الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصلاح السياسي كمفهوم و كضرورة

جلال مجاهدي

2017 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


مفردة الاصلاح السياسي هي من بين المصطلحات الشائعة المتداولة على نطاق واسع و التي غالبا ما يتم اختزالها في لفظ الاصلاح , كل المهتمون و المشتغلون بالسياسية يتحدثون عن الاصلاح , لكن كل فريق منهم يتحدث عن الاصلاح السياسي من موقعه و من مرجعيته , فما يعده فريق ما إصلاحا , يعتبره الآخر ضربا من ضروب الإفساد و العكس صحيح , إذن مفهوم الاصلاح السياسي هو عبارة عن مفاهيم بصفة الجمع و ليس مفهوما بصفة المفرد , هذه المفاهيم يوازي عددها عدد المرجعيات بتفرعاتها و التي قد تصل إلى درجة التناقض السافر في العديد من الأحيان, بالنظر للتضاد الحاصل بين الرؤى التي تتبناها و الاهداف التي تسطرها , فمن يرى الاصلاح في الدولة الاشتراكية لا يراه في الدولة الرأسمالية و من يراه في الدولة العلمانية لا يراه في الدولة الدينية و هكذا تستمر التفرعات داخل كل مرجعية على حدة و تتنوع التصورات داخل كل تفرع و يتمايز مفهوم الإصلاح من فصيل لآخر وهو ما لا يمكن معه الحديث عن مفهوم الاصلاح السياسي كمفهوم جامع , و بالتالي فإن الحديث عنه بموضوعية و بمنهجية علمية هو أمر يقتضي مقاربة المفهوم بالمعيار المتفق عليه في العلوم السياسية , لذلك فإن الاصلاح السياسي لا يمكن الحديث عنه إلا في اتجاه و نطاق مفهوم الديموقراطية و ضمن محدداته و لا يمكن قياس درجته و مداه إلا من خلال اقترابه أو بعده عما يقتضيه.

نبدأ أولا بتعريف مصطلح الاصلاح, هذا الأخير كمفهوم لغوي , يستعمل للدلالة على فعل القيام بإزالة الفساد, كما يستعمل للدلالة على التوفيق , كإصلاح ذات البين و أيضا يستعمل للدلالة على فعل تقويم المعوج و كمفهوم اصطلاحي عام, فيقصد منه إصلاح ما فسد و التقويم و معالجة القصور و الاختلال , أما بخصوص مصطلح الاصلاح السياسي في مدلول العلوم السياسية , فحسب تعريف الموسوعة السياسية للمؤسسة العربية للدراسات كما صاغه الأكاديمي اللبناني عبد الوهاب الكيلاني وآخرون , فهو تعديل أو تطوير غير جذري في شكل الحكم دون المساس بأساس النظام , و هو نفس التعريف الذي تبنته العديد من المقاربات و الدراسات , لكن هذا التعريف يبدوا ناقصا شيئا ما و لتتميمه , يمكن تعريف الاصلاح السياسي بأنه تعديل أو تطوير غير جذري لشكل الحكم في إطار الاستمرارية في اتجاه ما تقتضيه الديموقراطية و القطع التدريجي مع الفساد السياسي و المعالجة التدريجية للقصور و الاختلال الديموقراطي لنظام الحكم السياسي.

إذن فعكس مفهوم الثورة الذي يقتضي اجتثاث أنظمة الحكم و إقامة أخرى , فإن الإصلاح السياسي يقوم على الاستمرارية , بالإبقاء على شكل نظام الحكم و تطويره من الداخل تدريجيا في اتجاه الدمقرطة, ليتخذ مع مرور الزمن شكلا أكثر ديموقراطية ومن هنا نكون أمام نوعين من الإصلاح السياسي , فهو إما إصلاح سياسي ديموقراطي يقتضي وجود أنظمة حكم ديموقراطية لكن تعاني من قصور و اختلال يتعين تقويمه , أو إصلاح سياسي بالانتقال أو بالتحول الديموقراطي الذي يقتضي القطع التدريجي مع الأشكال غير الديموقراطية لأنظمة الحكم و المرور إلى المرحلة الديموقراطية.

و للتدقيق في المصطلح و الخروج به إلى دائرة الضوء , فإن الإصلاح السياسي ليس شيئا آخر سوى الإصلاح الدستوري و التشريعي بدمقرطتهما من جهة و تصحيح الممارسة الدستورية و القانونية على مقاس الديموقراطية من جهة أخرى , هذا الإجمال المتمثل في إصلاح الدستور و القوانين و الممارسة المتعلقة بهما , يمكن اعتباره , مرادفا لمصطلح الاصلاح السياسي , طالما أن الأمر يتعلق بالأصل الذي تتفرع عنه باقي الفروع .

و الاصلاح السياسي , له أبعاد متعددة فهو يؤثر بشكل مباشر في البيئة الكلية للدول لكون تأثيره يشمل كل المناحي الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ...... لكن يبقى السؤال عن كيفية تحقيقه دائما مطروحا , فالبعض يرى بأن التحديث لوحده كفيل لإنتاج الاصلاح السياسي و هو الرأي الذي تبناه قديما آدم سميث حيث كان يرى أن ازدهار الاقتصاد و نموه و انعكاس ذلك على الافراد , كفيل لإنتاج الاصلاح السياسي و هو نفس الطرح الذي ذهب إليه عالم الاجتماع الأمريكي ليبست , في حين يرى البعض بأن تحقيقه هو نتاج تطور تاريخي للصراع السياسي بين النخب السياسية و هو الطرح الذي تبناه دان كورت روستو, في حين يرى البعض الآخر, بأنه نتاج للتطور التاريخي للبنيات المتغيرة للطبقات و الدولة و مجموع القوى المجتمعية و لا يقتصر الأمر على النخب فقط و هي المقاربة التي تبناها الباحث الفلسطيني تيسير محيسن كما جاء في كتابه محاولة أولية للتأصيل في مفهوم الإصلاح .

ما نستنتجه من خلال هذه المقاربات للإصلاح السياسي , و من جميع المقاربات الأخرى المبنية و المؤسسة , هي أنها تجعل من الإصلاح نتيجة و ليس أداة أو وسيلة , و مرد الأمر إلى كون هذه المقاربات هي مقاربات موضوعية , تنطلق من واقع الممارسة السياسية , الذي يفترض سلفا أن طبيعة العلاقات السياسية هي علاقات صراع ,حيث يحاول مختلف الفرقاء كسب أكبر مساحة في الرقعة السياسية و منه فمن غير المتصور أن يتنازل فريق ما عن مكتسباته في ساحة الصراع دونما اضطراره لذلك .

المقاربات السطحية التي تتحدث عن إصلاح ما يأتي من ذاته و عن إصلاح أداتي صادر إراديا عن نظام حكم سلطوي مثلا , هي مقاربات غير صحيحة و هي عبارة في معظمها عن خطابات استهلاكية تنتشر في البلدان ذات الانظمة المستبدة و التي عكس خطاباتها الرسمية الموجهة ليستهلكها الجمهور , تسعى دوما إلى إعادة نفس الأنماط الاستبدادية لضمان استمرارها في الامساك بالسلطة و في الحفاظ على امتيازاتها و على مصالحها الاقتصادية , الإصلاح السياسي له معادلاته التي ينتج عنها , فهو بالدرجة الأولى رهين لظروف الصراع السياسي المباشر بين النخب السياسية و بدرجات متفاوتة رهين بالضغط الذي تمارسه القوى الحية بالمجتمعات من صحافة و اعلام و مجتمع مدني و غيرها .

و من هنا تبرز أهمية دور الأحزاب السياسية و النقابات و المجتمع المدني و الصحافة و الإعلام في الدفع بالأنظمة نحو الإصلاح السياسي , لكن الدفع في هذا الاتجاه , لا يتصور في حالة ما إذا كانت هذه القوى هي الأخرى تعاني من انعدام الديموقراطية و من انعدام الحرية , كحال العديد من الدول العربية التي تحولت فيها الأحزاب و النقابات إلى قطاعات أوليغارشية نفعية متماهية مع الأنظمة السلطوية , و التي تحولت فيها الصحافة و الإعلام إلى منابر تردد قصاصات السلطة و تروج الخطابات الاستهلاكية الرسمية.

الإصلاح السياسي في ظل مثل هذه الأوضاع التي توصف بالموبوءة , يعد أصعب عمليات الإصلاح , طالما أنه يتوجه نحو المجتمع السياسي الواسع برمته و بالتالي فإنه في ظل هذا الطرح , فإن ما هو متوقع هو أن يظل العالم العربي لوقت طويل بدون إصلاحات سياسية حقيقية , لكن إذا كان الوضع السياسي موبوءا و إذا اختفت أصوات النخب السياسية و الاعلامية المطالبة بالإصلاح السياسي , فذلك لا يعني أن الإصلاح غير مطلوب شعبيا و لا يعني أن ليس هناك وعي سياسي شعبي وأن ليس هناك احتقان و سخط شعبي من الممكن أن يتحول إلى أشكال احتجاجية أو ثورية لا يتنبأ بمصيرها و هو ما أكدته سابقا الثورات و الهبات التي عرفها العالم العربي في السنين الأخيرة .

كون الوضع السياسي هو وضع موبوء و كون القوى السياسية و المجتمع المدني و الاعلام لن يدفعوا في اتجاه الدمقرطة , لا يعني البتة بقاء الوضع على ما هو عليه , فإذا كانت معادلة الصراع السياسي الذي يؤدي إلى الاصلاح متعذرة , فإن تهديد الشارع يشكل نموذجا آخر و شكلا آخر من أشكال الصراع السياسي, حيث أصبحت الدول تجد نفسها في مواجهة الشارع مباشرة وجها لوجه و هو الأمر الأخطر بكثير من الصراع الذي يمر عبر القنوات السياسية و الذي يمكن إدارته , لذلك يبقى الاصلاح السياسي صمام الأمان الوحيد للدول ضد الثورات و الضامن الوحيد لاستمرار الاستقرار بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -