الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراقبة الإنترنت في الأردن: بين حقوق التعبير وتهديد الإرهاب

باتر محمد علي وردم

2006 / 1 / 14
الارهاب, الحرب والسلام


عندما رفع رئيس الوزراء الأردني د. معروف البخيت شعار "التوازن بين الأمن الحرية" كان هناك بعض الشك في مدى إمكانية تحقيق هذا التوازن، وكانت هناك مخاوف عبرت عنها تيارات سياسية وحزبية وفعاليات إعلامية في أن يطغى جزء الأمن على الحريات. وفي الواقع فإن هذه المعادلة ليست سهلة التنفيذ، فالسلطة التنفيذية تسعى في العادة إلى الميل نحو تعزيز الأمن على حساب الحريات، وفي المقابل تعمل التيارات السياسية، وخاصة المعارضة منها على التقليل من شأن تأثيرات الإرهاب والتصميم على تعزيز الحريات.

وربما يكون من المفيد أن نؤكد على أن العنصر الأساسي في تحقيق هذه المعادلة يكمن في تحديد "المستهدف من النشاط الأمني" وهي المنظمات والتيارات والخلايا والأفراد ووسائل التعبير المختلفة التي تعمل على التحريض على العنف وترويج مفاهيم التكفير والدعوة إلى الإرهاب وتبريره. ولكن هذا النشاط الأمني يجب ألا يستهدف المؤسسات الإسلامية السياسية المشروعة، أو تلك التي تستهدف العمل الخيري الإجتماعي أو المؤسسات والمنابر السياسية والإعلامية التي تنتقد السياسات الحكومية العامة ضمن الإطار الديمقراطي وضمن الحقوق الدستورية المصانة.

وللتدليل على كيفية تحقيق هذه المعادلة، دعونا نختار حالة نموذجية وهي اعتقال وتوجيه التهمة لشاب سوري الجنسية قام بإرسال رسالة تهديد إرهابية عبر الإنترنت إلى موقع المركز الأردني للإعلام يهدد فيها بتفجيرات جديدة في مواقع وجود "الكفار" ومطالبا بإطلاق سراح الإرهابية ساجدة الريشاوي. الشاب الذي تم اعتقاله كان يعمل وحده، وقد أرسل التهديد بطريقة فردية وسخيفة، ولكنه نال عقابا يستحقه لأن الإرهاب والتكفير ليسا "ساحة لحرية التعبير السياسية" بل تهديدا حقيقيا للأمن والاستقرار.

الأجهزة الأمنية استقبلت الرسالة فور ظهورها على الموقع بجدية كبيرة لأن الاحتمال الأول أن تكون وراءها منظمة أو خلية إرهابية، وبطرق تقنية لا تعتبر سرا حاليا تمكنت من التوصل إلى جهاز الكمبيوتر الذي أرسلت منه الرسالة بناء على الرمز الخاص بكل جهاز موجود في الأردن وفي كل دول العالم، ومن ثم حددت مكان تواجد هذا الجهاز وساعة إرسال الرسالة وطابقت هذه المعلومات مع سجل المستخدمين في مقهى الإنترنت ذلك اليوم حتى توصلت إلى إسم الشاب.

هذه التقنيات مستخدمة في كل الأجهزة الأمنية الحديثة، ومن الواضح أنها موجودة لدى الأجهزة الأمنية في الأردن وهذا متطلب رئيسي لتطوير أداء هذه الأجهزة وحماية الأمن الوطني. ولكن النتيجة التي نستخلصها من هذه الحالة هي أن الأجهزة الأمنية تقوم فعلا بمراقبة الإنترنت، وتستطيع أن تحدد هوية مستخدمي الإنترنت الذين يتجاوزون القانون. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو حول شرعية هذه المراقبة وهل تعتبر انتهاكا لحقوق الناس في التعبير عن الرأي؟

الجواب على هذا السؤال ليس قضية مبدأ بقدر ما هي قضية ممارسة. إذا كان الأردن مهددا بعمليات إرهابية، وهذه حقيقة وليست جدلا فكريا، فإن من واجب الأجهزة الأمنية حماية المواطنين من هذا الخطر عن طريق تحديد مصادر التهديد المحتملة ووضعها تحت المراقبة، ومن ثم التحرك في الوقت المناسب. وبما أن شبكة الإنترنت أصبحت من الوسائل المفضلة للمنظمات الإرهابية التي تستثمر هذه المساحة الكبيرة من الحريات، بالرغم من تكفيرها لمن قاموا بصناعة هذه الشبكة، فإن تبادل المعلومات الذي يتم بين أفراد الخلايا والمنظمات الإرهابية يجب أن يكون مراقبا وبشكل مسبق حتى تجنيب البلاد والعباد خطورة العمليات الإرهابية.

ولكن هذه الممارسة تعني أن يكون كل مستخدمي الإنترنت تحت الرقابة، وبما أن غالبية المستخدمين هم من المواطنين العاديين الذين لا يشكلون تهديدا للدولة والناس وليسوا أعضاء في تنظيمات إرهابية ولا يحملون فكرا تكفيريا يريدون ترويجه فهل يستحقون أن يكونوا مراقبين؟ هذا سؤال صعب مرة أخرى، ولكن من حيث التطبيق كما قلنا لا توجد مشكلة أخلاقية في أن تقوم الأجهزة الأمنية بمراقبة الإنترنت بطريقة محترفة بحيث لا تتدخل في الآراء السياسية العادية التي تعبر عن رأي المواطنين بالسياسات العامة أو حتى انتقادات لاذعة لا تتضمن التهديد بالعنف، ولكن واجب التدخل يقتضي بمجرد وجود تهديدات باستخدام العنف.

إذا كان هناك مئة أو مئتي شخص في الأردن يستخدمون الإنترنت للترويج لأفكار إرهابية وتكفيرية فإن من مصلحة خمسة ملايين مواطن أردني أن يكون هؤلاء التكفيريين تحت رقابة الدولة، وبالنسبة لي شخصيا كمستخدم لشبكة الإنترنت لا مانع لدي من مراقبة هذه الشبكة أمنيا إذا كان التدخل الفعلي واستثمار المعلومات المتاحة من هذه الرقابة لا يتم إلا في حالة الإرهاب والتهديد بالعنف. أما التعبير عن الرأي السلمي فيجب أن يبقى حقا مصونا، وكذلك المعلومات والأسرار الشخصية التي يجب أن لا يتم استخدامها في أي نشاط أمني أو سياسي يتم بموجبه ممارسة ضغط نفسي على أصحاب هذه الأسرار أو حرمان شخص ما من حقه في العمل بسبب نشاطاته السياسية وتعبيره عن الرأي من خلال شبكة الإنترنت.

هذه حالة نموذجية وصعبة لكيفية وضع الحد الفاصل ما بين حق الدولة والمواطن في الأمن، وحق المواطن في حماية أسراره وحماية حقه في التعبير السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا لن يتم إلا بعدم التدخل في حرية التعبير إلا إذا تضمنت "تحريضا على الإرهاب والعنف" يمكن أن يشكل تهديدا لحياة المواطنين وأمن المنشآت العامة، وفي هذه الحالة لا نتحدث عن "تعبير عن الرأي" بقدر ما هي حالة من "العنف والتآمر لايقاع الأذى" وهذه لا يمكن السماح بها تحت بنود حرية التعبير.

عندما يكون هناك تفاهم ضمني بين الدولة والأجهزة الأمنية والحكومات والمؤسسات العامة والشعبية والمواطنين حول الحد الفاصل ما بين الحق الدستوري للمواطنين في التعبير وما بين تهديد أمن الدولة يمكن تنفيذ معادلة التوازن ما بين الأمن والحريات العامة. وفي هذا السياق يمكن لعشرات آلاف الأردنيين من المواطنين والإعلاميين والنشطاء السياسيين والاجتماعيين والمثقفين أن يستمروا في ممارسة حقوقهم في التعبير عن الرأي في الصحف والأحزاب والنقابات والإنترنت والمنظمات غير الحكومية والمنتديات العامة بدون أي انتقاص لهذه الحقوق. وفي المقابل فإن هذه الحريات لا تنطبق على الذين يحملون الفكر التكفيري الذي يهدد الأمن والناس والذين يوجهون تهديدات بالعنف أو يخططون لإرتكاب جرائم إرهابية لأن هؤلاء يجب أن لا يكون لهم مكان في مجتمع مسالم.

في التحليل النهائي تبقى قضية التوازن بين الأمن والحرية تتعلق بممارسة مسؤولة من قبل الدولة بأجهزتها الأمنية ومن قبل المواطنين أيضا، وليس من الصعب التوصل إلى تحقيق هذه المعادلة بنجاح إذا خلصت النوايا من الطرفين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة