الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تبخيس الثقافة

محمد شودان

2017 / 2 / 7
الادب والفن





تبخيس الثقافة
تعيش الثقافة في مجتمعنا حالة من العطالة طويلة الأمد، ويقصد بالثقافة هنا مستوياتها المختلفة عامة وكل ما يتعلق بالإنتاج الفكري والعلمي سواء العلوم الإنسانية أو العلوم البحثة وغيرها، وفي المقابل تم الإعلاء من شأن الفنون الفرجوية والأشكال المائعة من الفن خاصة الاتجاه الرديئ من الغناء.
لا تقوم قائمة لأمة ما لم تكن الثقافة قاعدتها الصلبة ولبنتها الأساسية، لأن الثقافة تضم كل الأنشطة الذهنية والإنتاج الإنساني الذي يعبر به الإنسان عن رقيه الفكري والحضاري، وهكذا فإن التنافس الحضاري بين الأمم يقوم على زادها الثقافي وعطائها الفكري. وهكذا يتحدد المستوى الحق للأمم والحضارات بإنتاجها الفكري الثقافي. والحال أن أمتنا العربية عموما والمغربية خصوصا ـ في الواقع ــ تكاد لا تنتج إلا ناذرا، بل وحتى لا تستهلك إلا القليل من قشور المعرفة.
ليس السؤال هو لماذا، فنحن في غنى عن تحديد المسؤولية لأن هذه الأمور كلها غدت واضحة، والأكثر وضوحا هو تورطنا جميعا ـ شعوبا وقادة ومستعمرين ـ في كل ما نحن فيه من تخلف وتضعضع. لكن السؤال الحق هو إلى متى؟ إلى متى سنبخس الثقافة الحقة حقها من برامجنا، ولماذا هذا الإصرار في تجهيل الشعوب وتعميتها وقتل ذوقها الفني؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة ستفضي إلى فضح المسؤولين المستفيدين من تردي الوضع الثقافي، الفئات والطبقات التي تجني من غبائنا وجهلنا ذهبا ومالا وفيرا، أولائك الذين يستنزفون الميزانيات في الريع الثقافي والسياسي. والمستفيد ليس بالضرورة المستعمر الإمبريالي، لأنه هذا الأخير يرغب في تأمين الأسواق/الدول وقد أدركت ضرورة تمكن شعوب هذه الأسواق من مستوى ثقافي لا بأس به، ولكن هذا ليس هو رأي الحاكم المستبد عميل الغرب بالوكالة على السوق الوطنية، والمتمثل في البورجوازية الوطنية التي تشكل في الأساس الطبقة الحاكمة، والمستفيدة من الريع السياسي والاقتصادي والثقافي.
إن الطبقة المسيطرة على السوق/الشعب/الأمة تشكل سمسارا لا يستفيد بل ولا يتحقق وجوده ونفوذه إلا في ومِن جهل الشعب وغبائه، وهكذا، وللحفاظ على الوصاية المطلقة على هذا الشعب لزم هذه الطبقة المسيطرة ألا تسمح للطبقات المسحوقة بالتفكير خارج إطار الخبز والمطالب الغريزية، وقديما اقترح أحد مستشاري الحسن الثاني أن يعيش المواطن على الحديدة كأفضل حل لمواجهة غضب الشارع وطمس مطالبه.
ولكن، مقابل ازدراء الفن الراقي، وإهمال الإنتاج الثقافي وتبخيسه نلاحظ تسويقا مفضوحا للفن الرديء والغناء الساقط وكل ما من شأنه الحط من مستويات التذوق الفني للمواطن، وضرب القيم الأصيلة للمجتمع، وذلك عبر بث الأغاني الخليعة والساقطة عبر القنوات الإعلامية التي تمولها جيوب المواطنين قسرا، وتبجيل فئة معينة من المغنيين، ومنحهم الأوسمة الملكية وتسليط الضوء عليهم...والأخطر من ذلك جميعا تخصيص ميزانيات ضخمة لذلك، وتمويل برامج تعمل على خلق نجوم الغناء، هؤلاء النجوم التي يتم تقديمها كشخصيات نموذجية يحتدي بها الشباب.
إن هذا الوضع في غاية الخطورة على مستقبلنا الثقافي والحضاري، ويهدد كياننا كأمة بين الشعوب، وإن الحل الوحيد يبقى في يد مثقفي الطبقات المقهورة والمقصودة بالتهميش والتجهيل. لا بد من خلق أنوية تعمل على تشجيع الشباب ـ أمل المستقبل ـ على معانقة الكتاب وتقديس الفكر والثقافة وعدم الانخداع لرغبة العدو الطبقي المستغِل، لا بد من إطلاق شرارة ثورة ثقافية حقيقية.

بقلم محمد شودان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا