الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية قتيلة / قصة قصيرة الى روح اختي .

سمرقند الجابري

2017 / 2 / 2
الادب والفن


حكاية قتيلة
الى روح اختي

شباط 1977:
كان يوما باردا عندما ولدت أمي بنتا سمراء اختار لها ابي اسما من كتاب الف ليلة وليلة أراد ان يكون اسمها "انس الوجود" تيمنا بجارية فطنة محبوبة ذكية ، ومن اول يوم لها في هذه الأرض عقدت صداقة مع ضعف صحتها، لكن طالعها من برج الدلو كان يميل لجعلها كثيرة الحركة كنحلة تحب بستانها، عرفوها محبوبة من اقاربها وجيرانها وكل من عرفها اعترضت جدتي على الاسم وانتظرت التحاق أبي في الجيش الشعبي لتخرج لها هوية أحوال مدنية باسم " انيسة" قائلة للضابط المسؤول عن التحقق من الأسماء :-" عيني ما عليك شمكتوب ببيان ولادتها، اكتب انيسة ، لا أنس الوجود ولا بطيخ، قربانه للوعد ،ابوها بطران "حمودي" حيكسر حظ بناته بهالاسماء "

تشرين الأول 1983:
دخلت المدرسة وتعلمت الكتابة، احبت الرسم فلقد كانت ترسم اشياءا غريبة عن عالم تراه وحدها، أتذكر ذلك اليوم الذي خرجت فيه منتصف الليل راكضة في الشارع بلا وعي وهي تصرخ ( جمر ، جمر) كانت ترى في لحظات فقدانها للاتصال بعالمنا ما يحرق جسدها اخذها أبي الى طبيب نفسي وكنت اراقبها وهي تدفن الدواء تحت شجرة التوت الكبيرة في بيتنا كارهة طعمه ومفعوله ، ولكن جدتي زكية اختارت لها شيخا قرر ان يربطها الى شباك فضي ويقرأ تعاويذه عليها ابنة الست سنوات التي كانت ترى الجن القصار القامة ذوي العين الواحدة وهم يتقافزون لإحراق اخوتها النائمين.

كانون الأول من سنة ما:
كبرت " نوسة " ودخل اخوتها الثلاث الذين يصغرونها معها الى الابتدائية لتتولى مهمة اصطحابهم معها وتوجيههم كأنها أم، تلك الفتاة القصيرة التي تسميها جدتي " فلفل" لأنها كانت تتحرك بسرعة وحيوية، فلفل تعلمت فنون الحياة لامرأة كبرت مبكرا بسبب مرض والدتها، فلفل تعلمت الخياطة، فلفل لا تنام ظهيرتها لتطبخ اشياءا غريبة تخترع لها اسماءا تضحكنا، فلفل حبيبة ابيها التي لا يزعل من لسانها الطويل الذي يشابه لسان الغجر.

شهر ما من سنة 1992:
يدخل والدها السجن ظلما، وترى عالما آخر اشد قسوة، تتولى مهمة أكبر من عمرها الوردي وتحاول امساك تفاحتين في يد واحدة، تكتب مذكراتها عن اول حب لها وأول موعد قرب جسر الصرافية، تتفتق الانوثة مثل النار في اوردة فتاة الفلفل، وانا كأخت كبرى اتلصص على عالمها وكقوات التدخل السريع أتواجد كي لا تسقط حمامة قلبي في شراك آدم.

أيلول 1998
تتخرج من معهد الإدارة، مخلفة وراءها عشرات القلوب التي كانت تتمنى ان تكون " نوسة" زوجة لهم"، ورغم تاريخ والدها المعادي لأنظمة بلاده الدكتاتورية التي تحرم ذوي المعارضين من حق التوظيف، استطاع ذلك الذي يقدس مسيرتها ان يجد لها وظيفة حكومية ويظلل المخبرين الذين يتقصون سيرة الموظف قبل تعيينه، صارت أبا لنا، تتفقد نواقص البيت وتعيل افراده بمرتبها الذي طرح الله فيه كل بركته.

تموز عام 2000
يساق والدها للإعدام بالسم، وتصاب والدتها بالعمى، ولكنها تعرف كيف ترمم بيتها بالفرح.

شباط 2006
تختار لها الاقدار زواجا بائسا من رجل لا يعرف الحب، وتنجب ابنتها التي تشابهها حظا ولا تمكث في دار إلا وانتقلت لغيره فلا يتغير طالعها الموسوم بالتعب، ولا تتغير ضحكتها الحلوة، كانت أياما من الحنظل وهي تتعرض للضرب لأول مرة في حياتها.
من أمن للزمان فهو خاطئ، فبعد عام ونصف يحرق زوجها البيت ويرمي عليها يمين الطلاق، عادت لتعيش معي هي وابنتها " مريم" فصرنا عائلة من امرأة مطلقة وأخرى ترى في عدم الزواج اختيارها الأفضل، كنت اعود من عملي لاجد روحا تبدد وحشة بيتنا الواسع في الوزيرية، ونختار مساءات بين التبضع والشواء وزيارة الأصدقاء كأننا نكتب قصة حلوة لثلاث نساء " مريومة، ونوســــة، وانا"

2009- 2013
ست سنوات، يتوافد الخطاب على اختي وهي ترفض، ست سنوات كانت استراحتها الوحيدة من العذاب، فلقد استأجرنا دارا حلوة قرب دجلة، وعادت أصغر اخواتي للعيش معنا هي وأولادها، يا رب هل كانت السعادة تعلن الصلح وتمد يدها لتمسد على قلب اختي، أم كانت الأعوام تستغفر عن ذنبها بحق عائلتي، غير ان الاستراحة انتهت بسـرعة.

حزيران 2013

تتزوج من رجل مطعون بالصمت والانزواء، يشابه زوجها الأول في موت قلبه وطمعه بما تملك، اختي كان لديك حلم بأن تمتلكي دارا من كد يديك، تحرمين على نفسك لذة الشراء لتجمعي المال لاجل حلمك، اختي كنت تحلمين بان تلدي ولدا كي تحققي لأمي الراحلة رغبتها، عام ونصف من وجع خفي ، لم تخبري أحدا بحزنك الجديد ونارك تحرقك وحدك وانت كل يوم تأكلين نفسك " هل اظل مع رجل يظلمني خوف الطلاق للمرة الثانية ، ام الوذ بصمت ينخر عظامي الناعمة ، تزوجت لعله يكون أبا لابنتي او حبيبا يعوضني او عائلا ، بل كان علة أخرى هو وبناته على قلبي".


شباط 2015
عام ونصف من المشاكل والحزن ، ولكنك تنتفضين هذه المرة ، ولا تقنعين بطفلك الذي حقق الله لك نعمة ان تحمليه في احشائكِ، جاء متأخرا ، فلا فرح يكتمل لديكِ، لانك لم تعودي تحبين ان تظلي مع رجل يهينك ويضرب ابنتك ، تقررين الطلاق بعد الولادة، اذن سيحرم زوجك من نعمة التمتع بما تدرينه عليه من مالك ، سيعود كادحا ذلك الذي تعلم ان يعيش اميرا بفضلك بعد ان كان يعمل من الصباح الى المساء ، ذلك الذي كان يخجل مني ويقول انه يتمنى ان يعلو لمقامكِ، ترى كم لزمه من الوقت ليقرر مع قريبته القابلة المأذونة على تدبير خطة قتلك بجرعة زائدة اثناء الولادة لتمزق رحمك المسكين ولتنزفي حد الموت سرا بدون اخواتك الأربع ، يختار لك الله الشهادة ، ويختار اليتم قدرا لابنتك وابنك من بعدك ، ترحلين من مساء قارص البرد تاركة نارا لا تهدأ تاكلني طفلان بعدك يحملان قدرا غامضا ، وقصة امراة اختار لها ابي اسم " أنــس الوجود " لكنها لم تر غير تعاسة وجودها في الحياة ، تمضين بعد ستة وثلاثين ربيعا الى جنتك راضية مرضية .

من مجموعتي القصصية (علب كبريت )
دار الروسم
2016











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث