الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهمشون في الأرض

ندى الدمشاوي

2017 / 2 / 6
الادب والفن


كان " ثقافة الهامش " عنوان مؤتمر ادباء الأقاليم في دورته الحادية و الثلاثون في محافظة " المنيا " و هذا المؤتمر بإختصار كما يتضح من اسمه يجمع بين شعراء و قصّاصين و روائيين من جميع محافظات مصر يحضرون من الغرب و الشرق و الشمال و الجنوب للإلتقاء ببعضهم البعض و عمل مناقشات و سهرات و تبادلات فكرية و ادبية ، و كان لي نصيب ان احضر هذه المره و مالفت نظري بشدة هو روتينية حفل الافتتاح و انحدار المشهد الذي اُخرِج للحاضرين بشكل سخيف لا يليق باسمه حتى ، و بدأ بعرض عن المنيا و رموزها و عرض مسرحي خطابي جدا يظهر فيه الملك الفرعوني " إخناتون " و هو ليس فيه من ملامح الملكية شيء ، و بعض الفرعونيات يرتدين شعر مستعار فوق حجابهم الكامل ! و امرأه ستينية جاءت كي تزغرد في منتصف العرض عدة مرات متتالية ، و كعادة أي فعالية تحدث على ارضنا الحبيبة تأخر الموعد المزمع فيه إقامة المؤتمر ساعتين او ما يزيد في إنتظار تشريف السيد الوزير و السيد المحافظ و شخصيات اخرى يجلسون تكملة للمشهد إلى جوار الوزير على المسرح و يبدأون في الخطابة المطولة غير المُجدية و التي اكتشفت بعد انتهاء فعاليات افتتاح المؤتمر من المواظبين على حضوره كل عام انها لا تحمل أي جديد أو تغير عن سابقاتها في الأعوام المنصرمة ! هكذا تم افتتاح المؤتمر بحمد الله و انتقلنا الى ثلاثة ايام متتالية من اللاشيء ! كل ما استفدته انا شخصيا حضور حفل من خمسة عازفي عود لكل منهم لونه المختلف و التي استمتعت بها حقا و ايضا كان هناك معرض للكتب الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بأسعار مناسبة ، بخلاف هذا بدأ المؤتمر و انتهى و انا اكاد اجزم ان اهالي محافظة المنيا الكرام لم يشعروا ان شيئا قد حدث ! و بالطبع كان هناك مجموعة من الأدباء المحترمين الذين يقدمون ادبا حقيقيا و يجتهدون و ينفقون من اموالهم الخاصة على مثل تلك الفعاليات و الذين حضروا على هامش المؤتمر و هؤلاء هم المكسب الحقيقي في هذا المؤتمر .

هذا بالضبط يشرح جزءا من وضع الثقافة الجماهيرية في مصر ، فناهيك عن الفساد الذي تعج به قصور الثقافة في المدن و المحافظات المختلفة و عن وجود العديد من أنصاف المبدعين كاسبي ارزاقهم من الفعاليات المزعومه التي تحدث على الورق فقط و توزيع قيمة الدعم الخاصة بها على بعضهم البعض ، و يقوم هؤلاء المرتزقة بمصادرة لأي شخصية تحاول ان تقدم فنا حقيقيا او تحاول ان تخترق منابرهم التي من المفترض انها متاحة للجميع لئلا يشاركوهم في تلك العمليات المربحة هذا بالضبط ما يحدث داخل بلادنا فقط لمجرد أن تستطيع كتابة مسرحية و تنفذها دون حرب يضيع فيها شباب و شرف عائلات أو كي تستطيع أن تطبع كتابا في مطابع الدولة دون ان تنتظر بالسنوات حتى يجد الورثة أنفسهم امام كتاب طُبع لتوه للجد الذي لم يمهله القدر أن يرى ثمرة إبداعه ، الفساد عشش في تفاصيل المجتمع حتى اصبح مجرد عزفك مقطوعة موسيقية في مكان تستطيع ان تراك فيه الجماهير التي هي بالأساس في حاجة ماسة إليك أمر يندر حدوثه إلا إذا استطعت أن تنفذ بآلتك الموسيقية إلى الحدائق العامة - في حال وجود حدائق عامة - أو تجد نفسك بعد أن قضيت سنوات في مطالعة الكتب التي تتحدث عن نظريات التمثيل و متباعة للسينما أو المسرح العالمي و بعد مشاركتك في ورشات لأصدقاء أو صنعتها بنفسك و لنفسك في منزلك او غرفتك المتواضعه انك مضطر لقبول دور هامشي في مسلسل عديم الطعم و اللون و الرائحة .

و نجد على الجانب الاخر بعض المراكز الثقافية و الفنية المستقلة التي لا تجد سبلا ميسرة للدعم أو أماكن متوفرة لعرض منتجها ، و على الرغم من ذلك فنستطيع القول حقا ان هذه المراكز المنتشرة - و التي اصبحت فكرة متداولة بين الشباب - هي المنافس الحقيقي لمنتج الدولة الثقافي الرديء الفاقد للحس الفني و الإداري ، فهي لا تستهلك الإجراءات الروتينية المعقدة و لا تمنع احدا غير مرغوب فيه على مستوى الإدارة من عرض افكاره و فنه على الجمهور ، و الأمثلة عديدة على ذلك و يكفي أن نذكر " ساقية الصاوي " او ما على شاكلتها من مؤسسات أقل شهرة و توسعا في الأقاليم ، و من مميزات هذه المراكز ايضا انها لا تساهم في إهدار ميزانيات الدولة ، حيث يحضرني تصريح وزير الثقافة دكتور / حلمي النمنم في المؤتمر المذكور بأن اكثر من 85٪ من ميزانية وزارة الثقافة تذهب إلى رواتب العاملين - الصوريين - في الوزارة و فروعها و هيئاتها ، فربما تكون الدولة في يوم قريب على قدر من الشجاعة التي تجعلها تتخلى عن خدمات هؤلاء الماصين للميزانية في سبيل دعم هذه المراكز و المؤسسات المستقلة و تنشيط عمل هيئات الثقافة الجماهيرية من خلال هذه الكوادر و استيعاب طاقاتهم و قدراتهم الحقيقية و التي تكون في أغلب الاحيان تطوعية غير منتظرة لراتب او مكافئة مقتطعة من ثمن دعم فعالية صورية .

الفساد يجثم على صدر المجتمع و الفن و الإبداع و الفكر الحر و الإنطلاق الجمالي و هو الخطورة الحقيقية التي تواجهنا في وطننا ، المواجهة طويلة و شرسة و معقدة لأنها تتماس مع مصالح الكثيرين الذين اعتلوا مناصب و نهبوا اموالا عامة و حققوا مراكز إجتماعية لم يستحقوها و لم يحلموا بها يوما ، إذا كنتم تريدون ان تصنعوا مجتمع فيه من الوعي و الصلابة الفكرية ما يكفي لمواجهة الظلامية و الإرهاب فمكنّوا " الهامش " و اتركوا له الساحات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟