الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدمات سياسية ...قراءة في عرض مجاني للجميع لأحمد الشيخ

محمد سمير عبد السلام

2006 / 1 / 13
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يرصد أحمد الشيخ – في مجموعته عرض مجاني للجميع عن قصور الثقافة 2004- التأثير اللاواعي للصدمات السياسية و الحروب على شخوصه ، من خلال علاقة الكتابة الحلمية الأوتوماتيكية ، بالظواهر السلوكية في الواقع ، و من ثم إبراز الواقع في وحشيته كأنه خارج للتو من تداعيات اللاوعي و علاماته المنتجة من صدمات الوقائع السياسية ، و تجب الإشارة هنا إلى أن الحادثة التي تم تحويلها إلى كتابة لم تكن معزولة عن الاندفاع الغريزي للتدمير وفق فرويد أو تحولات الصورة عند بودريار و ديريدا .
لقد استثمر أحمد الشيخ هذا الجدل المفتوح بين ما هو سياسي و بدائل الواقع المختلفة في الكتابات الطليعية ، ليحول صدمة الحرب إلى حالة من الدهشة يمارسها أبطاله أمام دخولهم الحتمي في مصائر و سياقات مضادة لهويتهم ، بل قد يفشل بعضهم في معرفتها من أثر التحول و التدمير .
و بهذا الصدد يرى فرويد أن الحروب الطاحنة تؤدي إلى إصابة عدد كبير من الناس بما يسمي بعصاب الصدمة أو عصاب الحرب ومن شدة تعقيده أنه قد يصيب من لم يتعرض لحادثة كبيرة من قبل ( راجع – فرويد – ما فوق مبدأ اللذة – ت – إسحق رمزي – دار المعارف سنة 1980- ص 31 و ما بعدها ) ، فقد ينشطر السارد بفعل الصدمة السياسية إلى أكثر من ذات حضارية في نص ( كوابيس و منامات ) ، فيتعدد صوته تبعا لاختلاف حلول هذه الذوات في شخصه الذي صار مجالا للجوع و الرعب و الاتهامات غير المبررة التي تشبه مستعمرات التعذيب المتخيلة في محاكمات كافكا أو أنها خرجت من مسرح العبث إلى الواقع السياسي ، فمن التخبط و الهروب في المغارات الأفغانية إلى القنابل و الحكم بالإعدام ثم سعي السارد – بوعي – إلى الموت ، كرد فعل لهيمنة الذاكرة الملوثة بدماء القتلى ، كأنه يستعيد أوزوريس و يتمثل نفسه قربانا حضاريا مفككا بفعل الذاكرة .
و في ( عرض مجاني للجميع ) يتلقى البطل و جيرانه دعوة خاصة لحضور عرض افتتاح سينما بمكان راق ، و في هذا العرض يعايش البطل الواقع من خلال حضور الصورة السينمائية و قدرتها على استثارة الصدمة السياسية في لا وعي البطل ، بل صناعتها أحيانا ، فالعرض يبدأ برقص أنيق ثم يتجه إلى العري البدائي ، ليستبدل المدلول الحضاري الإنساني في عالم الصورة ليكشف ازدواجية الفعل / الرقص و عدم معقوليته ، و انفصاله عن الخطاب الكلامي ، فالرقص يجسد اندفاع الغرائز بما تحمله من معان فرويدية على الإيروس و التدمير معا ؛ إنه يعيد تكوين عقول المشاهدين نحو الانسياق في لوحة تجمع بين اللذة و الرعب ، و قد بدأ ذلك من الشخص الأنيق صاحب الدعوة الذي يخفي عالما مدمرا يتصل بصدمة اللاوعي الكامنة ، و مع تقدم العرض تبدأ مشاهد حروب غير متكافئة ، و أصوات قتلى و مظاهرات و عنف غير مبرر يضعنا أمام كتل تصويرية بشرية تشبه الدادا آرت dada art حيث يتجانس الصوت المذبوح شكليا مع الرقص و الموسيقى و ابتسامات الترحيب . النص هنا يبدأ من رصد خطاب القوة لنقده ، و لكنه على نحو غير واع يتجه بالإشارات السردية إلى تحويل لعبي لعمليات السياسة و العنف في علاقتها بالرقص و الغرائز حيث يصير العقل الناقد فضاء لاستقبال تناقضات الصورة المؤولة للصدمة و المنتجة للكتابة المضادة لها في آن من خلال الحلم .
و في ( لعبة الصحو و المنام ) يقيم السارد مونتاجا بين الشطرنج الآلي على الكمبيوتر ، و صوت الدبابات و الطائرات المهدد للبطل كأنه دائما في وضع المتهم ، فالشطرنج يقهر الماضي المجيد للبطل في ممارسة اللعبة على المقهى و انتصاراته التي يأبى الكمبيوتر أن يعترف بها . لقد تحول البطل إلى ضحية أسطورية للذكاء الاصطناعي ، مثلما وجد نفسه متضائلا أمام هجوم الدبابات ، فلجأ إلى الفرار من العملاق الأسطوري المتقن للحرب فينتهي الأمر بأسره . ونلاحظ تواتر تضخم الآلة بين الخطين السرديين حيث تقهر الوعي و تطلب التقديس المباشر من داخل منطق اللعبة . ويحتمل النص حركة مضادة وسيطة بين المشهدين الرئيسيين ، و هي احتلال عناصر الشطرنج لأنماط واقعية من الناس فالملك ليس قويا في ذاته لأنه يتحرك خطوة واحدة في المرة . أما الحصان فيؤول الشخص الانتهازي حيث يقفز فوق الآخرين . ما الذي يمثل مرجعية السارد هنا ليرى من خلاله العالم ؟ إنها اللعبة التي تغير من نسق الإشارات الواقعية و تحولها إلى واقع فائق أكثر قوة وحضورا مثل الآلة .
و يمتد الواقع الحلمي مثل كائن خرافي يعاين لحظة التكوين من داخل واقع البطل في نص( المنام المعكوس ) ، فالنص يبدأ بانهيار واضح لحدود زمان ومكان الصلاة التي يؤديها البطل ثم يرصد السارد برهافة هوسا رهيبا يستولي على البطل بصدد حركات الجسد و تبلدها المفاجئ في السجود إذ يقع في دائرة التجمد ثم يفاجأ بأن القبلة كانت خلفه فينتفض من الهوس الشيطاني ، ويذكر المروي له بأنه كان في حلم ، وعند تلك النقطة يناهض السارد عزلة الحلم ، إذ يستمر الجمود في قدميه ليكمل الكتابة الآلية في الواقع ، ويضعنا في تساؤل جذري حول ماهية الواقع نفسه . و مدى تجسد الآثار الحركية اللاواعية للصدمة فيه .
و في انكسار الخواطر يتوجه السارد بالحديث إلى مروي عليه صديق ، ثم يواجهه بمجموعة من المصائر الدائرية التي تستلب هويته ، و تذبح خيالات اليقظة لديه ، فقد وجد نفسه ضمن دائرة سوق المواشي ، كأن رقبته هو وضعت على المذبح ، حيث يرتكز الضوء أغلب الوقت على رؤوس العجول و حركتها الصاخبة . لقد تحول مسار الابن / البطل من الخروج من سلاح الطيران بالكلية الجوية لأسباب سياسية بسيطة إلى الوقوف كبديل للأب في سوق العجول ، و ينقاد البطل إلى حلبة السوق ذليلا كعجل تهاوى من شاعرية الهواء و خيالاته المتعالية و عواصفه بفعل صدمة سياسية حولته إلى سياق التشيؤ . إن البطل مازال يجرب الطيران ، ليستعيد الصدمة ، و يستعد لأن يكون مباعا . هل خفت صوت الهواء داخله ؟ أم تحول إلى عاصفة تدمر السوق ؟
و بوعي طفولي يرصد السارد لحظة ميلاده ، كأنه يعايشها من جديد في زمن السرد ، في نص ( احتمالات بداية ) ، فهو يقتفي أثر الأم الغائبة عن طريق عملية تمثيل سحري للمادة التي خرج منها ، و هي الرحم في علاقته بالمواد الكونية كالرماد و الأرض و الهواء ، عندئذ تتحول الأم إلى أنثى كونية تجمع بين الحب و بعثرة أجزاء الطفل على الرماد أو الرمال ، إن السارد يجمع الماضي مع المستقبل إذ يسافر في لحظتي التكوين و غياب الأم المبكر كأنها سوف تلملم أجزاءه – لو حضرت – في المستقبل . إنه يعايش طيفها من خلال حكايات جدته و أسئلته الوجودية لها حول أصله الضائع المقترن بصورة الأم ، و هنا تتسع تلك الصورة لتحل كروح مقدسة في لا وعي البطل في المكان و هو كفر عسكر ، فيندفع البطل إلى اللعب و الطيران كقرد في الفراغ ، يحاول الخروج من مصيدة العدم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب