الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار الحالم وطغيان الأيديولوجيا المجموعات اليسارية الناقمة على -إعلان دمشق- نموذجا

مفيد ديوب

2006 / 1 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إن الحديث عن أزمة اليسار وفشل أحزابه في عالمنا المتخلف " ذو شجون " ويحتاج بالوقت ذاته إلى جهود كبيرة من المشتغلين بالحقل النظري والفكري وتوجه تلك الجهود إلى الجذور العميقة في التاريخ الاقتصادي ـالاجتماعي والسياسي من جهة وإلى التاريخ الثقافي عموما والثقافة السياسية خصوصا0 وبتوجّه سريع هنا لإلقاء نظرة عاجلة على أسباب فشل أحزاب اليسار نجد أنفسنا أمام ممر إجباري يفضي إلى تلك الجذور" التاريخية "وأكتفي بالإشارة إليها وبالاستخلاص إلى تعلقها " بتخلف البني الاجتماعية الاقتصادية لمجتمعاتنا" والتي أفضت إلى عدم قدرة تلك البني على فرز قواها الخاصة التاريخية التي تراكم نضالاتها وصولا إلى حالات متقدمة هذا من جهة وإلى فقر الثقافة وحالة الإعاقة التي تعاني منها وخاصة في المجال الفكري ـالسياسي وتحولها بذاتها إلى إعاقة كبيرة لأي منتج عقلي جديد هذا من جهة ثانية, وهذا الأخير بدوره ما أجبر رواد النهضة عندنا إلى الاستنجاد ـ لسد هذا العجز والفراغ ـ بالفكر الأوروبي المتطّور والذي قطعت مجتمعاته أشواطا هائلة من التطور ,أملا من مفكري النهضة بأن جهودهم تلك واستجلاب المقولات والمفاهيم والنظم الغربية وتطبيقها ستفضي إلى ردم هوة التخلف بيننا وبين الغرب ,إلا أن ما زاد من تعقيد الأمور والصعوبات أمام مهمتهم الإرادوية ومن ثم فشل مشروعهم, انزلاق دولهم الحديثة العهد إلى مستنقع الدول الشمولية وأنظمتها الديكتاتورية التي سيطرت على مجمل تاريخ شعوب " الحضارة العربية ـ الإسلامية ".وإلى تدخل عدواني من ذاك الغرب "المعتدى به " وإنشاء دولة إسرائيل العدوانية العنصرية الطامعة والمهددة للوجود والمشاريع0 وكل ذلك على أنقاض مشروع الدولة الوطنية البرجوازية الديمقراطية التي لم تكاد ترى النور .

فالأفكار و الأيديولوجيا المستجلبة من الغرب أو حتى المعرّبة محليا لم يتاح لها الفضاء الديمقراطي كي يتم اختبارها تفهمها إثرائها / مقاربتها للواقع / مما أدى ذلك إلى تحوّلها إلى منظومات فكرية جامدة دخلت في حقل التقديس وتكلست, وعجزت الأحزاب عن الإفادة منها واشتقاق المهام السياسية التي تفرضها احتياجات الواقع وكل هذا أودى أيضا إلى طغيان الأيديولوجيا في الوقت الذي لم يتاح للنخب من التعرف على السياسة وعلى ممارستها وخطواتها التراكمية, وعليه وجدت القاعدة الذهنية العربية السابقة " إما كل شيء وإما لا شيء " نفسها هي المستمرة والسائدة أيضا 0 لقد أدى ذلك إلى هدر نصف قرن كي تكتشف تلك النخب أنها مارست الأيديولوجيا باسم السياسة, وإن طغيان تلك الأيديولوجيا جعلها مقطوعة الجذور في مجتمعاتها وعنها, ومحصورة في دكاكين النخب المفلسة, وأنها هدرت نصف قرن وهي تتصارع مع بعضها دون أن تفكر لو لحظة بضرورة الاعتراف يبعضها وتفتش عن قواسم مشتركة للتأسيس لمشروع وطن جديد يلبي احتياجات أبناءه 0

وما نشهده اليوم من حراك فكري وسياسي بطيء ليس سوى استيقاظ متأخر من سبات أشبه بالموات, ومحاولة التقاط بعض أسباب الفشل و تجاوز المحن بأقل الخسائر, وتعلّم أبسط أشكال ممارسة السياسة بمعنى التفتيش عن المشتركات الوطنية الديمقراطية بين مكونات المجتمع وتعبيراته السياسية للتأسيس لمرحلة انتقالية ما بين الديكتاتورية وبين المجتمع المفتوح على آفاق أفضل, وحرف المسار عن فراغ يفضي إلى الفوضى والاحتمالات الخطرة 0

إن الاستمرار من قبل اليسار باستخدام المقصات الصدئة في رسم الأهواء والرغبات النظرية الفكرية والسياسية ومحاولة فرضها على الآخرين, ومحاولة قسر الواقع على تلك التصورات النظرية ليس سوى استمرار هيمنة الأيديولوجيا وطغيانها على السياسة في وقت ( يمنع اجتماع أكثر من ثلاثة ) 0 إن من يقلل من حجم المشكلات التي تعانيها شعوبنا سواء من التخلف في الثقافة المهيمنة, أو سواء في تخلف البنيات الاجتماعية ـ الاقتصادية وعلاقات الإنتاج, مرورا بما أفرزته الدكتاتورية وحالة العجز المجتمعي تجاهها, وصولا إلى المجتمعات التي لم تندمج وطنيا, والتهديد بالاقتتال الأهلي الذي يلاحقها, وبالنهاية إلى مشكلات المعارضة السياسية وتمزقها وتشرذمها 0

إن من يقلل من ثقل وحجم ذلك كله يقفز فوق الواقع ويقع في فخ التنظير, ويتحول إلى إعاقة أمام مراكمة خطوات سياسية تعالج المشكلات المباشرة على الأرض 0 وإن اتهام " المجموعة اليسارية "لإعلان دمشق" وفهمها له أنه "ديمقراطية الطوائف" و"سيء الذكر" يقفز من فوق حقيقتين :

الأولى : هيمنة الثقافة والوعي والممارسة التكفيرية التي سادت خلال النصف قرن المنصرم بين جميع مكونات الشعب السوري, وبين نخبه السياسية أيضا, وكان أبرزها حالة التكفير بين اليساريين والعلمانيين عموما وبين الإسلام الديني والسياسي و حتى الثقافي,وتفاقم هذه الحالة كثيرا بادعاء السلطة الديكتاتورية العلمانية, و هي التي ألغت السياسة و مارست العنف ضد الجميع0 وخاصة ما حصل من عنف متبادل بين السلطة و الإخوان المسلمين وصدور قانون /49/القاضي بإعدام من تثبت انتماؤه لذاك التنظيم , وتحوّل ذاك القانون إلى سيف مسلّط على رقاب جميع أبناء الطائفة السنية دون استثناء0 كل ذلك أفرز احتقان طائفيا إضافيا على أرضية اتصاف النظام من قبل خصومه ب"الحكم العلوي"0 حتى بات الجميع يخاف الجميع وطحنت هذه الرحى من جملة ما طحنته الانتماء للوطن أيضا, ودفعت به إلى الانتماء إلى الجماعات "الما قبل" وطنية 0 أمام كل ذلك بات من الضروري على القوى السياسية العلمانية معالجة هذا الأمر بواقعية وابسط شيء يمكن أن تقوم به هو إرسال الرسائل التطمينية إلى المكونات الإسلامية ولكامل أطراف مروحتها الواسعة, والاعتراف بهم بوجودهم ودعوتهم إلى المشروع الوطني الذي هو قيد التشّكل0 ومن هنا أهمية "إعلان دمشق" أو أعمال مشابهة تراكم باتجاه رفع واستنهاض الطاقة الوطنية على حساب ما قبلها ,وجذب السوريين إلى ميدان السياسة على حساب استمرار إدارة الظهر لها, وعلى حساب العنف ومخاطره , في الوقت الذي نشهد أطراف المروحة الإسلامية تتقدم بمجملها وتتأرجح بالوقت ذاته ما بين " الإسلام العلماني"وبين الإسلام الجهادي التكفيري 0 إن دور العلمانيين واليساريين في التعاطي الايجابي سيساهم بشكل فعال في سحب ورقة العنف من التداول ,لكن الدور السلبي المتشنج والتشكيكي واستخدام المقصات الفكرية والسياسية القديمة سيساهم بدفع الكثير من تلك الأطراف إلى القطب ألعنفي الذي يتربص بالجميع وسيكون "اليسار المتشنج" قد تسبب بانتحاره وانتحار الوطن 0

الثانية : ينسحب ما سبق على القوى السياسية العلمانية التي لم تتعود ممارسة السياسة بصفتها التفتيش عن المشتركات عوضا عن التنقيب عن المختلفات وتعميقها التي اعتادت نهجها 0 وهذا ما يستوجب منها ومن جميع المتشاركين في مشروع ما تقديم التنازلات الفكرية أو السياسية كي يتم التوصل إلى صيغة توافق يقبل بها الجميع , ومن يرفض تقديم التنازلات لإنجاح عمل جمعي فهو مستمر في إقصائيته السابقة محاولا فرض منطقه على الآخر المختلف على قاعدة " إما أن تكون معي أو أنت ضدي " كما لا يقبل إنجاز المهام على مراحل وخطوة خطوة , بل هو متمسك بأوهامه وأحلامه بأن تحصل معجزة وتحقق له ما يحلم به0 وينطبق عليه المثل الشعبي " من كبر الحجر ما ضرب " ويكتفي بتكبير اتهاماته على الآخرين الذين يحاولوا أن يفعلوا شيئا0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير