الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أناة العبادي..أم طيش ترامب

جمال الهنداوي

2017 / 2 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


في عالم آخر اكثر واقعية..كان يمكن ان يحسب للسيد رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي هدوءه في التعامل مع ازمة قرارات الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي يقيد مواطني عدة دول ذات أغلبية مسلمة من الدخول إلى أميركا، وخياره في عدم جدوى أن " نجعل الشعب الأمريكي عدواً لنا بسبب قرار صادر من ترامب".
فبالفعل.. لم يكن من المفيد الانجرار وراء اغراءات المعارك الكلامية الضاجة في مواجهة قرارات تفتقد الى الارضية القانونية والدستورية - بل وحتى الاخلاقية- وكان من الحكمة الرهان على قيم الشعب الامريكي وقواه الشعبية ورسوخ مؤسساته الدستورية والقانونية ونضوج ممارسته الديمقراطية.. والاهم هو الوعي الصائب بان اي موقف آخر لم يكن سيتمخض الا عن بعض المبارزات الاعلامية و السجالات الرعناء وحفلات السخرية وجلد الذات العنكبوتي المتطاول على ساحات التواصل الاجتماعي ..
نعم..يجب ان يحسب للسيد العبادي تصرفه الهاديء والعقلاني وهو يرى اسم العراق محشورا ضمن قائمة من الدول وتحت عنوان عريض ومؤذي وهو " الحماية من الإرهاب".. ولكن هذه الأناة يجب ان لا تمتد حد تجاهل الاشارات الخطيرة التي يمثلها هذا القرار على على طبيعة ومفهوم - وحتى فلسفة - العلاقة ما بين العراق والولايات المتحدة من جهة , ومن جهة اخرى مع بعض دول الجوار - الخليجي بالذات - التي هللت للقرار بشكل تعفف عنه الكثير من الامريكيين انفسهم.
وان كانت هناك فسحة من الحكمة تدعو العراقيين - من باب اليأس من الآخر - لتجاهل تلك الزغاريد الاعلامية والرسمية - الخليجية بالذات- التي استقبلت القرار بترحاب اقرب الى دق الدفوف منه الى التغطية المهنية لحدث يؤثر بشكل مباشر على مواطني دول من المفترض انها ترتبط معهم بالكثير من الوشائج والقربى , والذي لم يكن اسوأ منه الا ذلك الوجوم الحزين الذي سيطر على رؤوس الاعلام الخليجي ومغرديه- خاصة تلك السحنة التي تذكرنا فورا ببلاد البخور والتوابل الحارة - في تغطية قرار القاضي الفيدرالي جيمس روبارت في ولاية واشنطن بابطال قرار الرئيس الامريكي ترامب لعنصريته وعدم دستوريته..
ولكن من الصعب التغافل عن ان هذا القرار صدر والعراق مرتبط بالولايات المتحدة باتفاقية امنية استراتيجية من المفترض انها تنظم التعاون " الوثيق " بين البلدين في تعزيز وإدامة المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق" وفي " مكافحة الارهاب المحلي والدولي والجماعات الخارجة عن القانون".. مما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول النوايا المبيتة وراء زج اسم العراق في هذه القائمة في ظل الحرب المشتعلة على ارضه تجاه قوى الارهاب الدولي التكفيري والتي من المفترض ان القوات الامريكية تخوضها كتفا بكتف الى جانب القوات الامنية العراقية..
نقر -مع الكثير من التحفظ - بسيادية القرارات التي تتعلق بالامن القومي لكل بلد, ولا نفتأت على حق الرئيس - الذي هو اولا واخيرا خيار الامريكيين ومشكلتهم - في اتخاذ ما يلزم لحماية امن مواطنيه وسلامتهم..ولكن كل هذا يجب ان يكون في حدود القوانين المرعية والتعهدات والاتفاقيات الدولية, وتحويل العراق من دولة حليفة الى دولة مصدرة للارهاب بجرة مصالح اقتصادية غامضة مع هذا الطرف او ذاك قد لا يكون الوضع الذي من الممكن للعراق ان يمضي من خلاله قدما في تعزيز تعاونه "الوثيق"مع الولايات المتحدة..
وان كان - وللانصاف - هناك شبح من المسؤولية من الممكن ان نحمله للحكومة العراقية من خلال بعض الضبابية في تحديد خطوط او محددات التعاون مع القوة الاعظم..الا ان مثل هذه التفلتات الطائشة قد تكون ذخيرة اكثر من ملائمة للمعسكر المنادي بتحجيم العلاقات -في جانبها الامني على الاقل - تحت طائلة عدم الموثوقية بالنوايا الامريكية تجاه العراق ووحدته ومستقبل شعبه مما يحتم على حكومة السيد العبادي مصارحة الحليف الاكبر بتلك الهواجس التي نرى ان لها الكثير من الوجاهة - مضافا اليها السياسة الطائشة العجول للرئيس ترامب - مما لا يستدعي تأجيلها الى وقت قد لا يكون فيه مكان للأناة والتمهل وطول النفس..
وهذا الامر هو ما يجب ان يكون في اولوية اهتمامات القيادة العراقية وذلك من خلال فتح قنوات التواصل المباشر مع الادارة الجديدة وعدم التناوم على عبارات الحرص على العلاقات الثنائية وبيانات الدعم الفضفاضة..والاهم هو في توحيد الخطاب الداخلي العراقي وفق المصالح الوطنية العليا وتفعيل القوانين تجاه مروجي الطروحات المكوناتية الضيقة التي اضرت كثيرا بالعراق والعراقيين واخلت بسمعته ومكانته بين دول العالم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل يعرفون أم لا يعرفون؟
رفيق التلمساني ( 2017 / 2 / 5 - 20:42 )
نقرأ: (والاهم هو في توحيد الخطاب الداخلي العراقي وفق المصالح الوطنية العليا وتفعيل القوانين تجاه مروجي الطروحات المكوناتية الضيقة التي اضرت كثيرا بالعراق والعراقيين واخلت بسمعته ومكانته بين دول العالم.)
هل معنى هذا الكلام أن القائمين على شؤون العراق يجهلون هذه الحقيقة؟
إذا كانوا يعرفون ولم يعملوا بها فالمصيبة عظيمة، أما إذا كانوا لا يعرفون فالمصيبة أعظم.
هل يعرفون أم لا يعرفون؟
في كلتا الحالتين فهم في غنى عن هذه النصيحة.
السؤال الأكبر: لماذا انتخب الناس عندنا هذه النخب السياسية؟
الحقيقة المرة أن أرضنا لم تتمكن حتى الآن من إنجاب أفضل منهم.
تحياتي


2 - اتفق معك
جمال الهنداوي ( 2017 / 2 / 5 - 22:41 )
ممتن سيدي الفاضل لتعقيبك المهم..اعتقد بانك تتفق معي بان اكثر ما اضر بالعراق وشعبه هو الترويج لوطن ملزق من قوميات متنافرة واستلال دعاة هذا الطرح وتقديمهم في واجهة المشهد بدأب يثير الكثير من علامات الاستفهام..ومعك في ان النخب السياسية لم تستطع ان تبلور خطاب وطني مقبول لحد الآن..اكرر شكري لمرورك الكريم


3 - اتفق معك
جمال الهنداوي ( 2017 / 2 / 5 - 22:41 )
ممتن سيدي الفاضل لتعقيبك المهم..اعتقد بانك تتفق معي بان اكثر ما اضر بالعراق وشعبه هو الترويج لوطن ملزق من قوميات متنافرة واستلال دعاة هذا الطرح وتقديمهم في واجهة المشهد بدأب يثير الكثير من علامات الاستفهام..ومعك في ان النخب السياسية لم تستطع ان تبلور خطاب وطني مقبول لحد الآن..اكرر شكري لمرورك الكريم

اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية