه.
فرغم التكلفه الهائله له ورغم انه رُصَ باحجارٍ غرقت بدماء وعرق الصينيين الا انه لم يمنع غزوات القبائل المهاجمه,حتى البريطانيون الذين احتلوا اراضٍ شاسعه من الصين جائوا من البحر حيث ينتهي ذلك التنين النائم (سورهم العظيم) !
وعرف الصينيون متأخرين ان القوه العسكريه هي السور الحقيقي الذي يحميهم من غزوات الغرباء.
اما جدار برلين فقد كان رمزاً لارادة الانسان في التحدي وتحقيق الحلم.
كان جداراً رومانسيا ساحراً اكثر من كونه امنياً.. فقد كان ماده خصبه للشعر والروايه والفن ومغامرات العشاق على جانبيه, انه اشبه بجدار الجنه والنار في الميثولوجيا الدينيه عبره الشرقيون بشتى الطرق لتذوق نشوة الانتصار والذي لايتحقق بالعبور السهل لارضٍ بلا حواجز!
إنهارَ الجدار وصارت احجاره قطع اثريه يتلقفها عشاق النستولوجيا.

اما الجدار الاسرا ئيلي في الضفه الغربيه فهو جدار الكراهيه بأمتياز , تلك الكراهيه التي يتبادلها الناس على جانبيه.
فالفلسطينيون يسمونه جدار الفصل العنصري رغم ان كبار مسؤوليهم وفروا مادة الاسمنت لبناءه ..
يتبع


3 - جدرانٌ وأسوار....(2)
عامر سليم ( 2017 / 1 / 29 - 06:42 )

كوسطاء وجنوا ارباحاً هائله , ثم يظهروا على شاشات التلفزيون والمؤتمرات باربطتهم الحريريه وبدلاتهم السموكن ليتحدثوا عن الحريه والعنصريه!

والاسرائيليون يسمونه الجدار الامني للحد من الاعمال الارهابيه, لشعب تائه لايعرف مصيره وهويته بين قادته الفاسدين والقادة اليمينيين للجهه الاخرى من الجدار الذين لايعترفون الا بالقوه والاستخفاف بحقوق الاخرين!
هذا الجدار لايهدمه الا قيام دولتين على جانبيه يحترم كلا منهما حق الاخر في الوجود.

اما جدار ترامب فهو جدار رجل مال واعمال سيبنيه ليجني ارباحاً هائله بحسابات سريه تخفيها شعارات شعبويه سوقيه تجاوزت الوقاحه بكثير انه جدار ذلك الكاوبوي المتغطرس الذي يمشي متبختراً في المدن الفقيره بمسدسه السريع الطلقات لنشر الحريه والعداله والسلام فيها.
نهاية هذا الجدار سيكتبها لنا المهربون وحفار الانفاق والمرتشون وتجار السلاح والمخدرات واخيراً القاده التاريخيون المُخَلِصونْ بعد ان تلصق صورهم واقوالهم عليه!

تحيه وتقدير للدكتور العبيدي


4 - الجدار و مأساة العالم بشرور حرب العولمة للنهب
علاء الصفار ( 2017 / 1 / 29 - 12:40 )
امريكا المنتصرة على الشيوعية منذ سقوط السوفيت تقدم للعالم السفا لة فهي,هاجمت افغانستان بعد ان جاء الرب في منام للرسول الصليبي جورج الحشا ش و ثم غزى العراق وصرح ان الشعب العراقي شعب طيب يستحق الحرية لينتهي الامر بتاسيس القاعدة , من ثم جاء اوباما الاخطل فاسس داعش في محاولة لتقسيم العراق وتدمير سورياعبر دولة اسلامية في الشام والعراق, وأخيراً انتصر الصهيو عي د. ترامب السا فل في السياسة والعلاقات الاجتماعية, (متحرش فظ في النساء و زن...ا المحارم).ليقول لا يوجد عراق فقد دمر جيشه وبناه التحتية وعلينا ان نسرق العراق مثلما تسرقه حكومة الفسا د التي نصبناها بعميل صعيوني(بو ل) .
https://twitter.com/DonNegroppnte/status/822813853037789184
فهل يحتاج العراق لجدار يمنع الغزو الامريكي من النهب بعد ان خدع العالم بمحررين لا فاتحين, فحتى للبلدان الغازية سنت الامم المتحدة القوانين في حماية الامان والحدود, إلا ان ترامب السا فل يتناسى كل تاريخ امريكا القذ ر .
https://www.facebook.com/RussellSimmons/photos/a.438105913758.235382.12935858758/10153231569998759/?type=3
فهل أخطأ الهنود الحمر, فلم يبنو لهم سور!ن

اخر الافلام

.. زعيم كوريا الشمالية: حان وقت الحرب! فهل يشعل صراع الكوريتين


.. لافروف: ما يهم روسيا هو عدم صدور أي تهديد غربي لأمنها| #الظه




.. الملف النووي الإيراني يستمر الشغــــل الشاغـــل لواشنطن وتل


.. أول مرة في العالم.. مسبار صيني يعود بعينات من الجانب البعيد




.. ابتكار جهاز لو كان موجودا بالجاهلية لما أصبح قيس مجنونا ولا