الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مآل النهضة

سماح هدايا

2017 / 1 / 30
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تغييب شعبٍ وتركُ أجياله بلا أمل هو عدوان تحكّم لعقود، ولم يعد بممكنٍ تجاوزه إلا بحرب تحرّر وثقافة وتنمية.
غياب المرتكزات الفكريّة التي يجب أن يتأسس عليها المشروع السياسي التحرّري السوري، تم تعويضه بربط الهوية بإشكاليات تاريخيّة تضخّمت عللها، وكادت تفتك بمآلات الثورة التي قام بها الشعب السوري. فالتأخّر في إنتاج مرجعيّات فكريّة جديدة لهويّة سياسيّة وطنية، حصر الساحة بهيمنة المرجعيات الراسخة في ذهنية الماضي والعاجزة عن تلبية مطالب الحريّة والتنمية، تمدّدت في كتل تقليديّة للمثقفين والسياسيين وحملة الشعارات التقدميّة ورجال الدين، وأنتجت جدلا ضحلاً وفصائل سياسية وعسكرية، تتقاتل لبسط نفوذها وسط أوضاع إنسانية مترديّة وحرب بشعة، زادها فظاعة وصول الجاهلين والظلاميين والفوضويين إلى العمل الثقافي والتنموي والإعلامي، فساقوا الفكر إلى تعسّف وتفاهة والثقافة إلى سطحيّة والإعلام إلى هرج وفتنة.
لا ينصلح الوضع بالبندقية، فقط، وبالشعارات والمنابر الكلامية ومنصات الدردشة والتمكين، المفصولة عن سياق وطني نهضوي شامل، فالمطلوب للقيامة إنجاز إنساني أصيل عميق وشامل يتخطّى الجهل والبدائية والذل إلى العلم والتنوير والعزّة. القيادات الفكرية والسياسية والاجتماعية الواعية، محتّم عليها إجراء مراجعات للخطاب السائد وتفعيل منظومته الثقافيّة، لتنسجم مع آمال الجماهير وقضاياها المصيرية، وتتشابك بنويا في تأسيس هوية متماسكة... قد يبدو هذا صعبا، الآن وربما يستغرق عقودا، ويستدعي ثورة أوسع؛ لأنّ إرث التخلف ثقيل والفساد متمكّن، والأعداء كثيرون، لكنّه لازم، فللمعركة السياسية أبعاد فكرية وتاريخيّة ودينيّة وجغرافيّة.
تكرّست الإشكاليّات الوطنية والقومية بمسار الخديعة الكبرى للاستقلال الذي كان في الحقيقة تقسيما للمنطقة ووصاية غير مباشرة، بتركيب منظومة سياسيّة اجتماعية اقتصادية متخلّفة، ولم يقدّم مشروعا فكريا أو سياسيا، يخدم والتنوير، ولم يبتكر جديدا بمعايير منهجيّة ومستقلّة. فتفاقمت المشاكل وأنتجت إشكاليات جديدة، حلّها في التعليم والتثقيف والتفكير الحر والناقد والمنهجي، لا الاستنساخ والترقيع. والتبعيّة والتقليد.
مايحصل الآن هو محصلة الماضي السياسي الملفوف بخديعة الاستقلال في أقطار. كل قطر "مستقل"، انعزل وأغلق على نفسه برمز رقمي ثقافي جاهز ثابت، فتقاعد عن النضال وقعد عن الاجتهاد المعرفي والفلسفي، راضيا بمنظومته الثقافية المنسوخة من الأعلى أو من قراءة جامدة وماضوية؛ سلفية وأخوان ويسار وقومية واستشراق واستغراب، يخوض في صراعاتها الفارغة في مشهد خارج الحياة والإنجاز الحضاري، بلا تحديات حقيقية. شعارات التغيير كانت شكليّة وضيقة لأهداف سياسية سلطويّة، ولذلك فشلت واستمر التأخّر التاريخي فكريا وعلميا وسياسيا وتعمّق. حتى التحدي الوحيد الذي اتفق عليه الجميع وهو "إسرائيل" استلمت ملفّه الانظمة المتسلطة، لكي تسخّره وفق مصالحها.
لكنْ، لما بدأ المجتمع يتعب من علله، وأوشك أن ينهار، وفقدت الجماهير قدرتها على التحمّل، انفجر الشعب كبركان هائج، لإسقاط الأنظمة القمعية المستبدة التي تستغلّه وتضطهده ولا تلبي إنسانيته، وثبت في معركة توحّشها عليه وعلى الثورة، واستمر يقاومها بإرادة جبارة، يبذل الدماء والتضحيات. صحيح أنّه لم يتمكن حتى الآن من كسب الحرب والتغلّب عليها ، ولم يتمكن من أنجاز مشروع التحرر والنهضة، بسبب غياب ركائز فكرية وثقافية وسياسية متينة تنوّره وتصقل وعيا وطنيا تاريخيا بحجم التحديات؛ لكنّه ملزم على المثابرة.
إنّه زمن النهضة مع أنّه عهد المأساة، فرغم فداحته اسثنائي وإيجابي، يقود الإنسان والمجتمع لمواجهة الأشكاليات والأسئلة بإبداع الحلول للتغلب على الإخفاق، فالمصير قرار؛ يضطره أن يبقى ويقوي دعائم وجوده، بإلتفكير وإعادة التفسير والفهم والمراجعة والتقويم، لينجح في الحرية والنهضة. الخسائر والإخفاقات هي استفزاز للعمل، وعوامل إحماء قسري لتفجير الكمون والسكون الذي رقد فيه العقل العربي وسبت لزمن طويل، نحو مرحلة حيوية جديّة لإنتاج فكري وسياسي واجتماعي.
المجتمع العربي بعد خروجه من الدولة العثمانية التي ارتبط بها باسم الدين، ثم استقلاله عن دول الاستعمار الغربي المباشر، تحكمت به أنظمة فاسدة مدعومة استعماريا، لإبقائه متخلفا مستعبدا بأوهام سياسية تحت مسميات دويلات: جمهورية علمانية، وخلافة إسلامية، وإمارة، ومملكة وها هو يقف الآن، وجها لوجه، أمام إشكاليات المشاكل التاريخية التي كشفتها الثورة وأظهرت فشل التعامل معها؛ فاكتشف خسارته وانخداعه بالأفكار الجاهزة والساذجة التي اعتمد عليها، كمثالية الرابطة الدينية العالمية، وهو يرى المسلم الإيراني والزينبي والأفغاني جاء يقاتله باسم الله، والمسلم التركي يساعده بمنطق مكسبه ومصلحته. ومثل ذلك زيف الأفكار السياسية التقليدية، لما رأى الروسي حامي اليسار يكشّر عن عدائه للشعب السوري يقتله ويهدم مدنه، كالامبريالي الغربي داعم الطغيان والمعتدي على البلاد. والقومي يتآمر عليه. والعلماني يطلق حروبا دينية.
الواقع العربي الآن موضوع أمام تحديات لم تكن من قبل، بهذا الشكل من الجديّة والخطورة والوضوح، لاسيما مع الحرب المفتوحة باسم الإرهاب الإسلامي. التحديات إيجابية مهما كانت التكلفة كبيرة، لأنّها أيقظت العزّة في النفس، وستنتج فضاءات فكرية عن الأسئلة المصيرية كالإسلام والقومية والأمة والدولة، متخطية صراعات الأدلجة في بحث عن الهوية. الفرصة الآن تاريخية للسوريين والعرب لأن هناك مرجل مخاض وتغييرات دولية خطيرة، يمكن استثمارها بإرشاد من قيادات فكرية وسياسية جديدة واعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا