الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وضحه .. قصة قصيرة

طالب الجليلي
(Talib Al Jalely)

2017 / 1 / 30
الادب والفن


وضحه .... قصة قصيرة



لم تستطع الأعوام ان تغير من ذلك الرجل وهيبته سوى تلك الخطوط التي بكرت في ان تفرض نفسها أسفل جفنيه السفليين !! وتلك اللحية التي سارع الشيب في طغيانه فأضحت بيضاء كالثلج .. اما ذلك الوقار وتلك الهيبة فقد رافقا الشيخ امفرج كظله !!
متى ينام ؟! كثرت الاقاويل والقصص حول ذلك واضيف لها الكثير والمثير .. كان يمضي ليالي الصيف متكئا بكوعه على وسادة مطوية وكانت جمرة سيجارته التي لا تنطفيء ، هي الدليل عليه وهو يتمدد على سجادته في الفسحة المقابلة لبيت الشعر ..
بعد صلاة الفجر ، وكالعادة راح يشد حزام السرج على قفا فرسه الحمدانية وكان قد ارتدى ملابس المناسبات ... فهم ابنه البكر محمد مقصده حين لمحه وراح يلتهم فطوره بسرعة ويحاول بصعوبة ان يدفع لقمته دفعا بمعونة الشاي الذي كان لم يزل حارا وتكاد لهاته ان تحترق بسببه .. ارتدى حلته بسرعة وهو يحاول ان يتفادى زعل ابيه ... أسرع في تجهيز فرسه هو الاخر غير عالم بالجهة التي نوى ابوه على التوجه اليها ... !! فآل لنفسه متسائلا : ترى اي ( وضحة) سوف نذهب اليها هذه المرة ..؟!
ماتت وضحه قبل عشرين عاما ... ظل طيلة هذه الأعوام يبحث عن وضحة اخرى تشبهها .. !! في كل مرة يذهب هو وابنه ويخطب فتاة قالوا له انها تشبه وضحه .. في اليوم التالي لزواجه يقوم بتطليقها وهو يقول : ما هي وضحه !! تزوج عشر مرات وبعد كل زيجة يردد لازمته تلك :ماهي وضحه ... !! في احد المرات حاول محمد ان يقلل من قيمة امه وضحه لدى ابيه عسى ان يردعه بلطف .. قال له : يبوي .. لقد كانت أمي عوجاء القامة !!
كيف ؟ تسائل ابوه ... !! اجابه ساخرا : حين كنت طفلا ، اتذكر انني كنت اعبر زاحفا من تحت خصرها وهي نائمة على جنبها !!
اجابه الشيخ امفرج : وهذا هو الذي يقتل ابيك يابني ..!!!
قالوا له : هذه المرة سوف لن يخيب ضنّك ! انها وضحه !! كأن الخالق قد قسمها الى نصفين ..!! لقد وجدناها لك يا شيخ امفرّج!!
ربطا فرسيهما في باحة البيت واتجها الى مضيف الشعر ..! كان الوقت باكرا ..حرصا على ان يصلوا في الصباح لكي يعودوا قبل الظهر.. قطعوا الصحراء عصرا ، امضوا ليلهم سائرين حتى وصلوا صباحا الى ذلك الفريج !!
أقبلت عليهم الفتاة تتهادى مرددة :ياهلا بالضيف ..! كانت في مشيتها كأنها مهرة أصيلة .. رمقها الشيخ بنظرة وهو يتابعها بنظرة متفحصة طويلة حين راحت تقلب الجمر في وجاغ دلال القهوة ... هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة .. لا يشتكي قصر منها ولا طول !! للمرة الاولى بعد دوامة البحث التي دامت كثيرا وهي تقضم سني العمر ...!قال في داخله وقد خطر بيت الشعر ذاك على خاطره : يبدو ان هذه الدوامة سوف تتلاشى ثم تهدأ ...!
عادت ترحب بهم مرة اخرى بعد ان أخذت من القمقم شيئا من القهوة الحارة ،أفرغتها في احد الدلال .. خرجت من المضيف وراحت تتطلع بعيدا نحو الجمال التي رافقها والدها وأخيها راعية في الأفق .. وضعت كفها على جبينها متقية أشعة الشمس وراحت تدحق من بعيد وهي تستذكر قصة الشيخ امفرج الذي ذاع صيتها !! تسرب الى قلبها الشك !! أظن انه هو ، وذاك الشاب ابنه محمد !!
عادت الى المضيف بعد ان يأست من قرب وصول ابيها او احد اخوانها .. لو كانت أمها على قيد الحياة لقامت بدورها في استقبال هذين الضيفين ؛ قالت في داخلها ...
تناولت الدلة يكفها الأيسر .. أمسكت فنجانا ثم وضعت آخراً بداخله واتجهت نحو الضيفين مرحبة ... سكبت القهوة في الفنجان وقدمته الى محمد ! ... جفل الشاب معتذرا وهو يشير اليها والى والده وقد انعقد لسانه من الخوف والارتباك !!! نظر الشيخ الى الفتاة طويلا وهي تمد له يدها بالفنجان بعد ان اعادت القهوة الى الدلة و وسكبت له في الفنجان الاخر ... ! قال لها اخيرا بصوت شابه بعض التهدج !! لا يا بنيتي !! اسقي الشاب اولا ...! أضاف : عمك قد عاف القهوة منذ زمن بعيد ...
قام الشيخ وهو يشكر الفتاة ... سارع محمد الى فرس ابيه وفك رباطها .. أمسك ركاب السرج في الجانب الاخر مثبتا إياه وراح الشيخ يمتطي فرسه .. سارع الى امتطاء فرسه هو الاخر وراح يتبع ابيه الذي لوح للفتاة بتحية الوداع ... قال وهم يبتعدون عن بيوت الشعر ...اااه يا ولدي ... الان ماتت وضحه و الى الأبد ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف


.. فرحة الفنانة أمل رزق بخطوبة ابنتها هايا كتكت وأدم العربي داخ




.. أون سيت - الأسطى حسن .. نقطة التحول في حياة الفنان فريد شوقي