الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الانتقام ل-شكري بالعيد-

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


أنت تعرف ربما انك خاوي الذهن حتى انك تعجز عن التعبير عن ذلك. هذا الخواء أنواع و لكن جوهرها عـدم الرغبة في الجمع بين الأشياء.
و لاحظ أن مسافة طويلة تـفصلنا عن لحظة اغتيال شكري بالعيد. المسافة بين الشعار المزلزل الذي عم أغلب التجمعات الاحتجاجية ساعتها و الذي يتهم الغنوشي بالإرهاب و الاغتيال، و بين اليوم حيث مختلف التوصيفات الضبابية حول الأدلة و الغرق في سجال الأدلة..
و هنا فان لحظة الاغتيال التي ساحت فيها دماء "شكري" في الساحات أشعلت الروح العامة بغض النظر عن الشعارات التي رفعت و عن مدى صدقيتها، إلا أن اللحظة أشعلت الوجدان و قادت الإرادة نحو الفصل الحاد و المشتعل بدوره بين إرادة اغتيال التـقدمية و إرادة قتل هذه الإرادة بعدم الاستسلام لوئد الثورية التي مثلها "شكري بالعيد".
و المسافة الفاصلة بين ذاك و هذا تبين مسار الحركة نحو الانتصار الفعلي لشكري بالعيد. هذا الانتصار الذي لازال ناقصا و مبتورا على عدة مستويات.
صحيح أن شكري اليساري الاشتراكي التـقدمي المفكر ذو الثـقافة الواسعة المحيطة بتاريخها العربي الإسلامي و التاريخ العالمي، إضافة إلى وضوح البوصلة في النظر إلى العالم، قد فرض نفـسه على أعدائه بالأمس ليعترفوا به اليوم و إن كان على مضض. فرض رمزيته على الدولة و على مختلف الماضويات و الديناصورات المنقرضة حتما في لحظة ارتعاب حتى من مجرد ذكر اسمه ربما..
إلا أن المسار القضائي لاغتياله بقدر ما يساهم في تـثليج الإحساس بقيمة الرجل، بقـدر ما يحاول بذكاء ذئبي حصر الجميع في دائرة الأدلة و دائرة القوانين.
و لا نقول أن ذاك المسار لا يكتسي أهميته. لا نـقول أن رغبة الانـتـقام و سفك دماء من سفك دمه قد ماتت. لا نقول أن أشـد العقلاء قد تـنـتابهم أحيانا بعض تخيلات التوحش القصوى في قـتل القـتلة و لو حتى بمنطق الهوية. لا نقول أن الفؤاد المكلوم قد سكن تماما إلى إرادة العقل البارد..
لكن.. تخيل السيناريو البائس الذي كان يرعب "شكري بالعيد" نفسه، و هو أن يكبر حتى يغدو شيخا يجر جسده الثـقيل على نفسه و ماضيه الثـقيل في انتظار الزائر الحتمي ذات لحظة فناء هي اشد الأمور وثوقية في الوجود..
ربما كان ساعتها سيفتخر انه كان من ابرز الزعماء السياسيـين اللذين بنوا تكتلا يساريا تونسيا عربيا قويا من شانه أن يحكم فعليا و يقلب الأوضاع رأسا على عقب..
لكن المؤكد أن اغتياله أكثر سعادة بالنسبة له كذات كلية حرة، بقدر ما هو أكثر الكوابيس تـنغيصا دائما لحياة قاتليه الجزئية و إن كانوا يتوهمون أنهم أبناء الرب. فهذا نعيم "شكري بالعيد" الذي بدمه تخطينا عتبة الرجعية الدينية. بدمه عانـقـنا الحرية و عانقـتـنا. بدمه سفحنا حياة رتيبة تملؤها الهواجس و أحيينا حياة التحدي و المقاومة و احتلال الشوارع بكل نسجته اللحظة من تواصلية حية بين الأفراد مما خلق كيانا وجوديا جديدا برمزياته المختلفة...










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة: كيف عزلت إسرائيل؟ | بتوقيت برلين


.. يامالك الملك و رسمتك يا حبيبي.. أجمل أناشيد دينية وقدود حلبي




.. ماكرون يترأس احتفالات الذكرى الـ 80 لإنزال النورماندي في -أو


.. عشية الانتخابات الأوروبية... غضب المزراعين لا يزال حاضرا بقو




.. ذكرى إنزال النورماندي: ما أبرز ما جاء في كلمتي ماكرون وبايدن