الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا مسيحيوا العراق كل عام وانتم في مهجر جديد

رزاق عبود

2006 / 1 / 12
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بلاد مابين النهرين، ارض الرافدين، مهد الحضارات، هذه قسم من اسماء عرف بها العراق الذي بناه سكانه الاصليين ممن ذاقوا الامرين، وحروب الاباده، والتدميرمن الغزاة الفرس، والاغريق، والرومان، والمغول، والاتراك، والانجليز. وقد وصلهم بعض تلاميذ المسيح في بداية القرن الميلادي الاول فاعتنقوا المسيحية. وبعد الفتح الاسلامي اعتنق قسم من سكان العراق، وخاصة القبائل العربية من تغلب، وتميم الاسلام. وقسم من العرب كان مجوسيا حارب ضد اهله العرب القادمين من الجزيرة باسم الاسلام. وبقي سكان العراق الاصليين، وخاصة الكلدان، والاشوريين، والسريان اوفياء لدينهم، وارضهم، وساهموا في بناء الحضارة الاسلامية، وقاموا بترجمة الكتب العلمية، والفلسفيه من الفارسية، واليونانية، والارامية الامر الذي وضع الحجر الاساس للحضارة الاسلامية، وخاصة قي العهد العباسي. وكان الكثير من مربي، ومعلمي ابناء القادة، والولاة، والخلفاء، والوزراء، واشهر اطباءهم، ومستشاريهم، من النصارى العراقيين. وكان بينهم ولازال الشعراء، والعلماء، والادباء، والفلاسفة. ولولا اسهامات الاب انستاس الكرملي لما استمرت علوم اللغة العربية الحديثة. وقد فرضت عليهم الجزية القاسية باعتبارهم اهل ذمة رغم مشاركتهم في الدفاع عن الوطن، ومساهمتهم في بنائه.

في العصرالحديث، وبعد تاسيس الدولة العراقية الحديثة التي اعقبت ثورة العشرين. ساهم مسيحيوا العراق كغيرهم، وكانوا اكثر السكان تعلما، في بناء الدولة الجديده. وقد خذلهم الانجليز مثلما خذلوا الاكراد حيث وعدوهم بنوع من الاستقلال الذاتي على جزء من ارضهم التاريخية نينوى. ولكن الانجليز قمعوا ثورة محمود الحفيد، ونفوه خارج الوطن. اما الاثوريين فقد سلطوا عليهم اول الفاشيين، والانقلابيين في العراق بكر صدقي فذبحهم، ونكل بهم، وشردهم خارج، وداخل العراق. بكر صدقي لقي نفس المصير على يد اصدقائه. ولكن مسيحيوا العراق ظلوا، ومنذ ذلك اليوم، يعاملون رسميا بشك، ودونية، واقصاء، وابعاد، وتهميش، واساليب معاملة مهينة. وعوملوا دائما كمواطنين من الدرجة الثانية. وحقدت عليهم القوى الرجعية اكثر بعدما تحمسوا لثورة تموز1958 ورفضوا ان يكونوا حصان طروادة، او طابورا خامسا ضد شعبهم، ووطنهم. وازدادت المضايقات، والاغراءات منذ ذلك الحين لحمل مسيحي العراق على الهجرة، وحرمان الوطن من كفاءات تتمتع بها الان دول المهجر. واذا كان المسيحيين هربوا بعد محازر بكر صدقي الى سوريا، ولبنان وبقوا في الاخيره حتى السبعينات بلا هوية، ولا جنسية. فانني، بشوق وفضول بحثا عن اتراب طفولتي، وزملاء دراستي بحثت في صور احتفالات عيد الميلاد، وراس السنه الجديده على موقع "عين كاوة" الحبيب، وقلما تجد مدينة في اوربا، وامريكا، واستراليا تخلوا من احفاد من بنوا لنا الحضارات الاولى فعاملناهم بمنتهى البربرية، وشردناهم في صقاع الارض، كما شرد الصهاينة الفلسطينيين، وكما طارد المهاجرين الاوائل الهنود الحمر في الامريكتين، او سكان استراليا، ونيوزيلندا. واذا كان الامريكان، والكنديين، والاستراليين، والنيوزلنديين احسوا بجرائمهم، واعترفوا بها. وبختهم ضمائرهم، فاعادوا الاعتبار لسكان الارض الاصليين، وقدموا لهم الاعتذار، واعادوا لهم مقابر الاجداد. ومنحوهم امتيازات معينة للتعويض عن معاناتهم الفظيعة. فان سكان العراق الاصليين يطلق عليهم اسم الاقليات من قبل من جاء غازيا من جزيرة العرب، او ايران، او الاناضول. واليوم اجبروا الالاف منهم، ان يعيشوا على صدقات الامم المتحدة في سوريا، ولبنان، والاردن، وبلدان اخرى. ومن بقي من اهلهم في وطن الاباء، والاجداد، يعانون الارهاب، والمضايقات، والمحاربة. ان الذين يتفاخرون اليوم بان العراق ارض الحضارات، ومهد العلوم، ومسلة حمورابي، وارض الكتابة الاولى، ينسون ان اجداد هذه "الاقلية" هم من بنى سومر، واكد، والوركاء، وبابل، ونينوى، واوروك التي اشتق اسم العراق منها، وان احدى عجائب الدنيا السبع ترتبط باسمهم. يطلقون عليهم اسم الاقلية، ويعملون بكل وحشية، ودناءة على محاربتهم في رزقهم، وارضهم، ووطنهم لحملهم على الالتحاق بمن نزح، وهاجر، مرغما، مضطرا من وادي المسيحيين.

في خمسينات، وستينات القرن الماضي كنا نسرع صباح يوم عيد الميلاد لنشاهد اصدقاءنا، جيراننا، احبتنا زملاء دراستنا، وهم يصطفون حاملين سعف النخلة الخالدة بملابسهم الزاهية متوجهين في مواكب بهية للكنائس العتيقة والاديره القديمة، يرددون التراتيل، والصلوات. النساء تخرج لتتضرع لمريم العذراء و"يطشون" مسيرة السعف، والصلبان بالواهلية. واليوم يذهب مسيحيوا البصره، وغيرها الى كنائسهم خلسة كمناضلي الاحزاب السريه، او ايام الدعوة الاولى. انني اشعر بالخجل لهذا السلوك الهمجي تجاه سكان العراق الاصليين. كما شعرت بالخجل يوما عندما وبخني ابي المسلم المتدين لانني لم ارافق المسيرة الى ابواب الكنيسة، كما كنا نفعل كل سنة. ابي المتدين هذا لم يمانع ان اعمد مع صديقي رياض، وموفق ابناء العم اسكندر في كنيسة مسيحية. ماذا تراه سيقول اليوم لهؤلاء الاوباش الذين يلاحقون المسيحيين في عراق اليوم كما فعل رجال الكابوي مع الهنود الحمر. الغازي يبقى غازيا مهما مرت السنين. فعتاة الفرس، والسلاجقه عادوا، وهم يسعون ان يحولوا حواري المسيح في العراق الى جواري. لقد صبغ هولاكو مياه نهر دجلة بحبر الكتب، واليوم يقوم المغول الجدد بتلوين شوارع وادي الرافدين بدماء اتباع رسول السلام.

لا املك غير طلب الاعتذار ممن قدموا لنا وطنا احرقناه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خلافات بين نتنياهو والأجهزة الأمنية الإسرائيلية حول اقتراحات


.. صواريخ ومسيرات حزب الله -تشعل- شمال إسرائيل • فرانس 24




.. الانتخابات البريطانية.. بدء العد التنازلي للنتائج وترقب لمست


.. إيران تبدأ فترة الصمت الانتخابي قبل الجولة الثانية من انتخاب




.. الجيش الروسي ينشر صورا لاستهداف مقاتلة أوكرانية باستخدام نظا