الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكابوي القومي والهيمنة بالبلطجة

سمير عادل

2017 / 2 / 5
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


ان "ترامب ليس ظاهرة كما يصفونه المحللين بقدر ما انه صورة حقيقية لتيار له نفوذه الاجتماعي، وكذلك السياسي في عمق التاريخ الامريكي "-ترامب لم يقفز من السماء- الحوار المتمدن". ان شعار "امريكا اولا" لدونالد ترامب ويؤيده اغلبية الحزب الجمهوري المهيمن على مجلسي النواب والشيوخ بنسبة ٥١٪، هو عنوان جديد لترميم مكانة الولايات المتحدة الامريكية على صعيد العالم، وهو أقرب الى مشروع "النظام العالمي الجديد"، او "المشروع الشرق الاوسطي" للرئيس الامريكي جورج دبليو بوش بعد احداث الحادي عشر من ايلول، وقاد الى غزو افغانستان واحتلال العراق.
ان ترامب يمثل احد اجنحة البرجوازية داخل الطبقة الحاكمة، التي تشعر بخطورة تراجع المكانة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الامريكية، وترى ان صعود الاقطاب العالمية مثل الصين وروسيا تقوض كل يوم من تلك المكانة. وكل الشواهد والدلالات المادية مثل: الاتفاق النووي مع ايران واتفاقية التجارة الحرة عبر المحيط الهادي والانسحاب التدريجي من الشرق الاوسط لتتبوأ روسيا دفة القيادة فيه، كما في الملف السوري والعلاقات مع مصر واعادة تموضعها في ليبيا، والرضوخ امام الضغوط الدولية للتوقيع على اتفاقية باريس للاحتباس الحراري، تدل على بدء افول القطب الامريكي المهيمن على العالم.
كانت العسكرتارية، دائما الاداة الفعالة لفرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الامريكية على العالم، بيد ان فشل تلك الاداة بعد الحربين في افغانستان والعراق في تحقيق صياغة النظام العالمي الجديد لتنفرد فيه الولايات المتحدة الامريكية، ادى الى صياغة مفاهيم جديدة جاءت بها ادارة اوباما، وهي التعاون العالمي، وهو كان تعبير عن الانحطاط السياسي والاقتصادي والاخلاقي الذي وصلت اليها الولايات المتحدة الامريكية بقيادة المحافظين الجدد في نهاية عام ٢٠٠٨، ليدفع جناح اخر من البرجوازية اوباما الى الادارة الامريكية والذي حمل شعار "The Change" اي التغيير.
ان اهم قرارين اتخذتها ادارة ترامب للاستعداد في تحقيق استراتيجية اعادة الهيبة الى الولايات المتحدة واسترجاع مكانتها او ايقاف منحني نزول تلك المكانة، الاول شحذ الروح القومية داخل الولايات المتحدة الامريكية عن طريق منع المهاجرين واللاجئين من الدول السبعة وهي ايران والعراق وسورية واليمن والصومال والسودان وليبيا وتحت شعار حماية المواطنين الامريكيين، والثاني هو قرار زيادة الانفاق العسكري وتحديث الجيش الامريكي وقدراته النووية. وعلى الرغم من الاحتجاجات الكبيرة التي تجتاح المدن الامريكية ضد قرار المنع المذكورة، الا ان ٤٩٪ من الشعب الامريكي حسب استطلاعات الرأي يؤيد القرار في حين يعارضه ٤١٪. اي أن ادارة ترامب نجحت في شحذ الاجواء القومية داخل الولايات المتحدة الامريكية، كما فعلت ادارة بوش الابن في تأجيج المشاعر القومية بعد الحادي عشر من ايلول وتعبئة الشعب الامريكي لقرار غزو افغانستان ومن ثم العراق. وبموازاة تلك القرارات، أطلق العنان لإسرائيل بالمضي في سياساتها العنصرية تجاه الفلسطينيين واعادة الدور لها كأداة فعالة للإدارة الامريكية في المنطقة كما كان في القرن المنصرم، واصدار قرار بفرض عقوبات جديدة على ايران تمهيدا في دفعها للانسحاب من الاتفاق النووي والاستعداد لضربها عسكريا. بعبارة اخرى ان الادارة الجديدة تعد نفسها لاستعراض العضلات العسكرية بالتزامن مع نفخ بالروح القومية الشوفينية، من اجل اعادة صياغة اتفاقات جديدة تضمن اعادة الهيمنة للإمبريالية الامريكية في العالم.
فمن الحماقة السياسية النظر الى السياسات والقرارات التي يوقعها ترامب من خلال شخصيته ومزاجه واخلاقياته العنصرية التي يتحلى بها. وإذا اراد المرء ان يقيم هذه السياسات فعليه ان ينظر الى اغلبية الحزب الجمهوري الذي يؤيد تلك السياسات كما اشرنا، والى بول راين رئيس مجلس النواب الجمهوري الذي اعلن تأييده لقراري منع المهاجريين واللاجئين والعقوبات الامريكية الجديدة على ايران.
على صعيد المنطقة، فأن قرار الهجرة المذكور بقدر ما يتعلق بنفخ بالروح القومية داخل الولايات المتحدة الامريكية، بنفس القدر هي لوي اذرع الدول التي شمل مواطنيها قرار المنع التي هي بالأساس، اما النفوذ الامريكي فيها معدوم او ضعيف لصالح قوى دولية واقليمية اخرى. وكما قال فريد زكريا رئيس تحرير مجلة نيوزويك سابقا والمذيع في قناة "سي ان ان" وأحد المقربين من دوائر القرار الامريكي، فأن معدل عدد الاشخاص الذي ارتكبوا عمليات ارهابية من الدول السبعة التي شملها قرار المنع هو صفر. في حين ان قانون جاستا الذي ايده ترامب عشية فوزه بالانتخابات يقاضي بدفع المملكة السعودية تعويضات تقدر بمليارات الدولارات الى ذوي الضحايا، لاشتراك خمسة عشرة من أصل تسعة عشرة من مواطنيها بالعملية الارهابية في الحادي عشر من ايلول عام ٢٠٠١، لكن قرار حظر السفر لم يشمل المملكة لانها ببساطة، اداة اكثر رجعية وعنصرية من اسرائيل في تنفيذ الاجندة السياسية لامريكا في المنطقة.
اي ان ما وراء هذه القرارات هو البدء بإشعال بؤر وليس بؤرة الشرق الاوسط لوحدها. ويعني ستنتظر البشرية المزيد من الحروب وافاق مظلمة، اذا نجح الجناح الحاكم الذي تقوده ادارة ترامب في تحقيق اجندتها المذورة. وكما عودتنا الاستراتيجية الامريكية القديمة في مهاجمة الاهداف الرخوة، فأن منطقة الشرق الاوسط أكثر البؤر مهيأة للاشتعال والاحتراق.
ولذا ليس امامنا الا ان نعي خطورة السياسات الجديدة وتداعياتها على مستقبل الانسانية في العالم. والطريق هو ليس في نفخ الروح القومية الشوفينية في مناطقنا وبلداننا مثل ادارة ترامب وحذو الاحزاب الميليشياتية الاسلامية في العراق حذو ادارة ترامب التي تحاول استبدال اللحن الطائفي بالوتر القومي، بل ويجب تفويت الفرصة عليها من خلال فضح دعاياتها وسياساتها، والتعلم من الجبهة الانسانية التي بدأت تتشكل في المدن الامريكية واوربا. على الشيوعيين بالدرجة الاولى وكل دعاة الحرية المساواة وحقوق الانسان الانخراط بالمشاركة والتنظيم وقيادة هذه الجبهة. انه الطريق امام قطع الآمال امام سياسات الامبريالية الامريكية في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل منطقي وعلمي
حميد فكري ( 2017 / 2 / 6 - 19:26 )
تحية طيبة سيد عادل .تحليلك منطقي وعلمي ،فالسياسات كيفما كانت ،محليةوطنية ،او دولية .تخضع لبنى موضوعية ،تتحدد بالاقتصاد والمصالح ا لاستراتيجية وليس الشخصية مهما كانت قيمة الفرد المنتج لها.بل على العكس تماما ،هذا الفرد ذاته يتحدد بتلك البنى الموضوعية .ففيها يتم الكشف على شخصيته .معنى هذا ان اية مقاربة او تحليل سيكولوجي،لظاهرة اجتماعية سياسية ،كظاهرة دونالد ترامب او هتلير على سبيل المثال ،تعجز عن النفاذ الى حقيقتها ،وبالتالي تفشل في انتاج معرفتها .قد يستعين الباحث بعلوم النفس ،لتوضيح بعض الخصاءص الشخصية لظاهرة ما ،لكنه يحتاج بالحاح الى المنهج الماركسي ،للنفاذ الى عمق تلك الظاهرة ،حيث الاقتصاد ،يلعب دور اللاوعي المحدد في الظواهر الاجتماعية ،على غرار دوره في البنية النفسية للفرد.


2 - تحليل منطقي وعلمي
حميد فكري ( 2017 / 2 / 6 - 19:27 )
تحية طيبة سيد عادل .تحليلك منطقي وعلمي ،فالسياسات كيفما كانت ،محليةوطنية ،او دولية .تخضع لبنى موضوعية ،تتحدد بالاقتصاد والمصالح ا لاستراتيجية وليس الشخصية مهما كانت قيمة الفرد المنتج لها.بل على العكس تماما ،هذا الفرد ذاته يتحدد بتلك البنى الموضوعية .ففيها يتم الكشف على شخصيته .معنى هذا ان اية مقاربة او تحليل سيكولوجي،لظاهرة اجتماعية سياسية ،كظاهرة دونالد ترامب او هتلير على سبيل المثال ،تعجز عن النفاذ الى حقيقتها ،وبالتالي تفشل في انتاج معرفتها .قد يستعين الباحث بعلوم النفس ،لتوضيح بعض الخصاءص الشخصية لظاهرة ما ،لكنه يحتاج بالحاح الى المنهج الماركسي ،للنفاذ الى عمق تلك الظاهرة ،حيث الاقتصاد ،يلعب دور اللاوعي المحدد في الظواهر الاجتماعية ،على غرار دوره في البنية النفسية للفرد.


3 - الديمقراطية شكل من أشكال الدولة
جلال البحراني ( 2017 / 2 / 6 - 22:08 )
بالمقالة المرفقة أدناه للغارديان البريطانية، يتضح مدى خبث طبقة البرجوازية، وكيف تفصل الديمقراطية على حسب مصالحها المالية حتى وإن تعارضت مع رغبات شعوبها بتطبيق حقوق الإنسان في أي مكان، بيع السلاح يدر البلايين!
يذكر المقال بأخره أيضا القاضي البحريني منصور المنصور ودوره بتحقيقات جرائم السعودية ضد اليمن، وهو قاضي يعمل بالشراكة مع النظام السعودي، الجدير ذكره أنه هو نفسه قاضي المحكمة العسكرية البحرينية التي حكمت بالمؤبد على ما يعرف بقضية 21 المطالبين بالجمهورية الديمقراطية أبان انتفاضة البحرين العام 2011
هذا هو حقيقة الديمقراطية الغربية، شركات تبيع السلاح لدول مشهورة بعدائها لأبسط حقوق الإنسان فتقتل وتعربد، ثم تعين هي القضاة والمراقبين والمفتشين لينتشلوها من الجرائم
https://www.theguardian.com/world/2017/feb/05/most-britons-believe-selling-arms-to-saudis-is-unacceptable


4 - تحية للسيد حميد فكري
سمير عادل ( 2017 / 2 / 7 - 05:06 )
تحية لك يا سيد حميد فكري.. صحيح ما ذهبت اليه حول التحليل السيكلوجي للاشخاص لكن للاسف انه منطلق الاعلام المأجور لطمس الماهية الطبقية والصراع الطبقي


5 - تشخيص دقيق
سمير عادل ( 2017 / 2 / 7 - 05:07 )
تشخيص دقيق وشكر لهذه المعلومات

اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا