الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجار الطيب ورجل السّلم المجتمعي

عزيز سمعان دعيم

2017 / 1 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


السّلم المجتمعي في عينيّ رئيس جمعيّة مجتمعيّة رائدة

مقابلة مع الأستاذ الراحل حسين اغبارية
صدمت بخبر رحيل المربي الفاضل والإنسان الطيب، الأستاذ حسين إغبارية (أبو فراس)، صباح يوم الثلاثاء 6.9.2016، وقد عرفته منذ سنوات، بدايةً من خلال الجيرة الطيبة في أماكن عملنا (مدرسة مار يوحنا الإنجيلي ومقر جمعية التطوير الاجتماعي)، ومن ثمّ من خلال التعاون معًا، بل الشراكة المجتمعية لدعم مشاريع وبرامج تعزز العلاقات بين أفراد المجتمع وتهتم بتطوير وتنمية إنسان سليم في وسط آمن.
لقد كان الأستاذ حسين اغبارية يبحث دومًا عن شركاء لتبني مشاريع مجتمعية تقدمها جمعية التطوير الاجتماعي، أو لتتبنى الجمعية دعم مشاريع ومبادرات تربوية تندمج ضمن رؤيتها وتوجهها، ومن ضمنها:
• دعم ساحات خضراء في مدرسة مار يوحنا، من خلال تغطية الجمعية برنامج لجنة الأهالي قبل عدة سنوات، لغرس شجيرات في قواوير أو أجران فخارية في ساحات المدرسة، ما زالت شاهدة على هذه المبادرة والشراكة المباركة.
• تفعيل حلقات وطواقم دراسية مشتركة للعديد من المدارس أو الأطراف المجتمعية لدراسة قضايا تتعلق بالتصدي للعنف أو تطوير جو آمن في المدرسة والمجتمع، أو إقامة ندوات مجتمعية وغيرها، بهدف معالجة قضايا مجتمعية تحتاج لحلول جذرية، وقد كنت كنا كمدرسة شركاء في الحلقات الدراسية.
• المبادرة لتزويد المدارس بفعاليات تربوية متنوعة مثل برامج تحضير الطلاب للصف الأول، وتوثيق العلاقات بين المدرسة والأهالي، ومحاضرات متنوعة للطلاب، ولقاءات بين المدارس العربية في مدينة حيفا، تخللتها زيارات متبادلة لمسجد الحليصة وكنيسة مار يوحنا، وغيرها الكثير.
• في السنة الماضية ساهمت الجمعية بمباركة الأستاذ حسين إغبارية بتمويل مشاريع إصدار سلسلة كراريس يوميات متنامية (يوميات الشكر، يوميات خواطر، مذكرات متنامية، يوميات الصحة)، وإصدار "جواز سفر السلام"، وميداليات "السلام ثقافتي"، وكل ذلك إيمانًا منه ومن الجمعية بأهمية تعزيز التجربة التربوية التي تقوم بها مدرسة مار يوحنا، في مجال "ثقافة السلام" والرامية لتحقيق هدأة البال والإمتياز لدى الطلاب.
في يوم 27.2.2015 قمت بزيارته في مكتبه في الجمعية لمقابلة خاصة بثقافة السّلم المجتمعي، وذلك ضمن دراستي للدكتوراة، وكجزء من بحث أكاديمي قمت من خلاله بإجراء مقابلات مع شخصيات مجتمعية منهم الأستاذ حسين، والذي أتحفني وأثرى دراستي في جانبها الكيفي في هذا المجال.
عند عرضي لموضوع المقابلة بادرني بقوله "أحييك على اختيارك لهذا الموضوع وعلى المثابرة والنشاط في هذا المجال".
فيما يلي عرض لأسئلة المقابلة ولأجوبته، لتكون أفضل دليل على هوية وشخصية وفكر هذا الإنسان الذي كان همه الأول خدمة مجتمعه وتقدمه. (نشر المقابلة يهدف لتعميم الفائدة، ورفع مستوى التوعية المجتمعية، ونشر رسالة تربوية آمن بها الأستاذ حسين، وذلك بعد موافقة العائلة الكريمة).
س1. ماذا تعني لك ثقافة السّلم المجتمعي بشكل عام؟
ج1. ثقافة السّلم المجتمعي هي تذويت مفهوم المحبة، الألفة، التأخي، التعاطف، المساندة، التكافل المجتمعي بين أشخاص المجتمع المختلفين، وهي الشعور مع أهل الحي، والتعاون المشترك، وخلق أجواء حسنة في البلد، والابتعاد عن كل ما يثير القلق والمشاكل، والمشاركة الفعّالة في حلّ المشكلات إذا حصلت من منطلق المسؤولية الفردية والمجتمعية.
ثقافة السلام هي مفهوم يقدم بُعدًا إضافيًا وقيمة مضافة لجوهر حياة كل فرد من أفراد المجتمع، ويساهم في رفع مستوى التحدي للدور الذي يقوم به الأفراد للمساهمة في تطوير وتعزيز السلم المجتمعي (داخل العائلة، وفي مؤسسات الأحياء، بحيث يمتد لكل مكان) فهناك دور للجميع: للأب، للأم، للمعلم، والتاجر، وغيرهم... مما يضمن العيش الكريم بطمأنينة وراحة نفسية.
ثقافة السّلم المجتمعي فيها إضفاء قيمة هامة للوصول إلى عدالة اجتماعية في الحيّز الذي نعيش فيه، وللشعور بالمساندة والطمأنينة، إضافة لتوثيق التفاعل المجتمعيّ للمشاركة بالسراء والضراء.
س2. ماذا يعني بالنسبة لك نشر ثقافة السّلم المجتمعي في المدرسة أو المؤسسة التربويّة؟
ج2. المدرسة باعتبارها وكيل التنشئة التربوية والمجتمعية لها دور كبير في نشر السّلم المجتمعي وتبدأ من خلال تذويت وإيصال مفاهيم وقيم للطالب ولجمهور المدرسة عامة (مثل تقبّل المختلف، الاصغاء، التعاون، وأهمية الحوار).
وكذلك متابعة الامور بشكل منهجي ومترابط مبني على أسس علمية نابعة من فكر منفتح، بحيث تعزز تشابك كل الحلقات المجتمعية ليعيش الطالب وجمهور المدرسة بيئة السّلم الأهلي والجو الهادي والمتقبل (بما في ذلك تقبّل خصوصيات الطالب والمجتمع).
3. حسب رأيك ما هو دور الادارة المدرسية في نشر ثقافة السّلم المجتمعي؟
ج3. المدير هو القائد الخادم، القائد المحرك، والمؤشر، والمنبه الموجهّ، والمحفز، والمفكر صاحب الرؤيا، هو صاحب الفكر الذي يحمل رؤيا الموضوع ويتبناه فمنه تشِع وتُثار التوجيهات والتعليمات. فهو الذي يحرك الطاقم ومن حوله من ادارة، معلمين وطلاب. وهو نموذج القائد لطاقم المدرسة والطلاب والاهل. هو الريادي والمبادر وصاحب الفعل.
س4. ما هي أهم العوامل التي تؤثر حسب رأيك في تعزيز بناء شراكة مجتمعيّة بين المدرسة والمجتمع المحلي لنشر ثقافة السّلم المجتمعيّ؟
ج4. هنالك عدة عوامل من أهمها حسب وجهة نظري:
• الفعاليات اللامنهجية الهادفة لتقريب الأهل معًا لبناء لُحمة مجتمعية وبناء أسرة مدرسية من الأهالي والطلاب والمعلمين والادارة.
• توعية الطلاب لثقافة السّلم المجتمعي وأهميتها لكي يكون كل طالب رسولًا لهذه الثقافة.
• رفع مستوى التوعية المجتمعية لثقافة السّلم المجتمعيّ لمحاولة رؤية القضايا المجتمعية من منظار ثقافة السّلم المجتمعي.
س5. ما هي أهم العقبات التي تواجه الادارة المدرسية في بناء شراكة مجتمعيّه لنشر ثقافة السّلم المجتمعي في مدارس الجليل حسب رأيك؟
ج5. هنالك مجموعة من العقبات وأنا أسميها "تحديات"، من أهمها:
• غياب مفهوم السّلم المجتمعي عن الوعي المجتمعي فهو مفهوم غير منتشر وقد يكون غير موجود بشكل عام في البيئة التي نعيشها الآن، إذ نعيش في بيئة مجزأة ومقسمة، تترعرع فيها عوامل التفرقة والتجزئة، وعوامل إظهار التباين بين المجموعات المتنوعة.
• ظاهرة تفشي العنف. نعيش في بيئة يستشري فيها العنف بكل أنواعه من كلامي، وجسدي، ونفسي، وجنسي. نجد العنف داخل الأسرة، والعنف السياسي، والعنف في المجتمع بل في المنطقة بأسرها. مجتمعنا يتلقى حالات عنف رغمًا عنه من خلال وسائل الإعلام المتنوعة، وهذا يخلق نوعًا من التوتر والتعصب والتقوقع والخوف من الاندماج المجتمعي.
س6. ما هي الحلول المقترحة للتغلب على العقبات التي تقف حائلا أمام الادارة المدرسية في بناء شراكة مجتمعية لنشر ثقافة السّلم المجتمعيّ في مدارس الجليل حسب رأيك؟
ج6. هنالك العديد من المقترحات التي قد تساهم في التغلب على العقبات، منها:
• محاولة المدرسة للعمل التربوية والتوعية على تقبّل المختلف، وتمكين التواصل بين المختلفين، والبحث عن الشيء المشترك.
• مدارسنا في معظم أوقاتها وانشغالاتها تحولت إلى مصنع علامات في الأساس، ونلاحظ أن موضوع التربية والقيم بانحسار وتراجع في المدارس لأن التحدي والتركيز الأهم الموضوع أمام المدارس من قبل متخذي القرارات هو التحدي العلمي والتحصيل العلمي، ونادرًا ما نجد فعّاليات تربوية تدعم السّلم المجتمعي. وبالتالي من المهم إدخال المشاريع التي تدعم الأنشطة السلميّة في المنهاج من خلال شراكة الأهل والمدرسة.
• تعزيز دور الأهل، أي إعطاء دور أكبر للأهل لدعم السّلم المجتمعي من خلال نشاطات تثقيفيّة، مثل يوم تسامح، وفتح الباب أمام شخصيات مجتمعية للمحادثة والحوار مع الطلاب، ورفع مستوى شراكة وتفعيل الطلاب في المناسبات المختلفة.
• تعزيز التشابك المجتمعي بحيث يقرب وبالتالي يخلق جوًا سلميًا.
• تشجيع التطوع للمحتاجين.
• تكافل وقدوة ومشاركة، ألفة ورعاية مجتمعية لتنمية بيئة مدرسية سلمية.
• موضوع العنف يحتاج إلى توضيح وتحليل الحالات التي قد تواجه الانسان، وعليه من المهم إكساب مهارات وأدوات للطلاب لحمايتهم، ولكيفية التعامل مع حالات العنف، ورفع مستوى الوعي للطلاب والمجتمع. كما أن هنالك حاجة ماسّة لتعريف العنف وأنواعه، بحيث يمكّن الطالب من التمييز بين سلوك وسلوك وبين كلمة حسنة وكلمة مسيئة. إكساب مهارات الحسم، أن يقف على أموره الخاصة ولا يقع تحت ضغوطات. من المهم أن يتعلم الطالب قول كلمة "لا" عند الحاجة. ومهم جدًا أن نعطي للطلاب بدائل ومخارج لكيفية التصرف في حالات العنف. نعلمه الصراحة والصدق وعدم السكوت على شيء يضايقه، ومن المهم أن يكون له عنوان للمشورة والتوجيه والتوعية، كالأهل (أب وأم) والمدرسة (معلم، مربي، مستشارة ومدير).
• ليس هنالك جمعية تنظر نظرة شمولية للسّلم المجتمعي ومع ذلك من المهم الاستعانة والشراكة مع جمعيات تتطرق لموضوع ثقافة السّلم المجتمعي، وفقًا لتخصص الجمعيّة وزاوية وجهة نظرتها لعنصر أو أكثر من عناصر ومركبات ثقافة السلام.
عندما طلبت أن يختتم المقابلة برسالة للمعنيين، قال: باختصار السّلم المجتمعي مسؤولية الجميع (الأب، الأم، المعلم، المدير، رجل الدين، ورجالات المجتمع والسياسة، والمؤسسات المجتمعية والمدنية وغيرها...). يد واحدة لا تصفق، مدرسة واحدة أو جمعية واحدة، لا تستطيع تحقيق النتائج المرجوة إن عملت لوحدها، في حين أنّ تضافر عن طريق وضع خطة ومنهجية شاملة سيكون لهذا الأمر حتمًا نتائج جيّدة ومفيدة لمجتمعنا. وعليه أقول أنّ السّلم المجتمعي من أهم المواضيع التي يجب أن نأخذها بالاهتمام، خاصة في المؤسسات التربوية، فمن هذه المنابر وهذه الانطلاقة نُعَمم السّلم المجتمعي على الجميع، لذلك جدير بكل إنسان مسؤول في مجتمعنا وكل شخص في وظيفته ومكانه أن يتحمّل مسؤولية تعزيز ونشر ثقافة السّلم المجتمعي.
طيّب الله هذه الذكرى الكريمة جارنا الطيب. ولتبق مسيرتك التربوية المجتمعية وروح العطاء موجّهة ومرشدة لكثيرين، ومتألقة في قلوب الجميع، وفي قلوب الحيفاويين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة